لحظة التغيير حانت في جزيرة العرب، فمَن لها؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/29 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/01 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
قوات من الجيش السعودي / Rotana

ما أقسى أن تمر على المرء هذه اللحظات الفارقة. هذه اللحظات التي يرى فيها الناس فرصة للخلاص من الظلم والجور والاستبداد، فلا يجدون مَنْ يقتنصها ولا يهتدون إلى مَنْ يحملهم مِنْ هذه الظلمات الحالكة إلى أنوار الحرية والعدل. قالها الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، فلم يسمعه أحد وقالها قبله الكواكبي فلم يعتبر بكلامه أحد.

كثير على جيلنا أن يعيش كل هذه اللحظات السانحة للتغيير ويعجز عن انتهازها، فهذا مما يعجِّل بالمشيب ويُورث الحزن. ها نحن نشهد فرصة لا سابقة لها للتغيير في جزيرة العرب. فبعد هذه الجريمة النكراء الميمونة، ارتبك طغاتها في الداخل واحتار داعموهم في الخارج، وأصبحوا مثل الكلب الأجرب الذي لا يريد أحد أن يقترب منه. فقد فقدوا في لحظة واحدة كل بريقهم ولمعانهم ودعم الغرب لهم، وفقدوا قبلها شرعيتهم التي أبقتهم في الحكم زهاء 100 سنة. فقد اعتقلوا العلماء والمصلحين، وظهر نفاق مَنْ لم يعتقلوهم من أبواق السلاطين، وبدا للعالم أجمع أنهم ليسوا أهلاً لحكم بلاد الحرمين.

وفي مثل هذه الفوضى العارمة والارتباك الكبير داخلياً وخارجياً، تأتي فرص التغيير. ولكن من يستطيع اقتناصها ومن المستعد لها؟

إن الخيارات البارزة على السطح ليست مشجعةً على الإطلاق. فالأمر يدور بين أحمد بن عبدالعزيز الذي تحاول أوروبا إقناع أميركا به. أو محمد بن نايف الذي تريده مؤسسات الدولة الأميركية، أو خالد بن سلمان، ذلك الفتى الغرّ الذي لا يريده أحد إلا أبوه. ولكن لماذا ليست هناك خيارات أخرى؟

ربما أول ما يأتي بذهن أي محلل سياسي في أي دولة أخرى هو الجيش. فالجيش موطن الشوكة ويمتلك من السلاح ما يستطيع به فرض إرادته والانقلاب على الأمر كله. فهل يستطيع الجيش السعودي فعل ذلك؟

هل ينقلب الجيش؟

"إن الطرق التي نستخدمها في الحزب تجعل من المستحيل لأي أحد يخالفنا الرأي أن يقفز على بضع دبابات وينقلب على الحكومة". صدام حسين

لقد حرص آل سعود منذ إنشاء المملكة ومنذ أن عانى عبدالعزيز آل سعود تمرّد إخوان مَنْ طاع الله الذين أوصلوه إلى الملك ثم تمرَّدوا عليه، حرصوا على تطبيق سياسات الوقاية من الانقلابات كتكوين مؤسسات عسكرية متفرقة وعدم جمع كل القوات المسلحة تحت قيادة واحدة تستطيع العمل منفردة.

 فقد أنشأ عبدالعزيز الحرس الملكي حتى قبل إنشاء الجيش النظامي، وجعل لكل منهما بُنيته ونمط تجنيده وتسليحه الخاص. ثم جاء من بعده أبناؤه فبنوا على هذه البُنية ولم يركِّزوا أياً من القوتين في مكان واحد، فقسموا الجيش النظامي على المدن العسكرية المتواجدة على الطرق المحتملة لغزو المملكة وجعلوا بينها وبين العاصمة مقارّ الحرس الوطني؛ حتى إذا ما فكرت إحدى القوتين في التمرُّد تردعها الثانية. بالإضافة إلى ذلك كان هناك جهاز الأمن الداخلي المتمثل في وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية. هناك كذلك أجهزة الاستخبارات وأمن الدولة بشتى أشكالها، وتقوم كل هذه القوى الأمنية المتفرقة بمراقبة بعضها بعضاً والتجسُّس على بعضها البعض حتى لا يتمكن أيُّها من اتخاذ أي قرار بعيداً عن العائلة الحاكمة. أضف إلى ذلك أن آل سعود لم يسندوا أبداً قيادة أيٍّ من هذه المؤسسات إلى غيرهم، فقد سيطر نايف بن عبدالعزيز وولده محمد من بعده على الداخلية، وسيطر سلطان ومن بعده سلمان وولده محمد على الجيش النظامي، وسيطر عبدالله ومن بعده ولده متعب على الحرس الوطني. وبغضِّ النظر عن التغيرات التي طرأت في الآونة الأخيرة على هذه الترتيبات، إلا أن القوات المسلحة قد تم تدجينها بالكامل على كافة المستويات والأصعدة، فالكل متحرّس حذر من أن يلتقط المخبرون حتى حديثه لنفسه، الأمر الذي أدى إلى ضعف بالغ في الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، وهو ما بدا واضحاً في حرب اليمن، ومن قبلها حرب الخليج، حتى اضطر آل سعود إلى أن يستدعوا النجدة الأميركية الفورية لعلمهم أن جيشهم لا يستطيع الدفاع عنهم. وأخيراً، اعتمد آل سعود على الروابط القبلية والإغراء بالمال والمناصب لتكوين ولاءات شخصية قوية، فالجيش هو جيش آل سعود وليس جيش الجزيرة.

إذاً، فالجيش السعودي أعجز من أن يقوم بمثل هذه الخطوة الجريئة، خاصة بعد النكسات التي مُنى بها في حرب اليمن. لكن الخبر السار هو أنه، وفي هذه الحالة من الفوضى، قد أصبح عاجزاً كذلك عن قمع أي حركة شعبية إذا قامت لتزيح آل سعود عن عروشهم. فهل من الممكن أن تقوم مثل هذه الحركة؟

أين المعارضون؟

هناك العديد من المعارضين البارزين لحكم آل سعود في المملكة وخارجها. فأما النوع الأول فقد تم الزجُّ بهم في السجون وحُيِّدوا منذ زمن بعيد، وأما مَنْ استطاع منهم الفرار بنفسه إلى الخارج، ولعل أبرزهم الفقيه والمسعري، فهم في شقاق ونزاع عقيم لم يستطيعوا توحيد جبهتهم في الخارج وعجزوا عن حشد حركة شعبية كبيرة تساندهم في الداخل. ورغم إسهامات بعضهم الفكرية والثقافية، فإنهم لم يعودوا ذوي أهمية كبيرة سياسياً، اللهم إلا بعض المداخلات في القنوات الإخبارية وبعض اللقاءات الصحافية.

ومع هذه الحالة البائسة تضيع من جديد فرصة فارقة للتغيير في عالمنا العربي وتتركنا وقد أسلمنا مصيرنا إلى ترمب أو ميركل أو ماكرون ليقرروا أي فتى أرعن أو رجل خبيث يسلطونه على رقاب العباد، مذكرة إيانا بأننا إذا أردنا التغيير حقاً فعلى المصلحين العمل والاجتماع والاستعداد حتى إذا سنحت فرصة أخرى لا تضيع كسابقاتها.

والحمد لله أولاً وآخراً.

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد البوهي
باحث سياسي
تحميل المزيد