محمد بن سلمان لم يقتل خاشقجي.. هذا هو المجرم الحقيقي

عدد القراءات
5,478
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/19 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/19 الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش
الأمير محمد بن سلمان / رويترز

تعلمنا من التاريخ؛ أن الدول المارقة ناقصة السيادة؛ تستمد قيادتها شرعية البقاء في الحكم، من خلال دفع الإتاوات للدول القوية حتى تحميها، حيث تستبد هذه الدول بشعوبها وتنكل بكل صاحب رأي، وتعتقل وتسجن وأحياناً تقتل، وتمنع التعددية، وتُجهل الشعب عمداً، ولأنها تعرف أن الشعب محكوم بالحديد والنار، وتخشى ثورته في أي لحظة، فتلجأ إلى أصيلٍ خارجي يحميها مقابل مليارات الدولارات، ومقابل التخلي عن السيادة، فيصبح حاكم الدولة المارقة وكيلاً لدولة كبرى ليس أكثر.

ولأن هذه الدول عبارة عن نمر كرتوني، لا مؤسسات فيها ولا قانون، ولأنها تعرف تماماً أنها ليست سوى حوت من ورق، يصيبها الرعب والذعر من القلم الحر، القلم الذي يكتب ولا يبالي لا بألقاب ولا بتطبيل، قلمٌ يكتب ما يحلو له، بكل براءة، يكتب فقط، لا ينفث نيراناً ولا رصاصاً، ولأن الحرية هي الكابوس المزمن لهذه الدول، فيتصور أن تجدها تصدر عفواً عاماً عن كل المجرمين الجنائيين ولا تبالي في ذلك، وفي المقابل تعذب صاحب الرأي وتنكل به وتوفر له إقامة دائمة في سجونها هذا إذا بقي حياً من الأساس، فلا مشكلة لحكام هذه الدولة مع المجرمين الجنائيين، لأنهم مجرمون مثلهم، يقتلون ويظلمون، فيعفون عن أقرانهم من المجرمين، ويبقون على أصحاب الرأي الذين لا يملكون أي سلاح، سوى القلم.

وهذا هو السبب التاريخي والعلمي الذي بسببه تقدم السعودية على قتل جمال خاشقجي بطريقة بدائية وحشية لا تمت للإنسانية بأية صلة، على الرغم من أن خاشقجي يعد ابن النظام السعودي وتولى عدة مناصب مهمة فضلاً عن قربه من مؤسسة الحكم، كل ما في الأمر هو انتقاده لأمور ثانوية، فهو من مؤيدي العائلة الحاكمة في الرياض بشكل كامل، وشخص يحمل هذه السيرة الذاتية، يقودنا مقتله بهذه الطريقة، إلى نتيجة خطيرة جداً هي مدى الوحشية والبدائية التي في نفوس قاتليه، ويقودنا أيضاً إلى أن قاتليه لا يقبلون الحياد أبداً، فإما الولاء المطلق والأبدي وإلا قنصلية ومنشار وطبيب شرعي، والباقي لديكم.

ولا ننسى أن الوحشية التي تحدثنا عنها ليست مقرونة بشخص معين، بل هو إرهاب دولة بكاملها، من أصدر الأمر ومن أطاعه ومن عرف به ومن نفذه ومن شهد عليه، كيف تعيشون يومكم بشكل طبيعي؟ كيف أكملتم يومكم بعد جريمتكم؟ وهل تناولتم طعام العشاء بعدها؟ وهل أنتم ذاتكم من تحصلون على تأشيرات مجانية للحج والعمرة؟ لأنكم من بلاد الحرمين، بلاد التوحيد، لا عبادةَ لكم هذا العام، فلباسُ إحرامكم أحمر بدماء هذا البريء، ومصيركم هو مزابل التاريخ.

هذا الإرهاب الذي مورس على جمال خاشقجي ليس انحرافا في فكر شخص بعينه، بل إرهاب دولةٍ بأكملها، دولة صدرت الإرهاب الذي تحبه وتمتهنه؛ إلى كل جيرانها، دولة منتجة لمغسولي الدماغ والمختلين عقلياً الذين ينطقون الشهادتين ومن ثم يرتكبون أفظع الأفعال وأقذرها، دولةٌ ساهمت في خرابِ سوريا العروبة، دولة زرعت أقذر الأمراض والأوجاع في اليمن السعيد الذي لم يعد سعيداً أبداً، دولةٌ ساهمت في تقسيم لبنان، وتحويل مصر إلى دولة هامشية بعد أن كانت رائدة العرب، وبعد أن كانت هي من تصمم كسوة الكعبة، دولة يملأها الحقد على المشرق العربي والهلال الخصيب ومصر، فبدل أن تسعى إلى تعلم أي شيء من حضارتهم، أعادتهم إلى العصور الوسطى التي تعيشها وتأبى أن تخرج منها، دولةٌ تعيشٌ بعقلية الجاهلية، حروبها حرب البسوس، مبدأها من لم يكن معنا فهو علينا، دستورها القتل والقمع والترهيب، لغتها الرسمية هي النفط والمال، تمارس الغباء السياسي ليلاً نهاراً في المنطقة حتى قادت الأمة بكاملها إلى الهاوية.

قاتل خاشقجي ليس ابن سلمان ولا القنصل ولا الأمن، قاتله هو قاتل اليمنيين، قاتل السوريين تحت راية الإسلام، هو من مهد الطريق لقتل العراقيين وأول المباركين لدمهم، هو من قتل شباب مصر، هو من يحتل مكة المكرمة بالوكالة، قاتل خاشقجي هو الرجعية والجاهلية والإرهاب الذين اتخذوا شكل الدولة التي نعرفها جميعاً.

مدونات الجزيرة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مالك العطيات
محامي
تحميل المزيد