في المغرب.. حينما يصير المُحتلّ مُنقذاً من جور الوطن!

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/07 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/07 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
مركب تحمل مهاجرين غير شرعيين

 

 

لطالما تجنَّبت مشاهدة الأفلام السنيمائية التي تدور أحداثها داخل السجون، كان الأمر يشكل "فوبيا" بالنسبة لي، أشعر بالاختناق كلما شاهدتها وكأني من بين المساجين، تُخيفني مشاهد العنف والتعذيب الممارسة على المساجين، أُشفق عليهم خلال صراعاتهم الداخلية التي قد تضاعف محكوميتهم لسنوات أخرى من الاعتقال وأنواع أخرى من العذاب. أتساءل دوماً لمَ يتصارع المساجين فيما بينهم؟ لماذا لم يحاولوا الوقوف صفاً واحداً ويتّحدوا ليقهروا السّجن والسجّان؟

شكّل السّجن دوماً ملتقى لفئات مختلفة من المساجين، منهم من استسلم لسجنه وألِف القيود وحذف من قاموسه كلمة "حرية"، ومنهم مَن تعايش مع السجن وخلق لنفسه عالماً خاصّاً به يُنسيه همّ الاعتقال، وآخرون استحوذت على عقولهم فكرة "الهروب" وعاشوا حياتهم يرتقبون وينتظرون بصيص أمل! فتحة صغيرة! شقاً يدخل ضوء القمر في ليالي السجن الباردة… بلغ بهم اليأس مبلغه حتى صاروا يصدقون الأماني المعسولة من المهرّبين ضاربين بعرض الحائط الخطر المحدق بحياتهم البئيسة، التي اختاروا لها شعار "الفرار أو الموت".

 

جسَّدت السينما تلك المشاهد بشكل احترافي، وأبدعت في تجسيد هذا الصراع بين السّجين والسّجان حتى أصبحت هذه القصص محلّ متعة وترفيه لدى المُشاهد، تجعله يقف في صفّ الهارب ويتمنى أن يُكمل مهمته دون أن يلحظه السّجان.. فكل سجين يتم القبض عليه متلبّساً يكون مصيره السجن مدى الحياة، فتنافس الضباط فيما بينهم للقبض على الهاربين أملاً في أن تتم ترقيتهم وتُكتب أسماؤهم في تاريخ عظماء السجّانين.

لكن اليوم تغير الموضوع بشكل جذري، ولم يعد ممتعاً قطّ، ومشاهد الهرب من السجن لم نعد نشاهدها في الأفلام السينمائية بل صارت من المشاهد اليومية التي تبثها أخبار الصباح والمساء في بلدنا، صرنا نستيقظ في كل يوم على أخبار أناسٍ مقهورين في هذا البلد عزموا على اتخاذ البحر طريقاً لهم للهروب من المآسي اليومية. ولماذا؟! لأنهم وبكل بساطة فقدوا ثقتهم بالـ(وطن)، حتى صار البحر أٙأْمٙن لهم من البرّ، جلسوا كل يوم على ضفاف البحار مترّقبين أيّة وسيلة للهروب حاملين لحياتهم شعار "الفرار أو الموت"، غٙشي اليأس أعينهم حتى صاروا لا يهابون حيتان البحر، جعلوا حياتهم "ورقة ياناصيب" احتمالاً إمّا للفوز والظفر بالعيش الكريم أو الخسارة.

فكانت خسارتهم بفقدان حياتهم، حالهم حال ذاك السجين الذي يبحث عن فتحة ضوء، عن منفذ للحياة، إلّا أن سجنهم كان أكبر، وعقابهم في حالة الهرب لم يكن السّجن مدى الحياة! بل كان الموت مصيرهم، لم تأكلهم حيتان البحر، ولم يغرقوا بين الأمواج العاتية، بل كان الرصاص جزاءهم!

 لم تكن تلك الطلقات كطلقات السينما فهي لم تتّجه نحو الهواء لإخافتهم ولم تستهدف أرجلهم لشلّهم عن الحركة وحتّهم على عدم الهرب بل كانت طلقات عشوائية، رصاصات حرّة! وكأنها تقول لهم: ما الجدوى من الحفاظ على أرواحكم؟ فقد كنتم في هامش الحياة، ما الفرق بين حياتكم وموتكم؟ فقد شهدتم الموت البطيء في بلد اختار التّنكر لأبنائه وفلذات كبده، اعتقل آمالهم، سجن فرحتهم، كبّل أيديهم بقيود الفقر والبطالة، بنٙى حولهم جدراناً من الفساد والاستبداد، ثم أطعمهم في كل يوم أطباقاً مختلفة من الظلم  والجور! حتى الرياح التي كانت تتسلل إليهم لم تكن صافية باردة كعادتها، فقد حملت معها آهات المظلومين وصرخات المحتاجين.. أحسّوا بالغربة فوق أرضهم، لم يقدروا على البرّ بهذا الوطن الذي لم يعد ملكاً لهم، فرأوا في قوارب الموت سبيلاً للحياة، فأحلامهم وأمانيهم في هذا البلد تسمى حقوقاً في الضفة الأخرى.. لم تكن مطالبهم غالية! تمنّوا فقط الحرية الضامنة لعيشٍ كريمٍ في أرضٍ عادلة.. لكن الجواب كان قاسياً وضحّى الـ(وطن) بفلذات كبده وضيّع أحلامهم…

فأسفي على زمنٍ صار فيه المحتلُّ (منقذاً) من جور الـ(وطن).

وأسفي على شبابٍ لم يقدّم لهم وطنهم المسلوب سوى وداع بئيس بين أمواج البحار.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
فاتحة القاضي
كاتبة مغربية
تحميل المزيد