في البداية أريد التنويه إلى أن هذا المقال ليس دفاعا عن الملك عبد الله بن عبد العزيز، خاصة أن له دورا خبيثا في تمويل الانقلاب العسكري في مصر، وإنما هو محاولة لقراءة الأحداث في الماضي وربطها بما يحدث في الحاضر فعلا..
من المعروف أن نظام تداول الحكم في المملكة يقوم على تولي الحكم الأكبر فالأكبر من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود.. ويقوم الملك الجديد بتعيين ولي عهده، والذي هو الأخ الذي يليه سنا ويصغره مباشرة، ويتولى الحكم بدوره بعد فراغ منصب الملك..
كان هذا هو نظام تداول الحكم في المملكة منذ تأسيسها حتى أواخر شهر آذار/ مارس 2014؛ حينما أجرى الملك عبد الله تعديلا غريبا عليه لم يكن المغزى منه مفهوما حتى وقت قريب..
فقد كان سلمان بن عبد العزيز هو ولي العهد في عهد الملك عبد الله منذ توليه الحكم رسميا بعد وفاة الملك فهد في أغسطس 2005 ولكن حدث أن قام الملك عبد الله قبل أقل من عام من وفاته باستحداث منصب لم يكن موجودا من قبل وهو منصب "ولي ولي العهد" وعين فيه الأمير مقرن بن عبد العزيز وهو الأخ الذي يلي الأمير سلمان سنا على أن يصبح الأمير مقرن وليا للعهد بعد خلو منصب ولي العهد أو منصب الملك بعد خلو منصب ولي العهد والملك في آن واحد..
كان الأمر مستغربا؛ لأنه وفقا للتقاليد المعمول بها سيصبح الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد بشكل بديهي بعد تولي سلمان الحكم، ولكن الظاهر أن الملك عبد الله شعر بأن هناك خطورة على تغيير تقاليد تولي الحكم داخل عائلة آل سعود بعد وفاته، خاصة أنه لاحظ مدى التأثير القوي للأمير محمد على أبيه، ولي العهد سلمان بن عبد العزيز، ولاحظ في سلوكه شرها ورغبة شديدة في تولي الحكم بعد أبيه، فأراد الملك عبد الله باستحداثه لمنصب "ولي ولي العهد" أن يضمن استمرار آلية تداول الحكم داخل العائلة بعد موته؛ على النحو المعروف منذ تأسيس المملكة، وقطع الطريق على هذا الشاب الطامع في الملك، بعدما رأى خطورته ومدى تأثيره على والده..
ولكن بعد وفاة الملك عبد الله، حدث ما كان يتوقعه ويخشاه؛ وحاول منع حدوثه.. فقد تولى سلمان الملك بصفته كان وليا للعهد، وتولى مقرن ولاية العهد بصفته وليا لولي العهد، بينما ظل منصب "ولي ولي العهد" شاغرا خلال الأشهر الأولى من تولي سلمان الحكم..
وما هي إلا أشهر معدودات حتى فوجئ الجميع بتنحي الأمير مقرن عن ولاية العهد "طواعية" (وهنا تكتب طواعية بين مزدوجين). وحدث التحول الأكبر في تقاليد انتقال الحكم في المملكة بتولي أحد أحفاد الملك المؤسس لولاية العهد، وهو الأمير محمد بن نايف، رغم وجود الأمير أحمد بن عبد العزيز، أصغر أبناء الملك عبد العزيز سنا، وتم إسناد منصب ولي ولي العهد إلى الأمير محمد بن سلمان..
وقد جيء بالأمير محمد بن نايف كمجرد "كومبارس"، دون أن يعلم ما يدبر له كولي للعهد لفترة مؤقتة؛ حتى يتم اختبار رد فعل أمراء العائلة المالكة على هذا التغيير الكبير بتعيين حفيد للملك المؤسس وليا للعهد، بدلا من أصغر أبنائه. وبمجرد استتباب الأمر ومباركة أفراد العائلة المالكة واستحسانها لهذا التغيير، تمت تنحية محمد بن نايف من ولاية العهد وإسنادها للأمير محمد بن سلمان، وبذلك أصبح الطريق أمامه مفتوحا نحو الملك بعد وفاة أبيه أو تنازله عن العرش لصالحه.. وتحققت مخاوف الملك عبد الله التي بذل جهدا كبيرا من أجل منع حدوثها..
ولكن، وبرغم أن الأمير محمد بن سلمان كان قد صرح لإحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية بأنه سيمكث في الحكم فترة تصل إلى خمسين عاما، وأنه لن يمنعه من الوصول إلى الحكم سوى الموت، إلا أن إرادة الله تعالى اقتضت دوما أن يكون الطاغية غبيا ليسوقه غباؤه إلى نهايته المحتومة التي يستحقها، فكانت دماء جمال خاشقجي لعنة عليه، وبمثابة الصخرة التي تحطمت عليها أحلامه في اعتلاء العرش..
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.