إلى ابني الحنون: أحاول أن أتجنب لقاءك لكن لا أقدر

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/22 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/22 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
Cropped shot of a sad little boy being comforted by his father at home

خلال الأسابيع الفائتة مررتُ بفترة عصيبة، جدّ كانت عصيبة عليّ بني الحبيب، لطالما شعرتُ بضيق صدرك حين كنت ألتقيك في ذاك المكان البائس كل بداية أسبوع، وكنتُ أشعر أيضاً بالثقل الهائل الذي كان يُلقى على عاتقك من كلام يحمل شراً كبيراً وضغينة بحقي، ينزل على مسامعك دائماً قبل مجيئك للمكان وبعده، ولا أعلم متى أيضاً؟ فلم يزل هذا الشر يهز حنايا خاطرك حتى أطفأ شوق لقائك بي، ولم يعد من شوق تجاهي أصلاً.

 

لقد فكرتُ كثيراً بني كي أخلصك من عناء هذا اللقاء الذي بات ثقيلاً عليك، ولكن في كل مرة كنت أذهب فيها إلى مكان العدل غير الشرعي هذا، كي أخلصك من عناء اللقاء، أشعر بأن شيئاً سينتزع من صدري، لأجد نفسي لا أقوى البتة على القيام بهذه الخطوة، وما إن أبتعد عن مكتب ذاك القاضي الفوضوي حتى يستحضر لي قلبي صورتك التي تحزنني وأنت جالسٌ في ذاك المكان البائس تنتظر بفارغ الصبر مرور الوقت، فأشفق عليك مجدداً، وهكذا أعود لفعل نفس الشيء مراراً وتكراراً دون جدوى، أرجوك أن تعذرني بني.

 

بني الغالي على قلبي، إن أصعب الأشياء التي قد تمر فيها يوماً، هي الصراع الداخلي نتيجة صعوبة اتخاذك لقرار ما، وخاصة حين يتعلق القرار بشغف قلبك الكبير، أرجو من الله العلي القدير أن يبعد عنك شعوراً كهذا الشعور أبد الدهر، بني بعد صراع طويل هداني الله في النهاية أن أريحك ولو بشكل جزئي من قدومك إلى ذاك المكان، كما تعلم، وكان كما استقر عليه عقلي، حلاً وسطاً بيني وبين قلبي.

 

أتعلم أمراً بني الحبيب؟ في الحقيقة لم أستطع منح قلبي تلك القوة ليصبر على هذا البعد، وذات يوم ذهبتُ لرؤيتك دون علمك، وقفتُ هناك في مكان أتاح لي كشف جزءٍ لا بأس به من الطريق الذي تسلكانه يومياً في المساء لأخذ الدرس، ورجوتُ اللهَ أن تمر يومها قبل أن يلحظ الناس وجودي الغريب في مكان مماثل.

 

وأخيراً رأيتك تظهر من بعيد، فارتجف قلبي واغرورقت عيناي كأني لم أرَكَ منذ زمن طويل جداً، كنتَ وحدك بني الغالي، نعم كنت وحدك، يا إلهي كم تمنيتُ ساعتها لو أستطيع الانضمام إليك في مشوارك القصير هذا، وأدفع ما تبقى من عمري لقاءه، وأن أتحدث إليك ونضحك قليلاً وأمسك بيدك، وأن نسير كما كنا نسير خلال هذا الطريق في السابق.

 

أمرٌ آخر أتعلم ما هو يا حبيب عمري؟ لكم تمنيت حين رأيتك وقتها أن تكونا معاً، لست وحدك، علِّي أن أُشبع ناظري ولو قليلاً من رؤيتكما وأنا أقف هناك بالبعيد، لكنك كنت وحدك وأنا أنظر إليك خلسة، كم أنا مشتاق إليكما.

 

تحياتي الحارة لكما

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بشار طافش
كاتب أردني
بشار طافش هو كاتب أردني حامل لشهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ومؤسس منظمة Warming Observers التي تُعنى بالتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، وأعمل في مجال الدواء مديراً لأحد مستودعات الأدوية في الأردن.
تحميل المزيد