حتى الاغتيال المروّع لرئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري ، ومرافقيه، وهو من أبرز حلفاء الغرب لم يُحدث تحوّلاً في الرأي العام الدولي والدوائر الإعلامية والسياسية في العالم، كما فعل "اختفاء" صحافي سعودي اسمه جمال خاشقجي.
قُتل الحريري بنحو ألف كيلوغرام من المواد المتفجرة التي أحدثت حفرة مذهلة في مكان الانفجار، فيما تزعم السعودية أن خاشقجي "توفّي" في "شجار" داخل قنصلية بلاده في إسطنبول!
لم نكن لحظة اغتيال الحريري في عصر شارات المورس، أو حتى التليفاكس. كلا.. كنا دخلنا بقوة زمن الإنترنت وثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وبدايات تكوّن وسائل التواصل الاجتماعي. يعني، حدث ذلك بالأمس. كانت الجريمة هائلةً، مروّعة، لا سابق في ضخامتها، على الأغلب، في كل عمليات الاغتيال والتصفية في العالم. أشارت أصابع الاتهام في اغتيال الحريري إلى النظام السوري مباشرة، باعتباره المتضرّر الرئيسي من وجود الحريري في السياسة اللبنانية، ثم راحت الإشارات تتجه نحو المنفذين. لم يكن النظام السوري محبوباً من الغرب، علناً على الأقل، لكن الدنيا لم تقُم ضده ولم يُعاقب على فعلته، وليس هذا بسبب "حظ" نظام الأسد مع الغرب الذي "يفلق الصخر"، كما تبدّى حتى الآن. نظامٌ "مارق" لم يحاكم مسؤول واحد من مسؤوليه على جريمة اغتيالٍ لا سابق لها، فيما نظام حليف، كالسعودية، دارت عليه دوائر الغرب بسبب "اختفاء" صحافي، ولا تزال. لماذا؟ هذا السؤال ليس موجهاً إليكم، أعزائي القراء، بل إلى السعودية وأسرتها الحاكمة.
لماذا برأيكم هبّ هذا التسونامي الإعلامي والسياسي، بل والشعبي، ضدكم بخصوص قضية جمال خاشقجي؟ هل نظام الأسد أقرب إلى قلب الغرب وعقله منكم؟ كلا. فهناك بين أناس الغرب من لم يسمع بنظام الأسد، فيما لا يوجد غربي لم يسمع بالسعودية ولديه، على الأغلب، تصوّر عنها، سواء كانت صورة حقيقية أم صورة نمطية.
ماذا كشفت لكم جريمة قتل جمال خاشقجي؟ لا تقولوا لي: كشفت حجم المؤامرة الغربية ضدكم.. هذا لا يعقل، بل لا يمكن أن تصدّقوه أنتم قبل غيركم ، فما الذي عدا مما بدا. ما الذي حدث بين مدّ السجاد الأحمر لولي عهدكم في العواصم الغربية الكبرى، وهذا "الانقلاب" السياسي والإعلامي ضدكم؟
إنه الشخص الذي لا ينتمي إلى قبيلة، ولا ينتهي اسمه برنين أسماء العائلات "الكبرى". الشخص المجرّد من الاعتبارات التي تحكم المجتمع السعودي، ويدعى جمال خاشقجي (تأملوا الاسم الذي لا سند له في مجتمع الإبل والقبائل) هو الذي أحدث هذا المد العالي من الغضب ضدكم.
ما يحدث لكم، أقصد هنا ودائماً الكيان السعودي وأسرته الحاكمة، ليس وليد مؤامرة ضدكم، فأنتم لم تولدوا، ككيان، أصلاً إلا في حضن الغرب (تذكّروا المرحوم الكابتن شكسبير)، ولا تزال كلمات سيد الغرب ترمب ترنّ في مسامعكم عن حمايته لكم، بل عن عدم قدرتكم على "البقاء" ساعاتٍ من دون حماية العم سام. سمعتم ذلك، مرةً وثانيةً وثالثةً ورابعة، ولم تحيروا جواباً. في المقابل، استنفرتم جيوشكم من الذباب الإلكتروني ضد كل من طالبكم بموقفٍ حيال هذه الإهانات التي تتجاوز الأشخاص إلى الكيان نفسه. والآن، ماذا تفعل جيوش الذباب هذه غير مطاردة دم الضحية، وكل مَن يطالب بتحقيق العدالة له. يا لها من "وطنيّة" سعودية جيّاشة، تنعقد على ولي عهد طائش، والآن: قاتل. أهذه هي الوطنية السعودية؟ لم أعرف وطنياتٍ قوامها أسر حاكمة. عصبيتها عائلة حاكمة بلا سند قانوني. ليست هذه الوطنية المغربية، ولا الوطنية الأردنية. ولا طبعاً "الوطنية" السويدية!
لم أقل لكم لِمَ قامت الدنيا عليكم؟ ببساطة لأنكم مكروهون. ولأنكم خارج اللحظة القيمية التي يعيشها العالم اليوم، بشعوبه التي تعبد آلهة متعدّدة، إلهاً واحداً، أو لا تعبد؛ لأن القانون هو دين هذه المجتمعات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.