مِن الأخوين لوميير في الثمانينيات حتى مهرجان قرطاج السينمائي.. كيف نشأت السينما بتونس؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/28 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/28 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش
الأخوين لوميير ومهرجان قرطاج السينمائي

 

كانت بداية السينما في تونس مع إنشاء أولى قاعاتها ليرتادها الجميع، التي أسستها شركة أومنية باتيه، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1908، في قلب المدينة، وفي تاريخ عام 1881 بعد إعلان الحماية الفرنسية على تونس، بادر الأخوان لوميير، وهما من أهم وأوائل صناع الأفلام، بتصوير أحياء وشوارع مدينة تونس في ذلك الوقت، التي كانت ومازالت لها دلالات رمزية هامة، خاصة لدى الفرنسيين.

إذ بدأ الرائد التونسي والمخرج ألبير شمامة شيكلي بتصوير فيلم وثائقي عن مدينة تونس عام 1908، عن طريق منطاد، حيث كانت من أجمل ما تم تصويره من الفضاء، الذي يعتبر من أجمل زوايا التصوير السينمائي في ذلك الوقت.

كانت فرنسا منذ وجودها في تونس في تلك الحقبة الزمنية تسعى إلى إنشاء قاعات سينمائية، يمكنها بث أفلامها لجمهور معين، من لديه حد أدنى من الثقافة، لخلق روح الحوار والمناقشة حول ما يتم عرضه بالصالات، وكانت ترغب في ترسيخ عادة إنشاء أماكن أخرى بالبلاد، حتى تتمكَّن من استقطاب الجمهور الذي تريده، وتكبير فئة الجماهير أكثر فأكثر لمتابعة الإنتاجات الفرنسية والغربية فقط. وبعد حصول تونس على الاستقلال حافظ التونسيون على هاته العادة، حيث أدخلوا عليها إضافات أخرى من الأفلام المصرية، فأنتجت تونس بعد الاستقلال أول فيلم تونسي طويل "الفجر"، للمخرج عمار الخليفي، وذلك عام 1966، حيث تمثلت أحداث هذا العمل في السنوات الأخيرة للحماية الفرنسية، وكانت تروي قصة 3 شبان من طبقات مختلفة، كانت لديهم التزامات تجاه القضية الثورية.

من جانب الأفلام القصيرة، وفي عام 1922، تم تصوير فيلم "زُهْرَة" من إخراج ألبير شيكلي، وهو من الأفلام الخيالية، ويتبعه أول فيلم طويل بعنوان "مجنون القيروان" للمخرج جان أندريه كروزى، وهو عمل من 1937، وهما الإنتاجان اللذان أتيا في فترة الاحتلال الفرنسي لتونس آنذاك.

ولادة مهرجان "أيام قرطاج السينمائية"

في عام 1966 بادر السينمائي التونسي الطاهر شريعة بتأسيس مهرجان يحتفي بما خلدته السينما التونسية من أعمال، بما فيها الأجنبية التي كانت سباقة في عروضها الأجنبية، وهو أيام قرطاج السينمائية، الذي يعتبر من أقدم المهرجانات في هذا المجال في دول الجنوب، الذي يشرف عليه أقطاب هامة ومختصة كوزارة الثقافة ومختصين في الفن السابع.

إذ تحتوي أيام قرطاج السينمائية على قسمين من الجوائز منها التانيت الذهبي، الفضي والبرونزي والجوائز الرسمية الأخرى التي وتتمثل في جائزة أفضل سيناريو فيلم طويل مشارك في المسابقة الرسمية، جائزة أفضل أداء لدور نسائي، جائزة أفضل أداء لدور رجالي، جائزة أفضل موسيقى مبتكرة، جائزة أفضل تصوير، وجائزة أفضل تركيب.

نقد:

شهد مهرجان أيام قرطاج السينمائية في السنوات الأخيرة، أي تحديداً دورتي عام 2016 و2017 اللتين قمت شخصياً بتغطيتهما عن قرب شهد اضطراباً داخلياً كان يجب إلزامياً تفاديه وعدم المواصلة فيه، حفاظاً على عراقة هذا المحفل السنوي وتاريخه المجيد في ولادة "سينما" بالأساس، إلا أنه أحياناً ندخل في مهاترات تخرج بنا عن أهمية الموضوع في حدِ ذاته… نعلم أن تونس ليست بلداً صانعاً أو منتجاً بقدر الكفاية للمادة السينمائية من الصنف الطويل، وأنها غالباً ما تعول على الأفلام القصيرة لأنها لا تكلف كثيراً من المال في مقابل الأشرطة الطويلة التي لا تقدر عليها الدولة، بما يسمح لها بتغطية تكاليف إنتاج عدة أفلام في السنة.

ومع ذلك، غالباً ما لاحظت في جودة ضيوف الدورتين الماضيتين غياباً جزئياً إن لم أقل أكثر من ذلك بقليل في محترفي المجال، من ممثلين أو مخرجين سينمائيين وما شابه، بخلاف توجيه دعوات لشخصيات لا علاقة لها بالفن السابق من قريب أو بعيد، إلا أن هاته الفئة من الحضور هم مَن امتلكوا شهرة من لا شيء، وجعلت بعضهم الآخر وجوهاً معروفة في وقت وجيز، لحضورهم برامج تلفزيونية كنقاد، وهم أيضاً ليسوا أصلاً بنقاد، والأسماء عديدة. وبالتالي، رؤية أصحاب المجال في مثل هاته المناسبات قد تزيد من توسيع حلقة معارفهم وأعمالهم بين ضيوف المهرجان من مختلف أصقاع العالم، وجلب اهتمام الإعلام لهم من جميع الجوانب للتحليق بمبدعي سينما قرطاج نحو العالمية، بولادة نجوم عدة آخرين على غرار ظافر العابدين، ودرة زروق، وهند صبري… إلخ

تونس ضمن الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي

إن كانت تونس من البلدان قليلة الإنتاج في المجال السينمائي، فإنها رغم هذا تزخر بطاقات فنية رائعة وأسماء لامعة للأسف خارج أرض الوطن. فضمن مهرجان الجونة السينمائي الذي ينتظم بمصر في دورته الثانية من 20 إلى 28 سبتمبر/أيلول 2018، كما هو الموعد الذي حددته هيئة المهرجان، المتمثلة في مؤسسها السيد نجيب ساويرس، وبإدارة انتشال التميمي، قرطاج تسجل حضورها في هذا المحفل البهيج بالمنتجع السياحي الجونة بمدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر بأهم منتجي الأفلام السينمائية حتى على الصعيد العالمي.

إذ يتشرف مهرجان الجونة بموافقة بعض المجموعات المتميزة من الشخصيات السينمائية الاستثنائية، وقبولها عضوية اللجنة الاستشارية الدولية حتى قبل عقد الدورة الدولي للمهرجان، وتتمثل من الجانب التونسي في رجل الأعمال والمنتج السينمائي التونسي طارق بن عمار والممثلة والنجمة التونسية المتألقة في مصر هند صبري. وفيما يخص جائزة الإبداع السينمائي فتؤول إلى المنتجة التونسية درة بوشوشة، والمخرج المصري داود عبدالستار، فيما سيتم الإعلان عن الاسم الثالث.

تؤكد تونس حضورها بمهرجان الجونة لهذا العام في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بعمل "ولدي" من إخراج محمد بن عطية وهو فيلمه الثاني بعد "نحبك هادي" الحاصل على العديد من الجوائز الهامة، وفيما يخص الأفلام القصيرة نجد فيلم "بطيخ الشيخ" لكوثر بن هنية الذي يدوم قرابة 23 دقيقة، وفيلم "الهدية" للطيفة دوغري مدته 20 دقيقة، قد يكون من الأفلام المهمة لكونه يتحدث عن أحد المواضيع الاجتماعية الحساسة بالوطن العربي.

المنتج السينمائي طارق بن عمار يعود من بعيد لتصوير فيلم تاريخي عن تونس

وفي ذات المناسبة، من خلال تصريح صحافي أكد المنتج العالمي طارق بن عمار على أن تكون له عودة قريباً لمساندة بلاده في إنتاج وتصوير أعمال سينمائية من الحجم الكبير، بتحقيق حلمه الذي لا أدري لماذا يبدو أنه جيء به متأخراً، رغم الإمكانات التي كانت متاحة تقريباً في السنوات الماضية، لكن في كل الحالات يصمم هو الآخر على إنجاز سلسلة عن تاريخ الأتراك، وفيلم تاريخي ضخم يحاكي تونس عبر الزمن. يستبعد بذلك بن عمار في سياق حديثه أن يكون مخرج العمل تونسياً، مما يثير غموضاً حول رؤية المخرج -الذي صرَّح بأن جنسيته التي ستكون أميركية بالأساس- لتاريخنا التونسي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد علي بن عمار
صحفي تونسي
تحميل المزيد