أرامل ومُغتصَبات وقائدات.. ماذا فعلت الثورة في النساء السوريات؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/30 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/30 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش
لاجئات سوريات

حواء ليست بالضلع القاصر، كما يصفها البعض من الرجال وربما المجتمع، حواء خُلقت من ضلعك يا آدم، ولكنها تتصف بالأنوثة والرقة والحنان، غير الطابع الرجولي الذي يتصف به الرجل؛ القوة والقسوة والتسلط، ولكنها في بعض الأوقات سابقاً، وبكل الأوقات حاضراً، تضطر مجبرة على أن تحمل على عاتقها الطابع الذكوري أو الرجولي؛ لتسند كتفها إلى كتف الرجل، وربما تكون سنداً لنفسها من دون الرجل.

في الماضي، حملت المرأة على عاتقها أعباء منزلها وتربية أطفالها والعمل في المزارع والفلاحة وغيرها من أعمال، واليوم تحمل على عاتقها أضعاف أضعاف تلك الأعباء؛ لتتسم بكل الشخصيات والصفات بجسد واحد وروح واحدة، المرأة اليوم تكون أماً وأباً وأختاً وأخاً مقاتلاً وإعلامية ومعتقلة وشهيدةً وكثيراً من الصفات لتتجرد من أنوثتها وتتحول إلى "لبوءة" قوية في غابة مخيفة؛ لتقوي نفسها، وتسند أسرتها وتبني مجتمعها.

المهم مَن أيقظهم

لطالما تداولت الأحاديث طيبةَ السوريين أو سذاجتهم، لم يكونوا سذجاً، بالأحرى كانوا أبرياء ومدركين فداحة الكلفة إذا ثاروا، ويعلمون أن النظام سيستميت بالذود عن نفسه، كانت التبعيات معلومة لأغلبية السوريين، ومع ذلك لم يفتقروا إلى البراءة، كانت الثورة في البداية احتفالاً بانبعاث المجتمع السوري الذي وصفته إحدى الشهادات بالإنسان المشلول شللاً رباعياً طوال خمسين عاماً، ويتنفس فقط، ثم أيقظه الألم، فالألم كان نائماً واستيقظ على آلام وكوابيس.

 

المرأة تغيب لأنها تغيّب نفسها

تذكر صاحبة الشهادة أن ويلات المجتمع (المجتمع قانونه العيب والسياسة قانونها الممنوع) النساء محكومات بهذه القوانين مجتمعة؛ لأنهن مستبعدات إلى محيط النظام والبطريركي (نظام أبوي) وهوامشه.

 

المرأة والرجل

شاركت المرأة إلى جانب الرجل في الثورة السلمية ضد النظام الذي أذاق السوريين رجالاً ونساءً دون تفريق أشكال كثيرة من القمع والإذلال، فشاركت المرأة في المرحلة السلمية للثورة بالاعتصامات وإلقاء الخطب في التجمعات وتحرير صحف للثورة، وتشكل التنسيقات والنشاطات الإغاثية، كما نالت نصيبها من الاعتقال والخطف والتعذيب والقتل والاغتصاب والترحيل واللجوء وتحمُّل مسؤولية إعالة أسرتها عند استشهاد أو اعتقال الرجل المعيل.

الثورة في رأي المرأة ضد القبح

وقالت في ذلك إحداهن: كنت أخرج في المظاهرات بكامل أناقتي مرتدية أجمل ثيابي، فالثورة قامت أيضاً ضد القبح، ثم سرعان ما تنقضي ساعة التظاهر كمثل كل حالات الجمال بلمح البصر، فالنساء اللواتي واجهن النظام وتحدينه اعتُقلن وأمضين أوقاتاً متفاوتة في ساحات السجون الشديدة الضيق.

 

الطابع الذكوري

في ظل الحرب يسود الطابع الذكوري وعدم الاستقرار الأمني، حيث إن الضمان وجود المرأة في المؤسسات غير الحكومية حديثة الولادة مثل المجالس المحلية.

إحدى نساء داريا الحائزة على جائزة الشجاعة الدولية لوزارة الخارجية الأميركية بعثت برسالة إلى الرئيس الأميركي لتغطية خيار قاسٍ كان مفاده: (عندما سيسجل التاريخ، هل سيسجل اسمك أم سيذكر أنك أغلقت عينيك وأذنيك عن صرخات وويلات الآلاف من السوريين المحتجزين في سجون الأسد، أم سيقول عنك إنك الرجل الذي استطاع أن ينقذ مئات آلاف الأبرياء؟! الحرب في سوريا يجب أن تنتهي، لكن يجب أن يفوز مواطنوها نساءً كانوا أم رجالاً بحريتهم وكرامتهم تحت أي حل سياسي كان).

 

الحرب والمرأة

الحرب حفَّزت ووسعت حاجة المرأة ونشاطها في جميع الميادين، فبعض الهيئات غير الحكومية مثل هيئة بسمة للتنمية أصبحت تركز بشكل خاص على حاجيات النساء والأطفال داخل سوريا.

أدركت المرأة السورية أن إشهار ما يحدث في الداخل السوري مهم جداً في توجيه وتشكيل مسار الأحداث السورية؛ فأصبحت النساء يدعمن قصص الحرب السورية، وهناك نساء ضمن المؤسسات لصحف محلية (عنب بلدي) التي أصبحت ثنائية اللغة العربية والإنكليزية، بالإضافة إلى نساء داريا، فكان الاحتجاج عن طريق شجب ما يفعله نظام الأسد من حصار وتجويع كوسيلة عسكرية في مقالاتها.

برأي المرأة فإن الأمور الصغيرة قد تكون سياسية أيضاً، حتى الطبخ والعمل في المنزل ورمي المناشير في الشوارع وغيرها من الأعمال، فالخطوة السياسية ممكن أن تبدأ ببساطة من الوعي، فالثورة أحدثت ولو تغيراً نسبياً في المجتمع السوري أدى إلى وعي النساء بحقيقة أنفسهن، وبعد أن انخرطن في حراك الثورة، وأدركن أنهن تغيرن منذ أن تعطشن إلى التحرر وأدركن أن الحرية هي حرية التفكير ومواجهة المعتقدات الراسخة، وأخذن يسألن عن القيم والأعراف ويشككن فيها.

الحراك الثوري

في السنوات الأخيرة بدأت المرأة بلعب دور مهم في الحراك الثوري السوري، وأصبحن يحملن السلاح ويدافعن عن مصير الثورة، فالمتظاهرون من النساء والرجال في سوريا كانوا يطمحون إلى هدف أسمى وأكبر من مجرد جذب أنظار العالم إليهم، كانت الحرية والكرامة كلمات مفتاحية تتردد في جميع مظاهرات السوريين السلمية وبعد خمس سنين ونصف أتى تساؤل الأكاديمية والناشطة في حقوق المرأة (سينثا أنلو) حول الوضع السوري: أين النساء؟ ضمن دائرة سؤال أوسع وأكثر تردداً على مسامع الكثيرين.

 

الأمن الإنساني للمرأة

خبرات الحرب بالمرأة تتفاوت، كما أظهر (د. ناجي العلي) أن التنازلات التي تمت على حساب أمن المرأة في حروب الشرق الأوسط كان بإمكانها أن تحضر وتقوي حراكهن السياسي.

العنف ضد المرأة كان وما زال كبيراً في سوريا، لقد استخدمت قوات الأسد الاغتصاب الذي اعتبره مجلس الأمن الدولي ضمن قائمة جرائم الجماعات الإرهابية غير التابعة للدول حسب قرار 2253 كوسيلة لتعذيب النساء والأطفال وحتى الرجال والمحتجزين في سجون النظام.

 

النساء الثوريات

لوحظ أن الثورة شارك فيها ناشطات وثوريات يمثلن رمز المقاومة ضد النظام، فالناشطات في سوريا يعبرن عن آرائهن من خلال ساحات إعلامية ويهتممن بالأرامل واليتامى والنازحين في المنفى بطريقة مؤسسية غير رسمية تحت إشراف غير حكومي، من خلال عملهن كمعيلات لأسرهن وممرضات ميدانيات وطاهيات ومعلمات مدارس ومعاونات في عمليات الانشقاق العسكرية، ومقاتلات ضمن النساء الثوريات في سوريا.

 

نقاء

النظام السوري كان وحشياً ودموياً فنكَّل بالشباب وأوغل في قتلهم، مما دعا المرأة إلى أن تحسم أمرها وتشارك في الثورة وبقوة، فها هي الإعلامية والناشطة في حلب نقاء صادق تتحدث عن تجربتها في بداية الثورة، كانت متفرجة ومترددة، وبعد عدة أشهر قررت المشاركة وتقديم حتى ولو جزء بسيط لوطني ولثورة بلدي، ومن خلال عملي بالإعلام وإيصال صوت الحقيقة ومعاناة الناس بدأت نشاطي من خلال برامج التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وسكايب، وساهمت بنقل الأخبار من غرف النشاط ونشرها، بعد ذلك انضممت لشبكة شام وعملت كناطقة باسمها، أعددت بعض التقارير كما انضممت لهيئة نساء سوريا، وعملت بالمكتب الإعلامي للهيئة، كما عملت براديو سوريا الحرة قبل أن أنتقل إلى راديو الشباب.

 

"رحال": نحن لم نعد عبئاً

غالية رحال فقدت ابنها خالد عيس، خلال الهجوم على حلب، وأسست أحد أنجح مشاريع دعم وتمكين المرأة السورية في البلاد؛ لتفوز بجائزة المرأة "الثقة والبطل" التي تقدمها وكالة الأنباء رويترز كنتيجة لأنشطتها الاجتماعية الناجحة.

تقول رحال لـ"العربي الجديد": أنا كغيري من نساء سوريا خسرت ابني وبيت العائلة وصرتُ بعيدة عن بقية أولادي الذين هاجروا إلى ألمانيا، تتحدث عن معاناة النساء في سوريا في ظل الظروف، وتقول: أعمل لساعات طويلة وفي ظروف غير عادية وضغوط نفسية كبيرة وعدم استقرار بسبب الحرب والفراق وهجرة الأبناء أو استشهادهم، وكل هذا أدى إلى اختفاء الفرح من بيوتنا.

"رحال" رفضت العروض والمغريات بالسفر، وقالت: (نحن الذين أطلقنا الثورة ففي حال هاجرنا من سيبقى فيها؟ وإذا كنا سنموت في النهاية.. الأفضل أن نموت في وطننا.

أم حمدان

سيدة في الستين من عمرها من اللاذقية فتحت منزلها لاستقبال الثوار والمنشقين وإخفائهم عن أعين الناس ومساعدتهم على نقل السلاح إلى نقاط الاشتباك، وشدت من أزرهم وشحذت هممهم، كانت تجهز لهم الطعام وتفرش لهم كي يناموا وتنتظرهم وزوجها كي تسمع منهم أخباراً طيبة عن ضرب مفرزة أو تحرير قرية، وتمسح لهم أسلحتهم وتضع لهم الذخيرة تحضيراً لمعركة قادمة، وبالرغم من كل الأزمات ما زالت تثق بالنصر، وتذكر أنها كانت ونساء قريتها يذهبن لنقل الجرحى وتزويد السلاح بالذخيرة وتجهيز الطعام وتضميد الجراح.

 

قائدات رأي

ظهرت شخصيات نسائية بمثابة قائدات رأي في المجتمع الثوري على غرار مي سكاف والكاتبة ريما فليحان والناشطة الحقوقية سهير أتاسي ورزانَتَي الثورة، على حد تعبير الكاتب ياسين حاج صالح، وهما المحامية رزان زيتونة والمدونة رزان غزاوي، ولكن مع تصعيد العمليات العسكرية من قِبل قوات النظام وتراجع الدور النسائي على الأرض، ولم يعد الشارع آمناً لا للرجل ولا للمرأة، خاصةً مع تزايد الخوف من التعرض للاغتصاب والمشاركة بالحملات الإعلامية على الفيس والمدونات الإلكترونية، يتحدثن من خلالها بحرية ضد القمع والظلم، يعرضن فيديوهات الاعتداء الذي يتعرضن له.

مايا

ناشطة من دمشق ترى أن دور المرأة في النشاط الثوري يختلف باختلاف المكان، وتقول: في دمشق خرج الرجال والنساء جنباً إلى جنب في المظاهرات باستثناء يوم الجمعة كانت مظاهرة للرجال فقط، أما في حمص وحماة فكانت النساء يلحقن بالمظاهرات، وكان دورهن ثانوياً هناك، بسبب تسارع الأحداث، وتؤكد مايا أن النساء يساهمن في كافة النشاطات للحراك الثوري السلمي للاعتصام، وتوزيع المناشير وتنظيم الحملات كحملة (أوقفوا القتل) وحملة (الأبيض والبنفسجي) وتجميع التبرعات وشراء الاحتياجات وتوزيعها وإيصالها إلى المتضررين.

كما أن بعض الناشطات ساهمن في تهريب بعض الناشطين إلى خارج البلاد من خلال مرافقتهن لهم حتى الحدود؛ لتسهيل مرورهم عبر الحواجز، وعدم كشف أمرهم من قِبل قوات النظام. على حد تعبير "مايا".

النساء الثوريات السوريات كُن أشبه بالرجال في التحمل والبقاء، فلم يكن للنظام تمييز بينهم، فتقاسم الكل جميع الأوجاع وجميع الآهات.

الثورة لن تموت طالما هناك نساء في سوريا إلى جانب الرجال، وطالما حملن في أحشائهن أجنة ثورية تربَّوا وتعطَّشوا للحرية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود قاسم
كاتب وصيدلي سوري
تحميل المزيد