هل يفلت قتلة الصحافيين؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/08 الساعة 15:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/08 الساعة 15:58 بتوقيت غرينتش

الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، اسم جديد يُضاف إلى قائمة الضحايا من أهل مهنة المتاعب، أو بالأحرى مهنة المصائب. ويُصادف الحديث عن اغتيال خاشقجي، احتفالالعالم اليوم، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، باليوم "العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين". ومن الضروري أن نتذكّر في هذا اليوم مجموعة من الحقائق. أولاها أن جريمة مقتل خاشقجي ليست معزولة، أو استثنائية، إذ قُتل أكثر من ألف صحافي بين أعوام 2006 و2017، وفقاً لتقرير منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (يونسكو) المنشور قبل أيام. وفي عامي 2016 و2017، فقد 182 صحافياً حياتهم في أثناء أداء واجبهم. ومنذ يناير/ كانون الثاني 2018، قتل 87 صحافياً، حسب أحدث إحصاء ليونسكو.

ولأول مرة، تجاوزت نسبة الصحافيين الذين قُتلوا في بلدانٍ خاليةٍ من النزاع المسلح (%55) نسبة الصحافيين الذين قُتلوا في مناطق النزاع. ويشكّل الصحافيون المحليون الذين يحقّقون في قضايا الفساد والجريمة الغالبية العظمى من ضحايا المهنة (90 % في عام 2017). ومع ذلك، تلقى جرائم القتل هذه اهتماماً أقل بكثير من وسائل الإعلام. وتعد الجماعات السياسية، المنظمات المتطرّفة، عصابات الجريمة المُنظمة، أكثر الأطراف المشتبه بتورّطها في ارتكاب ثلث قضايا القتل. ويعتبر المسؤولون الحكوميون والعسكريون المشتبه بهم الرئيسيون في حوالي ربع جرائم قتل الصحافيين.

واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013 قراراً يدين جميع الهجمات وأعمال العنف التي ترتكب في حق الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، ويدعو إلى مساءلة مرتكبي الجرائم ضد الصحافيين وتقديمهم للعدالة، ويدعو الدول إلى إيجاد بيئة آمنة ومواتية للصحافيين لمزاولة عملهم بشكل مستقل، ومن دون أي تدخل غير مبرّر. واعتمدت المنظمة الدولية يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني ليكون "اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، إدراكاً من المجتمع الدولي لخطورة الظاهرة، لا سيما وأن الإفلات من العقاب على هذه الجرائم صار مرتفعاً بشكل مروّع، إذ لا تقدم للمحاكم سوى حالة واحدة من كل عشر جرائم مرتكبة ضد الصحافيين. كما يعكس اهتمام المجتمع الدولي بالظاهرة الإحساس بخطورة النتائج المترتبة على الإفلات من العقاب، وما قد يترتب عليه من تداعياتٍ لتدمير المجتمعات، وذلك عن طريق التضليل الإعلامي، وإخفاء ما تتعرّض له المجتمعات من انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، وتفشٍ للفساد والجريمة. وقد حرصت المواثيق والإعلانات الدولية المتعاقبة على تبنّي حرية الصحافة باعتبارها جزءًا أصيلًا من حرية الرأي والتعبير، ومنها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة نفسها من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لما للصحافة من دور فاعل وفعال في المجال العام.

ربما يكون في المعطيات التي وردت آنفاً تفسيرٌ لجانب من الاهتمام العالمي بقضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لا سيما وأن القتلة، أو على الأصح المسؤولين المباشرين عن أمر قتله في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول، ما زالوا مجهولين، مثل مصير جثته التي يأبى القاتل المنفذ الإفصاح عن مصيرها، على الرغم من اعترافه بجريمة القتل مع سابق إصرار وترصّد.

وتطرح قضية خاشقجي السؤال مُجدّداً عن خطورة إفلات مرتكبي الجرائم ضد الصحافيين من العقاب، وأحياناً تحت جناح القوانين الدولية ذاتها. فقد وقع قتل خاشقجي، وأخفيت جثته، بينما يتغطّى القاتل بـ"الحصانة الدبلوماسية" التي حالت دون تفتيش حقائب ربما كانت تُخفي جثة القتيل أو ما تبقّى منها. والحصانة الدبلوماسية ذاتها التي منعت السلطات التركية من معاينةٍ سريعةٍ لموقع الجريمة، وربما هي الحصانة التي ستحول دون تسليم القتلة، وربما هي الحصانة التي ستحول دون محاكمة من أمر بفعل القتل، دون المثول أمام المحاكم الدولية.

بعد خمس سنوات من اعتماد 2 نوفمبر/ تشرين الثاني يوماً عالمياً لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، لم يتجاوز دور المنظمات الدولية إضافة أسماء جديدة الى قائمة الصحافيين الضحايا، وإضافة أرقام جديدة لقائمة القتلة المفلتين من العقاب.

 

 

 

 

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نواف التميمي
أكاديمي وإعلامي فلسطيني، أستاذ الصحافة في معهد الدوحة للدراسات العليا.
تحميل المزيد