الانطوائية مرضٌ نفسي أم اعتزالٌ لترهات المجتمع؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/05 الساعة 13:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/05 الساعة 13:31 بتوقيت غرينتش
رجل حزين منعزل

بكل تأكيد لا يحبذ المجتمعُ الانطوائية والأشخاصَ  الانطوائيين أولئك الأشخاص الذين يفضلون العزلة عن التواجد في جماعات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل مَنْ يفضل الاعتزال، أو عدم التواجد في الأماكن الصاخبة، أو الابتعاد عن جو النفاق الاجتماعي المتواجد بكثرة في المجتمع يمكن اعتباره انطوائياً؟

بدايةً فإن الجواب: لا.. لا يمكن اعتبار الجميع انطوائيين (كمرض نفسي يستوجب التدخل الطبي)، وإلا فسنعتبر أن ثلث سكان الكرة الأرضية انطوائيين (كمرضى)؛ لأن الدراسات أثبتت أن واحداً بين كل ثلاثة أشخاص انطوائي.

علينا أن نفرق جيداً بين الانطوائيين الذين يخافون من التعامل مع غيرهم، ولا يستطيعون التواجد في جماعات، وبين من يفضلون العزلة في بعض الأحيان؛ لإتاحة الفرصة لأنفسهم للتأمل والتفكير والإبداع، ومع ذلك يتعاملون طبيعياً إذا تواجدوا في جماعة، ولا يعانون من أي مشكلة في مهارات التواصل الاجتماعي.

وأريد أن أوضح فكرة وردتني:

 كيف وصل الأنبياء للنبوة؟

ألم يصلوا عن طرق الانطوائية والانعزال بعيداً عن ترهات المجتمع، عن طريق التعبد في غار حراء، كما في قصة النبي محمد (صلَّ الله عليه وسلم)، فكان ينعزل عن المجتمع شهراً في السنة يبتعد عن كل شيء ليتأمل في الوجود والكون، بل ونزل عليه الوحي في أوقات انعزاله، والنبي إبراهيم (عليه السلام)، فكان ينعزل عن مجتمعه ليفكر ويتأمل في الخالق؛ من خلال الكواكب والقمر والشمس، ليهتدي في النهاية إلى خالق واحد هو الله، ليكون النبي الذي اصطفاه الله ليجعل من ذريته النبوة والكتاب.

كما أكدت الدراسات أن الأشخاص الانطوائيين أكثر إبداعاً، وتفانياً في العمل، يستمتعون بالأعمال الفردية مثل القراءة والكتابة.

كما أكدت كذلك أن معظم الكُتاب والفنانين والعلماء والمخترعين والمؤلفين والأدباء ذوي شخصية انطوائية.

بالتأكيد فإن الأفكار العظيمة والاختراعات التي أذهلت البشرية جاءت من التأمل والتفكير في أوقات الوحدة، ولم تحضر في أوقات الصخب والاجتماعات الكبرى، والكاتب لن يستطيع الكتابة إلا منفرداً.

لذلك فمن الخطأ والكارثي اعتبار الأشخاص الانطوائيين جميعهم مرضى، وبهم خلل، وليسوا كباقي البشر، ومنبوذين اجتماعياً، إذ إن هذا الحكم سيشمل الأنبياء في المقام الأول، ومن ثم الفلاسفة والمبدعين بكافة طوائفهم.

علينا أن نعترف باختلافاتنا كأفراد وجماعات، فالانطوائي هو الشخص الهادئ اجتماعياً، وليس شرطاً أن يكون منعزلاً اجتماعياً، فهو يفضل نشاطاً اجتماعياً أقل عن نظيره الانبساطي (الاجتماعي).

دائماً وأبداً وضعها المجتمع بين معضلتين: أفكاره وقناعاته من جهة، والعلم وإثباتاته من جهة أخرى، فيطلق المجتمع آرائه وأحكامه على كل من لا تستهويه نفسه؛ فيصبح الانطوائي أو المنعزل مريضاً نفسياً تارة، وتارة أخرى غريباً عن المجتمع، في الوقت الذي أدحض فيه العلم صحة كل هذه الادعاءات، فعلي أي أساس وضع لنا المجتمع إطارات لما هو صحيح أو خاطئ لما هو كامل أو يشوبه خلل؟! ومن أعطاه الحق في الحكم على كل شيء وأي شيء؟ ليفرض أحكاماً باسم عادات هو من وضعها، متى سيتوقف المجتمع عن إصدار أحكامه على الجميع؟ متى سنتصالح مع أنفسنا ونتقبل اختلافاتنا؟

متى سنعترف بأن في اختلافاتنا عن بعضنا البعض جمال يخلق التعاون والوحدة ليكمل بعضنا بعضاً؟

كمال سيستحيل تواجده لو تشابهنا وكنا نسخاً عن بعضنا البعض، ألم يحن الأوان لنتصالح مع اختلافات غيرنا، وأن الآخرين ليسوا نحن، وأن غيري لن يفكر مثلي، ولا يريد ما أريده، ولا يبغض ما أبغضه، حينها لن نسعى لنثبت من منا أفضل من الآخر.

حينها فقط سنستطيع أن نتعايش مع اختلافاتنا بسلام.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إيمان عاصم
شغوفة بالقراءة والكتابة
تحميل المزيد