نحن السعوديون لن نصمت على قتل جمال خاشقجي

عدد القراءات
1,483
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/26 الساعة 08:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/26 الساعة 09:13 بتوقيت غرينتش

في آخر لقاء لي معه كانت هذه نصائحه لي.. ابن الدكتور سلمان العودة يتحدث عن خاشقجي

قُتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. من الواضح أن أناساً في الحكومة السعودية كانوا يرغبون بقوة أن يسكتوه وأن يخفوا أي أثر له، لكن كلمات جمال خاشقجي اليوم أقوى وأوضح من أي وقت مضى. ونحن، أصدقاءه السعوديين، لن نبقى صامتين.

كان خاشقجي صديقاً ألجأ إليه لطلب النصيحة. في الواقع أنا أكتب هذا المقال استجابة لنصيحته، لكنني لم أتوقع أن أكتبه بمناسبة مقتله-رحمه الله-. حدثني خاشقجي يوماً عن ضرورة أن ألفت الانتباه لقصة الشاعر والناشط السعودي د. عبد الله الحامد، الذي يقضي هو وأصدقاؤه حكماً طويلاً في السجون السعودية لأنهم طالبوا بمملكة دستورية تكرّس حكماً ديمقراطياً، وتحفظ في الوقت نفسه مكانة العائلة الحاكمة.

عندما غادر خاشقجي السعودية في العام ٢٠١٧، قرر أن يدافع عن أولئك الذين تم اعتقالهم بسبب آرائهم السياسية، وكان لديه اهتمام خاص بالأشخاص الذين نمت تطلعاتهم بمجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان إثر ثورات الربيع العربي، مثلما حصل له تماماً.

في أول مقال ينشره خاشقجي في صحيفة الواشنطن بوست في أيلول/ سبتمبر من العام 2017، كتب: " أقوم الآن باختيار مختلف، لقد تركت بلادي، عائلتي وعملي، وقررت أن أرفع صوتي. أؤمن بأنني لو لم أفعل ذلك سأكون خائناً لأولئك القابعين في السجون. فأنا أستطيع أن أرفع صوتي في الوقت الذي لا يستطيع الكثيرون أن يفعلوا الشيء نفسه".

لقد تركتُ بلادي السعودية في الفترة نفسها التي غادر فيها خاشقجي في تموز /يوليو من العام 2017. تم اعتقال والدي سلمان العودة بسبب نشاطه وتغريداته على موقع تويتر، فيما يطالب النائب العام في السعودية بعقوبة الإعدام ضده في ٣٧ تهمة مرتبطة بمزاعم علاقته مع "معتقلين " ودعمهم علناً، إضافة لنشاطه في تويتر.

مثلما تم منع ١٧ فرداً من أفراد عائلتي من السفر، أخبرني خاشقجي مرة أن عائلته قد منعت من السفر أيضاً. بعدها بأشهر قليلة، رفَضَتْ السفارة السعودية تجديد جواز سفري بحجة أن "خدماتي موقفة في المملكة". لاحقاً، طلب مني مسؤولون أن أعود إلى السعودية، وعرضوا عليّ ورقة عبور مؤقتة.

كان خاشقجي منزعجاً جداً من القمع الذي تعرّضت له شخصيات سعودية في أيلول/ سبتمبر من العام ٢٠١٧. لم يكن يُنْظر إلى الكثير من هذه الشخصيات العامة على أنها شخصيات معارضة. وقد كان خاشقجي منزعجاً بشكل خاص من اعتقال الاقتصادي عصام الزامل، الذي انتقد خطة الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو السعودية. الزامل كان في الولايات المتحدة الأمريكية ضمن وفد حكومي قبل اعتقاله مباشرة.

تم تحويل قضية عصام إلى المحكمة الجزائية المتخصصة هذا الشهر، وتضمنت التهم الموجّهة إليه بحسب وكالة رويترز الإخبارية "الالتقاء بدبلوماسيين أجانب" و "الانضمام إلى منظمة إرهابية"- المقصود هنا هو الإخوان المسلمين- وهي تهمة توجه إلى الكثير من الشخصيات العامة الناقدة والمستقلة في السعودية.

اختار أولئك الذين اعتَـقلوا عصام وغيره من النخب والشخصيات العامة داخل السعودية في أيلول/سبتمبر من العام ٢٠١٧ وبعده، واستهدفوا الأصوات البارزة في الخارج مثل خاشقجي، اختاروا إسكات الأصوات المعتدلة التي تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير. هذه الأصوات هي التي قامت بكشف حقيقة "الإصلاحات" التي روّجت لها السعودية، ووضعت المملكة أمام اختبار حقيقي في مدى احترامها لأبسط قواعد المجتمع الحر.

عندما تم سؤال خاشقجي عن عودته للسعودية أجاب "سأعود عندما يعود سلمان العودة إلى منبره، عندما يعود عصام الزامل إلى نشاطه في موقع تويتر، عندما يعود عبدالله المالكي إلى كتاباته حول محاسبة المسؤولين والحكام". يقصد خاشقجي كتاب المالكي سيادة الأمة الذي انتقد فيه مفهوم" تطبيق الشريعة" الذي تستخدمه الحكومة السعودية لتحجيم الحريات الأساسية ومبادئ حقوق الإنسان.

يرى المالكي أن السيادة وحرية الاختيار هي حقوق أساسية للمواطنين ويجب أن تكون إطاراً عاماً لأي تطبيق للشريعة. فالعدالة وحرية الاختيار يجب أن تأتي أولاً. تم إسكات هذا الخطاب داخل المملكة لأنه يطرح أسئلة حول الحكم المطلق والديكتاتوري، ويشكك في الرغبة الحقيقية وراء الإصلاحات الشكلية والجزئية. تم تحويل قضية المالكي إلى المحكمة هذا الشهر أيضاً بتهم شبيهة بالتهم التي تم توجيهها لغيره من النشطاء، ومنها "علاقته بالأشخاص الذين نادوا بالإصلاح الدستوري في السعودية" بحسب أشخاص مقربين منه.

عندما غادر خاشقجي السعودية، تنباً بحجم الأخطار المصاحبة للسلطوية المطلقة ، لكنه لم يتوقع أبداً أن يكلفه كفاحه ضد الاستبداد حياته. يقبع جمال في قلوب وأذهان الكثيرين، وسنحرص على أن يبقى حياً إلى الأبد. نحن، أصحاب الأصوات المطالبة بالإصلاح الديمقراطي في السعودية وحول العالم، لن نصمت ولن نخشى التهديدات. إذا كان هدف الجناة الذين قتلوا جمال هو تخويف وتهديد الأصوات الناقدة والتي تطالب بالحريات وحقوق الإنسان في السعودية، فليعلموا بأنهم صنعوا من جمال شهيداً لقضيتهم. وأنهم لن يتوقفوا عن المطالبة بالإصلاح في السعودية وفي باقي الدول العربية.

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالله العودة
دكتوراه في القانون الدستوري من جامعة جورجتاون
تحميل المزيد