الحرب الاقتصادية الناعمة بين ألمانيا وأميركا في العراق

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/22 الساعة 17:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/22 الساعة 17:43 بتوقيت غرينتش

 يغادر وزير الكهرباء العراقي قاسم الفهداوي وزارته، ولم يعد مهماً حالياً، لكنه كان وزيراً جيداً للكهرباء، وليس كما يعتقد معظم العراقيين، فقد رفع نسبة الإنتاج إلى الضعف، وكان يعلم أن التوزيع من قبل الوزارة غير ممكن حالياً!! فجعله في إطار العمل الخاص للقطاع الخاص، وبدأ فلسفة خصخصة الكهرباء.

كانت الفكرة جيدة جداً، لكنها لم تنجح، وقد تمكنت إيران، من ضرب العراق في مقتل، حين قطعت الربط الكهربائي في تموز، الربط الذي كان يغذي بدوره محطات إنتاج الطاقة، فحصلت كارثة أخرجت مظاهرات البصرة، وفقد العراق نحو 4 آلاف ميغا واط مرة واحدة!! وصار الربط الكهربائي المتنوع جزءاً من ( الأمن القومي العراقي).

ويبدو أن العراق وحكومته، لم تعد تثق بوزارة الكهرباء، وقررت الاعتماد على العامل الأجنبي الحاسم، بتسليمه مفاتيح الكهرباء، لدخولها مرحلة الاستثمار، والفكرة بحد ذاتها خطيرة، والشيطان فيها يكمن في التفاصيل، فمن سيستثمر، ومن سيدفع ومن سيربح!

لا أريد التحدث عن: هل فعلاً نحتاج لهذه الشركات؟ وهل فعلاً ستكون هي الحل؟ وهل فعلاً المشكلة في زيادة الإنتاج؟
لكني سأتحدث عن الشركتين المتنافستين، وكيف أصبح العراق ملعباً لطريقتهما في التسويق، وعلاقتهما بحكومتنا، وبحكومة بلديهما.

وفي البداية دعوني أقول، ولعلكم تتفقون معي، أن العراقيين يثقون بالصناعات الألمانية واليابانية، فهي متقنة جداً، ولا تدخل فيها السياسة. ألمانيا واليابان، دولتان منضبطتان، ولم تشاركا في قصة العراق، لكن مشكلتهما أنهما تشبهان (عادل عبد المهدي) شركات لا تتحمل الضغط الأمني، وربما تهرب بعد تفجير مفخخة أو نسف محطة، أو تهديد ببضعة صواريخ كاتيوشا.
أما الصناعة الأميركية، القوية في مجال الأمن، وظهرها السياسي متين، لكنها وبحسب الخبرة، فإن جودتها في العراق، تختلف عن جودتها في أماكن أخرى، ولقد لاحظنا ذلك، من خلال الاحتكاك بها، وطريقة إعمارها في العراق يوم كانت دولة محتلة!

بل حتى في التعليم، والبحوث، خذ الجامعة الأميركية في السليمانية! جامعة لا ترقى لمستوى الجامعات الأميركية في قطر والإمارات، ولا بنسبة 10% !

 

ولكي أكون أكثر وضوحاً، فإن فريق العبادي، وجد في شركة سيمنز خياراً جيداً، لأنه في الحقيقة شاركها المعلومات، والحقيقة سيمنز كانت لتوها قد نجحت في مصر، وبدأت تسوق لنفسها في العراق، وكتب مديرها التنفيذي رسالة للشعب مباشرة، وأنه يعده بإنهاء المشكلة، ومعرفتهم بها (مع تحفظات عندي على الرسالة)

لماذا يجب أن نثق الآن بشركة جنرال إلكترك، لتنفذ لنا مشاريع الطاقة الكهربائية! وهي بمليارات الدولارات! هل بسبب تدخل أميركا المباشر، كما يدور الحديث، في وسائل الإعلام!

شركة جنرال تعاني من هبوط حاد، وضرر بالغ في سجلاتها في الطاقة الكهربائية، ولو كنت المفاوض، لعرفت نقطة الضعف هذه، ولجعلتهم يدفعون لنا مقابل بناء المحطات! نعم لأن أسهمهم في السوق ستطير في السماء، فقط حين يقال:
وقعنا العقد على طاقة العراق، هذه نقطة قوتنا وتلك نقطة ضعفهم ( لو كان المفاوض وطنينا نزيها ).

شركة سيمنز لها تاريخ مع العراق والشرق الأوسط، ومنذ أسابيع فقط، أعلنت نجاحاً باهراً في تزويد مصر بالطاقة، في واحدة من أكبر مشاريع الطاقة في العالم.
مشكلة سيمنز أنها قدمت عرضاً قوياً، بعد دراسة الوضع العراقي، لكنه لم يتحدث عن (الثغرة الأمنية) وكيف ستسير الأمور إذا حصل الخلل الأمني وضربت أبراج الطاقة!
كذلك كان خطأ سيمنز الثاني أنها لم تفلح في تسويق نفسها إلا في دوائر ضيقة، ولم تتواصل مباشرة مع النخب المجتمعية، وتشرح لهم كيف سيكون الأمر، ولم تقم بدعوة 100 شخص من العراق مثلاً لزيارة ألمانيا، ليعرفوا قصة الشركة، ويكونوا هم أدوات مشروعها!

وعلى عكس جنرال، فإنها اقتربت بسرعة من دوائر وزارة الكهرباء، والطبقة القيادية، وفريق عادل عبد المهدي، وتواصلت مع النخب، ونسقت مع السفارة الأميركية وعرضت فكرتها، واجتمعت مع عراقيين في أميركا لتشرح لهم، وغطت الأمر في الصحافة، وضغطت على الحكومة الأميركية، في منهجية عمل متكاملة!

ومن خلال اطلاعي على السياسة العراقية الجديدة، فإن عادل عبد المهدي، أميل للتعامل مع جنرال إلكترك، وأخشى أن السبب نابع من السياسة، وترضية لأميركا أو بسبب الجانب الأمني، الذي يمكن لأميركا أن تستمر معه! وتخشى سيمنز من تبعاته، وهذه الملاحظة المهمة جداً غفلت عنها سيمنز، ولم ينصحها مستشاروها بها!

ملاحظاتي حول الشركتين، والتوقيت (ما بعد أحداث البصرة) تقوم على عدة مستويات، ومن بينها
( هل الكهرباء معروضة للاستثمار ) ونحن نذهب باتجاه الخصخصة الكلية دفعة واحدة!
هذه بحد ذاتها مشكلة! يعني أن الشركة ( أياً كانت ) تنتظر الربح من جيوب المواطنين!

 
بينما الشعب العراقي هو الذي يجب أن يعوض على كل هذه السنوات التي حرم منها من الكهرباء! فلا تكون دولة النفط! تلقي بثقلها على جيب المواطنين!

أما الأمر الآخر، ماذا عن الموظفين في وزارة الكهرباء!
فالمشكلة ليست في الموظفين، وهم لديهم القدرة الكبيرة على الأداء، بل المشكلة في غياب قوة الدولة، التي جعلت التجاوزات سيدة الموقف، وجعلت وزارة النفط تتحكم بإمدادات الغاز والنفط للوزارة وتقلل عليها ذلك!
موضوع الكهرباء لم يعد موضوعاً عراقياً، بل عالمياً، وأكثر من ذلك، أن ثمة (حرب ناعمة) بين أميركا وألمانيا بسببه، وعلى الشعب أن يكون طرفاً في هذه المعادلة.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عامر الكبيسي
صحفي عراقي
تحميل المزيد