القصة باتت معروفة: دخل جمال خاشقجي، الصحافي السعودي ورجل العائلة، القنصلية السعودية في اسطنبول يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر، لأمور تتعلق بالزواج، ولم يره أحد- حتى خطيبته التي كانت تنتظره أمام مجمع القنصلية- مرة أخرى.
وعلى مدى الشهر الماضي، فتشت تركيا السماء والأرض للكشف عن ملامح القضية كلها، ونتيجة لجهودنا، علم العالم أن خاشقجي قتل بدم بارد على يد فرقة موت، وتم إثبات أن القتل كان مخططا له بشكل متعمد.
ومع ذلك، فإن هناك أسئلة ليست أقل أهمية بحاجة للإجابة عليها ستسهم في فهمنا لهذا الفعل الشنيع: أين جثة خاشقجي؟ من هو "المتعاون المحلي" الذي سلمه السعوديون جثة خاشقجي؟ من أصدر الأمر لقتل هذه الروح الطيبة؟ لسوء الحظ رفضت السلطات السعودية الإجابة على هذه الأسئلة.
نعرف أن الجناة هم من بين 1 شخصاً اعتقلوا في السعودية، ونعرف أيضاً أن هؤلاء الأفراد جاؤوا لتنفيذ الأوامر: اقتلوا خاشقجي ثم غادروا، ونعرف أخيراً أن الأمر بقتل خاشقجي صدر من أعلى المستويات في الحكومة السعودية.
ويأمل البعض أن تنتهي هذه "المشكلة" مع مرور الوقت، لكننا سنواصل طرح الأسئلة، المهمة جداً للتحقيق في تركيا، وكذلك لعائلة خاشقجي ومن أحبوه، فبعد شهر من مقتله، لا نزال لا نعرف أين هي جثته، وهو يستحق، على الأقل، جنازة مناسبة بحسب الشعائر الإسلامية. نحن مدينون بذلك لعائلته وأصدقائه، بمن فيهم زملاؤه السابقون في "واشنطن بوست"، وبمنحهم الفرصة ليودعوه ولتقديم الاحترام لهذا الرجل شريف. للتأكد من استمرار العالم في طرح الأسئلة ذاتها، قمنا بمشاركة الأدلة التي نملكها مع أصدقائنا وحلفائنا، بمن فيهم الولايات المتحدة.
ومع استمرارنا في طرح الأسئلة، أود التأكيد على أن تركيا والسعودية تتمتعان بعلاقات صداقة، ولا أعتقد، ولو لثانية، أن يكون الملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين هو من أمر بقتل خاشقجي. لهذا لا سبب لدي للاعتقاد بأن الجريمة تعكس السياسة السعودية الرسمية. انطلاقاً من هذا الفهم، سيكون من الخطأ النظر إلى أن مقتل خاشقجي هو "مشكلة" بين البلدين، ومع ذلك، علي أن أضيف أن صداقتنا مع الرياض، التي تعود إلى زمن طويل، لا تعني أننا سنغض الطرف عن عملية قتل مقصودة تكشفت أمام أعيننا. مقتل خاشقجي لا يمكن تفسيره، ولو حدثت هذه الجريمة في الولايات المتحدة، أو أي مكان آخر، لاستطاعت السلطات التوصل إلى معرفة ما حدث، وسيكون من غير الممكن بالنسبة لنا التصرف بأي طريقة أخرى.
يجب ألا يتجرأ أحد على ارتكاب فعل كهذا على أرض دولة عضو في الناتو مرة أخرى، وأي شخص اختار تجاهل هذا التحذير فإنه سيواجه عواقب وخيمة.
جريمة قتل خاشقجي هي انتهاك واضح وصارخ لميثاق فيينا حول العلاقات الدبلوماسية، والفشل في معاقبة الجناة سيكون سابقة خطيرة جداً.
وهناك سبب آخر يجعلنا نشعر بالصدمة والحزن من جهود بعض المسؤولين السعوديين للتستر على جريمة قتل خاشقجي المدبرة، بدلاً من خدمة مسار العدالة، كما تقتضي صداقتنا. ورغم أن السعودية اعتقلت 18 شخصاً، إلا أن ما يثير القلق هو أنه لم يتخذ أي إجراء ضد القنصل العام الذي كذب بشكل واضح على الإعلام، وهرب من تركيا بعد ذلك بفترة قصيرة. كما أن رفضَ المدعي العام السعودي- الذي زار نظيره التركي في اسطنبول- التعاونَ في التحقيق، وحتى الجواب على أسئلة بسيطة، محبِطٌ جداً. ودعوته للمحققين الأتراك لزيارة السعودية لإجراء المزيد من المحادثات بشأن القضية ليست إلا تكتيكاتٍ يائسة ومتعمدة للمماطلة.
إن جريمة قتل جمال خاشقجي هي أكثر بكثير من مجرد مجموعة من المسؤولين الأمنيين، تماماً كما كانت فضيحة ووتر غيبت أكبر بكثير من مجرد تنصت، وهجمات 11/ 9 أبعد بكثير من خاطفي الطائرات. كأعضاء مسؤولين في المجتمع الدولي، يجب أن نكشف عن هويات المتحكمين بالدمى الذين يقفون خلف مقتل خاشقجي، واكتشاف هوية أولئك الذين وثق فيهم المسؤولون السعوديون الذين لا زالوا يحاولون التستر على الجريمة.
– هذه المدونة مترجمة عن صحيفة Washington Post الأميركية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.