طائرتان وخمسة عشر سعوديا.. قصتان متشابهتان

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/08 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/08 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش

يا لها من مصادفة، أن ترتبط أسماء ووجوه خمسة عشر سعوديا، بصورة طائرتين، وأن تحضر الإمارات واليمن، بشكل أو بآخر في القصة، وأن تكون الدماء والأشلاء والقتل، عنوانها الأبرز. عفوا إنها ليست قصة واحدة، بل قصتان، قصتان بينهما من أوجه التشابه والتطابق ما يثير الاستغراب، ويغري بكتابة سيناريو فلم مثير وناجح.

طائرتان وخمسة عشر (المشهد الأول(

كان يوم ثلاثاء، معتدل وجميل، بداية أحد الأشهر في الربع الأخير من سنة 2001، حين رأى العالم فيديو يوثق طائرة تصطدم مباشرة بأشهر برج في العالم، ثم بعد ربع ساعة، رأى طائرة أخرى تصطدم بالبرج التوأم، حولت الطائرتان الأشهر في العالم، البرجين الأشهر في العالم إلى كتلة من النيران، ثم دخان فأكوام ورماد. وبعد أن أنجلى الغبار، تبين للعالم أن ذلك الفلم الهوليودي، كان وراءه خمسة عشر سعوديا، بينهما شخصان يحملان نفس الاسم العائلي، وليد عبد الله الشهري، وتركي مشرف الشهري، وإماراتي ومصري، استطاعوا تجاوز إجراءات التفتيش بحقائبهم التي كانت تحتوي على سكاكين وأسلحة بيضاء.

وتساءل المختصون والناس أجمعون، كيف لطائرتين بذلك الحجم، أن تسقطا برجين من الضخامة بما كان، بذلك الشكل؟ وكيف لأشخاص أغلبهم لم يتكلموا اللغة الإنكليزية قط، ولم يذهبوا إلى الولايات المتحدة من قبل، ولم يحصلوا على تعليم ثانوي، استطاعوا تنفيذ مهمة معقدة كهذه؟ من دون أي دعم لوجيستي وتوجيه ومعلومات ومعطيات وعمليات استخباراتية معقدة، قد تكون وراءها أكثر من دولة، وعلى رأسها النظام السعودي، الذي وجهت له الاتهامات المباشرة بعد ذلك، ومن بين من تم توجيه الاتهامات لهم أيضا، شخص سعودي يدعى محمد أحمد مانع القحطاني.

ومهما اختلفت التفسيرات والدوافع والمسؤوليات، إلا أن المؤكد، أن تلك الضربات كان لها ما بعدها، وغيرت وجه الشرق الأوسط، أعلنت الحرب على الإرهاب، وتم تدمير أفغانستان وبعدها العراق، وأقفلت المدارس الدينية، وتوبعت المؤسسات الخيرية، وتم إخضاع أكثر من دولة، ولايزال سيف جاستا مصلتا على رقبة النظام السعودي، في أي لحظة سيتم التلويح به.

طائرتان وخمسة عشر (المشهد الثاني)

ست عشرة سنة بعد ذلك، كان أيضا يوم ثلاثاء، يوما معتدلا وجميلا، بداية أحد الأشهر في الربع الأخير من سنة 2018، حين رأى العالم فيدويو للصحافي السعودي، جمال خاشقجي، يوثق دخلوه، قنصلية بلاده في إسطنبول، ثم لم يشاهد أحد خروجه بعد ذلك. بعد ضجيج ولغط، تبين أن القصة فيها طائرتان، وخمسة عشر سعوديا أيضا، بينهما شخصان يحملان نفس الاسم العائلي، إنه نفس الاسم العائلي المذكور في القصة الاولى، هذه المرة، وائل الشهري و وليد الشهري، في القصة أيضا، مصر والإمارات بشكل من الأشكال، وبعد أن تركزت على القنصلية الأنظار، وتواترت الأخبار، وانجلى الغبار، انكشف الستار عن فلم رعب حقيقي، أبطاله خمسة عشر سعوديا، قتلوا خاشقجي وقطعوه في ربع ساعة، ربع ساعة لا أقل ولا أكثر، وقت قياسي، رغم أنه لا يقارن بالرقم القياسي، الذي حققه أصحاب الطائرتين، حين قتلوا أزيد من 3000 في ربع ساعة أيضا.

كيف لفريق بذلك العدد، أن يسافر وينفذ جريمته، في قنصلية بلاده، على أرض دولة أخرى، ويتكتم عليها، دون علم رؤسائه المباشرين؟

تجاوز الفريق إجراءات التفتيش أيضا بحقائبهم، التي ربما حوت بعضها أسلحة بيضاء ومناشير، أو تسجيلات أو أدلة تدينهم، المهم أنهم تجاوزوا التفتيش، ولم يكتشف أحد أمرهم، كما لم يكتشف أحد أمر الفريق الأول قبل ست عشرة سنة. الغريب أن الخطة وراءها قحطاني آخر أيضا، هو سعود القحطاني، الذي أمر الفريق بإحضار رأس خاشقجي، لكن هل من المعقول، أن يأمر شخص كهذا فريقا مكونا من خمسة عشر رجلا وينهاه، دون توجيهات عليا؟

تساءل المختصون والناس أجمعون، كيف لفريق بذلك العدد، أن يسافر وينفذ جريمته، في قنصلية بلاده، على أرض دولة أخرى، ويتكتم عليها، دون علم رؤسائه المباشرين؟ هل حقا نفذ جريمته، دون دعم لوجيستي واستخباراتي وتوجيه وأوامر ومتابعة، من أي جهة عليا؟ تساءل المختصون والناس أجمعون، وتساءلوا وتساءلوا، دون أن يجدوا إجابات للأسئلة المتناسلة والعالقة، لكن السؤال الذي نترقب كلنا إجابته، هل يكون لهذه الجريمة تداعيات، تغير وجه الخليج أو السعودية على الأقل؟ هل سنشاهد عزلا لولي العهد وتعويضه بمن هو أحكم منه؟ هل سيتعلم نظام آل سعود الدرس، ويتراجع عن عنترياته في قتل اليمنيين وحصار القطريين واعتقال المفكرين والدعاة والمثقفين وقتل وتعذيب المعارضين، وتخفيف السرعة التي انطلق بها ابن سلمان، والتي لا تناسب الحالة الميكانيكية للعربة التي يقودها؟

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى الحسناوي
صحفي
تحميل المزيد