ماذا تعني قضية جمال خاشقجي بالنسبة للمعارضين حول العالم؟

عدد القراءات
1,871
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/06 الساعة 12:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/06 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش

قُبيل ذهاب جمال خاشقجي إلى قنصلية بلاده، التي لم يظهر خارجها حياً قَط بعد ذلك، غادَرَ المعارض المصري مصطفى النجار مكتبه ولم يصل إلى وِجهته. ما زال مكانه مجهولاً، ورغم الشكوك القوية في أن الحكومة المصرية قد تكون وراء اختفائه، فإن الشرطة -ذات السجل الحافل في إخفاء المعارضين السياسيين- أنكرت ببساطةٍ، وجود أي دورٍ لها.

لكن قضية "النجار" لم تجذب الحد الأدنى من الاهتمام الذي حظيت به قضية خاشقجي المأساوية.

ما زالت أيضاً الصحافية الاستقصائية المالطية دافني كاروانا غاليزيا، التي قُتلت بانفجار سيارة مففخة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بانتظار العدالة. كان لدافني، كصحافية قضت وقتاً طويلاً في تناول قضايا الفساد ببلادها، العديد من الخلافات والمعارك مع الدولة، التي ألقت القبض عليها مرتين على خلفية قيامها بعملها. حتى اللحظة، اتُّهم 3 رجال بقتلها، لكن أسرتها تصر على أن العقل المدبر لقتلها ما زال طليقاً.

ولا يزال رائف بدوي يقبع في سجنه بالمملكة العربية السعودية منذ عام 2012، لقضاء عقوبة بالسجن 10 سنوات و1000 جلدة، لاتهامه بـ "إهانة الإسلام من خلال القنوات الإلكترونية"، بعد إطلاقه موقعاً إلكترونياً. تُذكرنا منظمات حقوق الإنسان من حينٍ لآخر، بقضيته، وكذلك تفعل أحياناً كندا، التي تحمل جنسيتَها زوجةُ بدوي وأطفاله.

في الأسابيع التي تلت جريمة قتل خاشقجي بوحشية على أيدي عملاء الحكومة السعودية، أرسلت التداعياتُ الناجمةُ عنها رسالة واضحة إلى المنشقين والمعارضين ونشطاء حقوق الإنسان: ما لم تكن لديكم شبكة اتصال استثنائية، ستُنسَون على الفور في حال قُتِلتم.

يقول الصحافي والناشط المصري المعروف حسام الحملاوي: "يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا لم نشهد هذا السخط العارم حين أعدم السعوديون الشيخ نمر النمر ومعارضين آخرين؟ يجب أن نتساءل كذلك: لماذا لم يكن هناك هذا الغضب حين كُدِّس الآلاف والآلاف في سجون آل سعود، ليواجهوا التعذيب والمعاملة الوحشية؟ في الواقع، تتكرر هذه الممارسات في بقية العالم العربي. فالسيسي وغيره من الحكام العرب المستبدين يقومون بالشيء نفسه. لكننا لم نرَ مثل هذا الغضب".

ويضيف الحملاوي: "الرسالة هنا تفيد بأنه يجب عليك أن تكون جزءاً من شبكة علاقات مؤسساتية، يجب أن تكون على اتصال جيد بالإعلام الأميركي، يجب أن تكون على اتصال بدوائر صنع القرار عند القوى الغربية، لكي يتساءل البعض عن مكانك في حال اختفائك على أيدي أيٍّ من تلك الأنظمة الوحشية. بخلاف هذا، فأنت لا تساوي شيئاً، أنت لستَ إلا رقماً في القائمة".

جذبت مسألة خاشقجي الاهتمام والتغطية الإعلامية وكان لها عواقب وتداعيات سياسية. السبب الأول والواضح لهذا هو أن الكثير من الصحافيين كانوا قريبين من خاشقجي، وهم يسعون إلى كشف الحقيقة ومِن ثَمَّ تحقيق العدالة، بدافعٍ من تقارب شخصي مع صديقهم. بينما تابع الصحافيون والمعلقون الآخرون الأخبار وتطوراتها واتجاهات الرأي المختلفة حول هذه القصة، لا سيما مع التسريبات اليومية الحاذقة التي دبرتها تركيا، والتي حبست أنفاس وسائل الإعلام العالمية طوال هذه القضية. (يعرض هذا الفيديو مجموعة من الصحافيين وهم يقرؤون بشكل جماعي آخر عمود كتبه الصحافي الراحل). وبالنسبة للآخرين، فإن جريمة قتل خاشقجي كانت فرصة للهجوم على السعودية، لأسباب وطنية أو سياسية، أو بسبب كراهية الأجانب والإسلام.

لسوء الحظ، لا يبدو أن هناك اهتماماً كبيراً بحالة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية والدول ذات الحظ العاثر التي تقع بمنطقة نفوذها.

ومن ثم، ما لم يجد المعارضون أنفسهم واقعين تحت تأثير العديد من العوامل المذكورة أعلاه، فسيواجهون مصيرهم في حالة قتلهم أو اعتقالهم، في ظل صمت عام أو ربما بظل تغطية خفيفة متقطعة.

منتهى أمل معظم النشطاء الذين لا يملكون علاقات شخصية قوية مع كبار الصحافيين، أو الذين لا يقفون في مفترق طرق المصالح السياسية العالمية المتباينة، هو أن يكون بإمكانهم الاعتماد على مجموعات متحدة من الأصدقاء ليخلقوا ضجيجاً يضع المسألة موضع اهتمام مجموعة مهتمة بحقوق الإنسان أو منبر إعلامي متعاطف، لعل تلك التغطية تنجح في إثارة بعض ردود الفعل الرسمية. ويا حبذا لو صدرت من دولة لديها وسائل للضغط على الجناة.

لكن هذا طريق طويل. لقد وقعت العديد من الحالات، لا سيما في الشرق الأوسط، تحت طائلة الآلية الرئيسية التي تستخدمها الولايات المتحدة لجعل الديكتاتوريات الأجنبية خاضعة للمساءلة في حالات مماثلة، وهو قانون ماغنيتسكي لسنة 2012 (الذي تم تدويله لاحقاً سنة 2016). ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود الأدلة، لم تُوجَّه أي تهمة إلى أي شخص من المنطقة. وعادةً ما تنتهي هذه القضايا بالاكتفاء بتصريح عام.

وسينظرون أيضاً إلى السجل الحافل للبلدان التي تضع نفسها في موضع المدافع عن حقوق الإنسان، ويتذكرون أنه حتى مواطنيهم الذين يحملون جنسية مزدوجة يحلّون في المرتبة الثانية بعد المصالح السياسية. أمضت المصرية الأميركية آية حجازي نحو 3 سنوات في السجن بتهم ملفقة، قبل أن تسعى الحكومة الأميركية لإطلاق سراحها.

ومما لا يعرفه الجميع، أن المعاناة على أيدي الأنظمة الاستبدادية لا تقتصر فقط على النشطاء المعروفين، فالضحايا المجهولون لم يحصدوا من الاهتمام أقله.

قتلت مصر منذ صدور قانون ماغنيتسكي ما يقارب الألف من مواطنيها فى يوم واحد. وقتلت البحرين وسجنت مئات من مواطنيها الذين تظاهروا للحصول على حقوق متساوية.

وقتلت المملكة العربية السعودية وأصابت ما يُقدَّر بعشرات الآلاف من اليمنيين، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالقرن الـ21. لم يكن لكل هذا أية تداعيات على الإطلاق.

إن سيل الأحداث الملائم الذي كان مسؤولاً عن الاهتمام العالمي بمقتل خاشقجي فريد من نوعه، ويدرك العديد من المعارضين الذين يراقبون الأحداث التي تتكشف، أنهم ربما لا يتمتعون بنفس درجة القرب الشخصي من الأشخاص الذين يقودون جمهوراً مهماً. إنهم يشعرون بأن قضيتهم لن تجذب أي اهتمام على الإطلاق، حتى لو كانوا قد تعرضوا أيضاً لمنشار الطاغية.

هذه التدوينة مترجمة عن صحيفة The Washington Post الأميركية.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد الدهشان
اقتصادي ومحلل مصري، يدير شركة OXCON Frontier Markets and Fragile States Consulting
تحميل المزيد