بإيقاف السلطات التركية عمليات البحث عن جثة جمال خاشقجي تكون قد أعلنت بذلك انتهاء عملية التحقيق رسمياً من الناحية الجنائية.. وهو ما يعني اكتمال الصورة لدى جهات التحقيق حول السيناريو الذي تمت به الجريمة، ومن ثم يتبع ذلك صدور التقرير النهائي الرسمي للمدعي العام التركي حول ملابسات حدوثها..
وبصدور هذا التقرير في هذا التوقيت قبل يومين من لقاء الرئيس أردوغان بترمب يكون الأول قد ألقى الكرة في ملعب الأخير، بل وفي ملعب كل حكومات وبرلمانات العالم التي كانت تنتظر صدوره، لتضعه على طاولة النقاش وتقرر على أساسه الإجراءات التي ستتخذها تجاه بن سلمان بصفته المتورط الأكبر في الجريمة، خاصة أن التقرير سيصدر مصحوباً بالكشف عن الأدلة التي بنى عليها المدعى العام رأيه، وهو الأمر الذي وعد به أردوغان مراراً وتكراراً وحينها سيصبح النظام السعودي بشكل عام في حرج شديد بعدما ضاق الخناق حول بن سلمان بصفته رأس هذا النظام.. فقد أصبح في ورطة عظيمة بعدما تحولت الشكوك والتكهنات حول تورطه في قتل جمال خاشقجي إلى توجيه الاتهام له بشكل رسمي بناء على الأدلة التي جاء الكشف عنها للرأي العام العالمي، مقروناً بصدور التقرير الرسمي للمدعي العام التركي بعدما كانت مجرد تسريبات ليس لها صفة الرسمية ..
ولقد كان العالم كله شاهداً على ما فعله أردوغان طيلة المدة الماضية، لحفظ ماء وجه الملك سلمان، وما تحمله أردوغان في سبيل ذلك من انتقادات لاذعة من قبل المعارضة التركية وصلت إلى حد اتهامه بالتباطؤ في كشف الحقائق من أجل عقد صفقة مع النظام السعودي يفلت بها الجاني من العقاب.. ولكن هذه الاتهامات لم تؤثر في صبر أردوغان، بل استمر في التعويل على شخص الملك وحثه على كشف الجاني الحقيقي الذي أعطى الأمر بالقتل، مناشداً إياه أن يعمل بما تقتضيه منزلته كخادم للحرمين الشريفين ورمزيته كملك للبلد الأهم في العالم الإسلامي..
ولكن كعادة الطغاة المصابين بعمى البصيرة لم يع سلمان نداء أردوغان له ولم يعره اهتماماً أصلاً، مفضلاً التستر على ابنه القاتل، مضحياً بذلك بسمعته وسمعة العائلة المالكة التي لطالما تلطخت أيدي منتسبيها بالدماء مراراً وتكراراً، ولكنهم كانوا في كل مرة ينجحون في التستر على الجريمة وإزاحة التهمة عنهم.. إلا أن حسابات سلمان قد أخطأت هذه المرة فلن يفلح أبداً في إنقاذ ابنه وتبرئته من جريمة قتل جمال خاشقجي ولن يستطيع منع سقوطه ولا منع رفض العالم له كولي للعهد، ناهيك عن أن يصبح ملكاً..
ولا شك أن الملك قد جعل نفسه بتبنيه لهذا الموقف حبيس نفس زاوية الاتهام التي حاصر فيها أردوغان ولي عهده بما اقترفت يداه.. ولقد أعذر أردوغان حين أنذر، ولكن لا حياة لمن تنادي.. لقد مكر بن سلمان المكر السيئ.. إلا أن سنة الله تعالى تأبى ألا يحيق المكر السيئ إلا بأهله جميعاً؛ بن سلمان وأبيه المتستر على القاتل..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.