محمد بن سلمان سيبقى، والغرب سيستمر في دعم السيسي.. ما لا تعرفه عن «الشتاء العربي» القادم

عدد القراءات
5,125
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/07 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/07 الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والأمير محمد بن سلمان

قبل 3 سنوات، عزا وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، هيمنة إيران المتنامية إلى كونها "تخوض اللعبة في الميدان". وحث منافسيها الإقليميين على فعل الشيء نفسه، ومن ثم أعرب عن وجهة نظر مشتركة على نطاق واسع بدوائر السياسة في ذلك الوقت، وهي أنَّ دول الخليج العربي بحاجة إلى الاعتماد بشكل أقل على الولايات المتحدة وتأدية دور أكبر في الجوار.

من نواحٍ عديدة، هذا بالضبط ما تحاول هذه الدول فعله منذ عام 2015؛ والآن لدى كارتر وآخرين سببب لإعادة النظر في نصيحتهم هذه.

في ظل غياب قيادة أميركية قوية بالمنطقة منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، فإنَّ مستقبل المنطقة يعتمد على ما تحدده القوى الإقليمية كأولويات، وكيفية تحقيقهم إياها. حتى لو قررت واشنطن أن تنتبه لما يحدث في الإقليم، فستجد الأمر الآن أكثر صعوبة مما كان عليه في الماضي، لتُثَبِّت أقدامها في المنطقة.

ما يحدث في الشرق الأوسط اليوم يمكن عزوه إلى الربيع العربي عام 2011، الذي أثار الرغبة في التغيير الديمقراطي بين الناس العاديين، ورغبة موازية بين الحكومات في الاستقرار استناداً إلى الوضع السابق آنذاك.

بالعودة بالزمن إلى الوراء، كما كان، يعتقد التكتل المضاد للثورات، الذي يشمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر وحلفاءها في اليمن وليبيا وأماكن أخرى، أنَّ المستقبل يجب أن يكون أكثر استبدادية عن أي وقت مضى. بناءً على محادثات واسعة مع كبار المسؤولين العرب، وَجَدت أنَّه يمكن تلخيص النظرة السائدة بينهم كما يلي: قد يتسبب النهج المحلي والإقليمي القاسي في حدوث مخاطر، لكن البديل أسوأ.

ويذهب تفكيرهم إلى أنَّه إذا كان الحكام المستبدون فقدوا السيطرة على الجماهير عام 2011، فذلك يعود إلى أنَّهم لم يكونوا قاسين بما فيه الكفاية في قمعهم. أعطى الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، بعض المساحة للإخوان المسلمين والنشطاء السياسيين والإعلام الناقدة، ولكن انظر ماذا حدث له.

في الوقت الذي أدى فيه الاضطراب الناجم عن الربيع العربي إلى تحويل السلطة من الجمهوريات العربية إلى الممالك الخليجية الأكثر ثراءً واستقراراً، تخلى القادة في أنحاء المنطقة عن زعمهم أنَّهم سوف يرضخون أو ينحنون للإرادة الشعبية، سواء عن طريق السماح بالمزيد من الديمقراطية أو عبر التدين الأكثر تطرفاً.

على سبيل المثال، قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عام 2017: "لن نضيع 30 سنة أخرى من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة، سوف نقضي عليها هنا وفوراً". وفي دفاعه عن الاعتدال، اقترح ببساطةٍ القضاء على المتطرفين الدينيين (بالتعبير الأميركي: استراتيجية الصدمة والترويع بدلاً من كسب القلوب والعقول). وربما استخدم محمد بن سلمان مصطلح "المتطرفين" بشكل ملائم؛ فمنذ ذلك الحين صنَّف السعوديون بعض الجماعات الدينية على أنَّها منظمات إرهابية، مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره منظمة تعبر عن التيار الديني السائد.

إجمالاً، تبدو الدول الاستبدادية أكثر رغبة من أي وقت مضى، في تجاهل رغبات الشارع العربي. وانكشف الآن سر إقامة دول الخليج علاقات مع إسرائيل، في ظل غياب العلاقات الرسمية، وضمن ذلك الشراكات التجارية والصفقات الأمنية. الأسبوع الماضي فقط، أجرت وزيرة إسرائيلية جولة في أبوظبي، وعُزف النشيد الوطني الإسرائيلي بالدوحة، وأجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زيارة تاريخية لمسقط. أثارت مثل هذه التقارير، إلى جانب استمرار دعم "صفقة القرن" التي طرحها الرئيس ترمب، على الرغم من قرار إدارته نقل السفارة الأميركية إلى القدس، سخط الشعوب العربية.

بالطبع، هناك جمهور من أنصار مثل هذا الطغيان. النُخب، والوطنيون العلمانيون، والناس العاديون، المنهَكون من الحروب أو الخائفون منها كانوا في غاية السعادة بعد وصول قادة مثل عبد الفتاح السيسي بمصر ومحمد بن سلمان في السعودية إلى السلطة. فهم يعتمدون الآن على نجاحهم، ومقتنعون بأنَّ أي تسوية ستقوض "المكاسب" التي تحققت حتى الآن.

في مصر، تُعتبر الحملة التي تستهدف جماعة الإخوان المسلمين وأي شكل من أشكال المعارضة هي الأكثر شراسة منذ ما يقرب من 50 عاماً. معظم الإسلاميين والمعارضين إما يقبعون في السجن إما يعيشون بالمنفى. كما عزز النظام قبضته على وسائل الإعلام، التي كانت تعتبر في مرحلة ما من بين وسائل الإعلام الأكثر حيوية بالمنطقة. بالنسبة للسيسي وأنصاره، فإنَّ الإجراءات القاسية مقبولة، لأنَّها أدت إلى استقرار البلاد. حتى قادة الإخوان المسلمين يقرون بأنَّ الحملة ضدهم كانت فعالة، بمعنى أنَّها كانت مدمرة، وفككت الجماعة إلى عدة أجزاء. وبسبب نجاح هذه الحملة على وجه التحديد، فإنَّ النظام وأنصاره يدعمون استمرارها. والآن بعد أن أصبح الانتصار النهائي على الإخوان المسلمين قريب المنال، فلماذا التخفيف من حدة الحملة؟

بالنسبة للأنظمة المعادية للثورات، فإنَّ الأولوية القصوى هي منع تكرار ثورات عام 2011، ويعتقدون أنَّ أفضل طريقة لفعل ذلك هي الاستمرار في المسار القمعي. وهذا هو السبب في أنَّ الحديث الأخير عن أنَّ نهاية محمد بن سلمان ستكون مؤسفة، أو عن احتمال أن يحل شخص آخر محله بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، كان لا يمت بِصلة مطلقاً إلى الواقع الحقيقي في المنطقة. يُنظر إلى محمد بن سلمان باعتباره عضواً رئيسياً في زمرة القادة الجدد الذين يعيدون تشكيل الشرق الأوسط، وهذه الزمرة ستقف إلى جانبه. وظهر هذا التطور أيضاً في استمرار الحصار المفروض على قطر وحرب اليمن. ببساطة، ليس للمخاوف الإنسانية أي قيمة بجانب فاعلية العدوان المتصورة.

وسط الإنهاك الثوري، يحظى السُّلطويون بدعم شرائح واسعة من مجتمعاتهم، ولديهم فرصة لتعزيز سلطتهم. لكنَّ هناك مجموعة متنوعة تضم الديمقراطيين الليبراليين، بالإضافة إلى الإسلاميين الأصوليين، تعتقد أنَّ هذه الفرصة لن تبقى سانحة إلى الأبد، أو حتى تدوم طويلاً، لأنَّ القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي انتفضت من أجلها الشعوب العربية في عام 2011 قد ساءت إلى حدٍ كبير.

في سعيهم لتوطيد السلطة، فإنَّ الحكومات الاستبدادية تمنح تلك السلطة لفئة قليلة ما فتئت تتضاءل، ما قد يعرضهم لمنافسين من الداخل. كما أنَّ القمع السياسي، الذي قد يسحق المعارضة على المدى القصير، يمنح الإسلاميين أيضاً مظالم مشروعة لاستغلالها. وإذا لم يتمكن الحكام المستبدون من تحسين المستوى الاقتصادي لشعوبهم، كما لم يفعلوا حتى الآن، فسيضر ذلك أيضاً بقدرتهم على استعادة الاستقرار، ومن ثَمَّ سيطرتهم على زمام الأمور. شهد العراق والأردن مؤخراً، على سبيل المثال، موجة من الاحتجاجات بسبب السياسات الاقتصادية التي لم تحظ بقبول الناس.

لا يوجد مجال للمصالحة أو المواءمات بين الحكومات الاستبدادية وخصومها الديمقراطيين أو الإسلاميين. إذا فاز الزعماء الأقوياء -ولديهم فرصة حقيقية في ذلك- فسيتعين على الغرب التخلي عن حلمه في شرق أوسط أكثر انفتاحاً من الناحية السياسية (الرؤية التي أثارها الربيع العربي). وإذا فشلوا -وهناك حجة مقنعة بأنَّهم قد يفشلون- فقد تمر بلدانهم بفترة من الاضطراب على نطاق الحرب الأهلية السورية. وفي هذه البيئة المتقلبة، تغيب الولايات المتحدة على نحو يدعو الى مزيد من التشاؤم.

منافسو إيران "يخوضون اللعبة في الميدان"، تماماً كما نصحهم كارتر منذ 3 سنوات. ويغيب عن المشهد حَكمٌ ليدير الصراعات ويُوقف أسوأ غرائز الحكام المستبدين. يبدو أنَّ الولايات المتحدة لا تهتم بما يحدث في المنطقة بهذا التوقيت، ولكن الخطر الحقيقي لعدم الاكتراث هو أنَّه سيؤدي إلى مستقبل أقل استقراراً من الماضي.

– هذا الموضوع مترجم عن مجلة The Atlantic الأميركية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حسان حسان
زميل أبحاث أقدم في برنامج دراسات التطرف في مركز الأمن الإلكتروني والقومي في جامعة جورج واشنطن الأميركية
تحميل المزيد