شيخ برتبة مخبر.. السديس وتسييس منبر المسجد الحرام

عدد القراءات
5,621
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/02 الساعة 17:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/02 الساعة 17:24 بتوقيت غرينتش

"صلاة وخطبة الجمعة سيؤديها معالي الشيخ عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام، يعقبها محاضرة: الأمن.. أهميته وسبل تحقيقه والمحافظة عليه".. بهذه الصيغة دُعي المسلمون في سويسرا لفعاليات عُقدت لعبد الرحمن السديس، وزير الملك لشؤون الحرمين، في أحد مساجد العاصمة السويسرية جنيف.

عقب المحاضرة فُوجئ السديس بشاب جزائري يتوكأ على عكاز يصرخ فيه: "كيف أميركا والسعودية تقود دول العالم نحو السلام، وهي تركب الشعوب في سلام؟! كيف تُكلموننا على الأمن وأنتم تحاصرون وتُجوّعون إخوانكم في اليمن وفي قطر؟! كيف وقد ساندتم انقلاب 92 في الجزائر وانقلاب مصر وانقلاب تركيا.. وقفوهم إنهم مسؤولون.. أنتم يا دعاة البلاط.. يا دعاة البلاط، أنتم مسؤولون يوم القيامة!".

"يخلف صلاح الدين"، اسم الشاب الجزائري الذي هاجم السديس، بدت كلمات صلاح ارتجالية ومُحملة بأسى بالغ، أسى تشكل مع كل فتوى سُلطانية خرجت بطعم الدم لتُضفي شرعية دينية على الاستبداد والقتل والتشريد. في مداخلة تليفونية زاد صلاح الدين أسباب حنقه على السديس بوصفه عالم سلطان أضفى الشرعية على جرائم السعودية في بيع القدس عقب زيارة ترمب للسعودية في صفقة القرن(1)

(هجوم غير مسبوق على الشيخ السديس في أحد مساجد جنيف)

 

لم يكن هذا المشهد التوبيخي هو الوحيد مع السديس في جنيف؛ فحين هَمّ السديس بالانصراف تابعه رجل مغربي مستفهما عن تأييده كعالم دين لحصار السعودية لقطر. أجابه السديس: ليس هناك حصار. تابع الرجل: ولماذا التصويت لأميركا في المونديال بدلا من المغرب؟! لم يجب السديس هذه المرة واكتفى بالخروج من المسجد!(2)

 

منذ الثورات وقد تقلّصت مساحة الأمان بين رجل الشارع والمشايخ المحسوبين على المؤسسات الرسمية، وقد تزايدت مواقف الشجب الشعبية ضد العلماء المقربين من دوائر صنع القرار، وهو ما أدى إلى التساؤل حول الغاية التي تدفع الشيوخ إلى المزيد من الزلفى للسلطان وتقديم القربات خيانة للأمانة تجاه الشعوب التي تبحث عن عالِم لا يخاف في الله لومة لائم منطلقا من الآية الكريمة: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ".

أما عن السديس فيُثار التساؤل بخط أبرز: لماذا يُصر السديس في كل موقف على هذه المداهنات على حساب الشعوب العربية، وهل مجرد إمامته للمسلمين في المسجد الحرام تعطيه الحق في أن يستخدم منبر الكعبة في خصومات الملك السياسية؟!

 

منبر الحرم في خدمة السياسة

"يأتي اليوم يعظنا وهو يفتي بقتل إخواننا!"

(من مسجد جنيف)

 

تنطلق خطب السديس المنبرية من التطابق مع آراء الملك السياسية والتي ما يفتأ أن يعلنها على منبر المسجد الحرام ويُشَرعنها للناس، مما يعني أن السديس ليس مجرد داعية، وإنما هو متحدث ديني باسم المملكة، ولسان ديني مُعبرعن ولي الأمر(3)  فالسديس يُوظف منبر المسجد الحرام دوما للسياسة أكثر منه للوعظ، إذ لا يترك مناسبة إلا واستغلها للتأكيد على الولاء للملك والموافقة على قراراته. فمُذ عُيّن قارئا وخطيبا في المسجد الحرام بأمر من الملك فهد ما يبرح أن يصف فهد بـ "المدرسة التي استقى منها"(4) وهو ما سيتكرر مع كل الملوك اللاحقين.

   ومنذ الانقلاب الذي موّلته السعودية والإمارات بمصر عام 2013 وقف السديس خطيبا في المسجد الحرام يُثني على موقف الملك، وقد عبّر السديس عن موقف الملك من الانقلاب بوصفه "نبراسا يرسم الطريق لسالكيه، وموقفا تاريخيا يبيّن الحق لطالبيه، وبلسما ناجعا يضمّد الجراح، ويُواسي أهل الكَلم والأتراح، ويجدد الآمال والتفاؤل والأفراح". 

أما في حصار السعودية والإمارات لقطر لم يستطع السديس الصمت طويلا؛ فخرج بتصريحات تصف قرارات المملكة بالسديدة، حتى دعا العاملين في الإدارات السعودية للالتزام بالتوجيهات التي أصدرتها المملكة. بيد أن السديس لم يكتف بتأييد الملك في موقفه من قطر، إذ أخذ يُحذِّر من التواصل مع من سماهم الفئة الضالة الإرهابية ومن يمت لهم بصلة، وإلا فالمحاسبة بالقانون هي الرادع لكل من تهاون معهم(6)وهو ما يعكس الحماسة التي عند الرجل في دفاعه عما تبناه الملك ورضيه.

الدعاء في الحَرم بطعم إنجازات الملك

"اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين إلى ما تحب وترضى، واحفظه ونائبيه وإخوانه وأعوانه"

(من دعاء السديس في التراويح)

لا يتوقف ولاء السديس للملك على حد اللهج باسمه في الخطب المنبرية، أو على التغريدات التي يُطلقها القائمون على أعماله الإلكترونية من فترة لأخرى لتجديد البيعة لولي الأمر، فالأمر تعدى ذلك كله إلى استخدام منبر الحرم في الدعاية للملك وقراراته بصفة متصلة حتى في دعاء رمضان. وهذا السلوك هو ما اعتبره سعد الفقيه تأليها لآل سعود، إذ وصف الفقيه أدعية السديس بأنها أدعية بطعم إنجازات الملك.6 ففي دعاء السديس يختلط التضرع إلى الله بذكر إنجازات الملك من رفاه العيش وسعة المواطنين وخدماته للأمة الإسلامية في المشرق والمغرب، ولا يقتصر السديس في الثناء على ولي الأمر، بل يتعدى الأمر حتى يصل إلى الدعاء على خصوم الملك السياسيين مباشرة.

فالدعاء لدعم مصر في حربها مع الإرهاب، وهو ما قصد به السديس الإخوان المسلمين غير المُرحب بهم الآن في المملكة، كان ما يلهج به السديس في دعائه منذ الثلاثين من يونيو/حزيران. أما حين سلمت السعودية قائمة الإرهاب لم يكتف السديس بتصريحاته الموالية للملك من هؤلاء المشتبه بهم، وإنما قام في تراويح رمضان يدعو على الإرهاب والإرهابيين ومن مولهم أو ساهمهم من أهل الشقاق والعناد، وهو ما اعتبره الكثيرون دعاء ضمنيا على قطر ومن آوتهم.

مع هذا الحضور الدائم والمستمر لتوظيف المنبر باعتباره أداة سياسية تُخدّم على قرارات الملك؛ يحرص السديس على منع المخالفين من الحديث السياسي في الحرم أو استخدام المساجد لنشر الأفكار السياسية، وكأن الدعاية السياسة وقفت حكرا عليه. ففي خطبة عرفة أفتى السديس بحرمة استخدام الشعارات السياسية أو النبرات الطائفية، إذ يخالف ذلك قدسية الحج، وهو على العكس تماما من ممارسات السديس العملية. ولم يكن هذا هو التناقض الوحيد للسديس؛ ففي الخطبة ذاتها دعا السديس إلى لم الشمل وتقوية الأمة العربية والإسلامية؛ وهو ما لم يلتزم به السديس ذاته ونقضه بعد أشهر يسيرة في موقفه العدائي الحصار، والتي استخدم فيها منبر الحرم ومحرابه للدعاء على مخالفيه.

 

الدعاء لترمب على أنحاء المملكة

 "لا قول لك ولا سمعة ولا طاعة يا عبيد أميركا، ولن تغني عنك أميركا شيئا"

(من مسجد جنيف)

 

على الرغم من انتماء السديس إلى الزمرة الدينية السعودية، والتي أُسست على مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهي المدرسة التي تُوصف بالصرامة والحديّة في موقفها من الكافرين ورؤسائهم ووجوب البراءة منهم وذمهم عملا بعقيدة الولاء والبراء، فإن الأمر سيبدو مختلفا تماما بعد زيارة رئيس أميركا الجديد دونالد ترمب إلى المملكة واستقبال الملك سلمان له. ففي تلك الزيارة، والتي اعتبرها الكثيرون زيارة لجباية الجزية من السعودية، لم يتغاض السديس ذو التكوين الديني الوهابي، وصاحب الموقف المتحفظ في التعامل مع المخالف، عن مهاجمة هذه الزيارة وحسب، وإنما تمادى السديس ووقف داعيا لترمب بالخير والأمان بعدما كان يدعو على المسلمين في الحرم منذ أيام.

 

"رجل السلام" كان هو الوصف الذي ألصقه السديس على ترمب، واعتبره راعي الأمن والسلام في العالم. غاب عن السديس أو تغيب باله أهم محاور حملة ترمب الانتخابية حين دعا بهذا الدعاء، إذ قامت حملة ترمب في جزء كبير منها على العداء للعرب والمسلمين بشكل عام؛ والسعودية بشكل خاص، إذ وصفها ترمب بالبلدة التي أخرجت الإرهابيين، وشبّه ترمب السعودية بالبقرة الحلوب التي تأتي باللبن لدفع دين أميركا، أما حين يجف هذا اللبن فسيضطر إلى ذبحها!(7)

لم يُغفل السديس تصريحات ترمب الانتخابية وحسب، وإنما تغافل كذلك عن المضامين من وراء هذه الزيارة، والتي كان على رأس أولويتها إتمام صفقة القرن مع إسرائيل والاعتراف بحق إسرائيل في القدس، فضلا عن التفاهمات الاقتصادية التي عُقدت بين ابن سلمان وترمب والتي بلغت قيمتها 280 مليار دولار تتكبدها السعودية، بالإضافة إلى 110 مليار دولار صفقات للسلاح.(8)  

المثير في الوقت ذاته أن دعم السديس لترمب يأتي في الوقت الذي يُنتقد فيه ترمب على مستويات واسعة أوروبية وأميركية، حتى من داخل البيت الأبيض ذاته، والتي توصف سياسته بالحمقاء والخرقاء والداعية للعنف والكراهية والداعمة للحرب وليس رجل السلام وراعيه! فقد حقق كتاب "نار وغضب" سقف المبيعات الأكثر في الولايات المتحدة الأميركية، وهو الكتاب الذي خرج ينتقد ترمب ويكشف سذاجته في عامه الأول من السلطة ويسلط الضوء على محدودية قدرات الرجل الذهنية والإدارية، بيد أن هذا كله ليس له اعتبار عند السديس ما دام الملك قد رحّب به في المملكة!

غياب هذا كله عن ذهن عبد الرحمن السديس لم يكن عن قناعة فكرية أو مناورة سياسية، وإنما كان لسبب وحيد على حد تعبير سعد الفقيه وهو ترحيب الملك بترمب واستقباله له في المملكة، وهو ما يكفي عند السديس لينسى كل الخلافات بينهما ويقف ليعلنها: "فاليوم، المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وهما قطبا هذا العالم للتأثير، يقودان العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام بقيادة خادم الحرمين الشريفين وأيضا الرئيس الأميركي دونالد ترمب.. ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُسدد الخُطى ويُبارك في السعيّ!".

هذا هو دعاء السديس لترمب، وهو الدعاء الذي حرم من السديس كل خصوم الملك والذين دعا عليهم من ساحة الحرم رأسا. فمن الدعاء بالهلاك على قطر ومصر ومخالفي الملك في اليمن وسوريا إلى الدعاء لترمب بالبركة والخير والسلام تتجلى شخصية وزير الملك لشؤون الحرمين، عبد الرحمن السديس، ويتجلى لماذا خاطبه الجزائري يخلف صلاح الدين بهذا الأسى والحزن المختلط بالغيظ.

 ————————————————————————

 

(المراجع)

1- الجزائري الذي هاجم السديس في جنيف يظهر على قناة الجزيرة ويكشف الأسباب الحقيقية وراء مهاجمته له !؟

https://www.youtube.com/watch?v=iw_TwxQz944

2- مغربي يسأل الشيخ السديس عن عدم تصويت السعودية لصالح الملف المغربي.

https://www.youtube.com/watch?v=7G1_-SR-oag

3- كهنة السلطة.. سفاكو دماء خلف رداء ديني

http://midan.aljazeera.net/intellect/sociology/2018/4/8/القتل-المقدس-كهنة-تطوعوا-لإضفاء-القداسة-على-مجازر-السلطة

4- "السديس": "الملك فهد" مدرسة يستقي منها الجميع.. ولن أنسى فضله عليّ

https://sabq.org/Um3gde

5- إمام الحرم المكي السديس: قطر فئة ضالة والإجراءات ضدها سديدة.

https://ramallah.news/post/82866/إمام-الحرم-المكي-السديس-قطر-فئة-ضالة-والإجراءات-ضدها-سديدة

6- تعليق د.سعد الفقيه على تصريحات السديس عن ترامب.

https://www.youtube.com/watch?v=3Co9A2YQSc8

7- هل أخذ دونالد ترامب الجزية من السعودية بعد تاريخ طويل من الإهانات مقابل الحماية.

https://www.youtube.com/watch?v=ZCJF4_CEABE

8- توقيع اتفاقيات بقيمة 280 مليار دولار بين السعودية وأمريكا.

https://arabic.cnn.com/business/2017/05/20/us-saudi-bus

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد بن فتوح
سكندري محب للإنسان والفكر
تحميل المزيد