إذا انتهى حكم ابن سلمان.. من سيكون البديل؟

عدد القراءات
6,688
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/18 الساعة 14:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/19 الساعة 17:14 بتوقيت غرينتش

كم هي متقلبة هذه الدنيا، فمنذ أيام قليلة خلت بدى أن هذا الأمير الأرعن قد تمكن من حكم السعودية تماماً وإلى أن يشاء الله. إلا أن الحماقة مرض إذا تمكن من الإنسان وإذا كان لديه استعداد فطري له، ما يلبث أن يقضي عليه سريعاً، والأنكى من ذلك أنه لا دواء له. وها نحن نشهد نهاية أحد ضحاياه الدرامية أمام أعيننا، فعهد محمد بن سلمان قد دخل غرفة العناية المركزة ينتظر لحظة إزالة أجهزة الإعاشة عنه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة. بيد أنه، كحال المريض في غرفة العناية المركزة، ما يزال البعض يجادل بأن هذه ما هي إلا سحابة صيف وستمر، وأن هذا المسجى على سرير الموت سوف يجد طريقه مجدداً إلى الحياة. فما هي إذاً أسباب القول بانتهاء هذا العهد القصير وما هي البدائل؟

لم يكن أحد في العالم بانتظار (ترامب) ليخبره أن بقاء المملكة العربية السعودية ككيان سياسي مستقل مستقر لم يكن ولن يكون إلا بحفظ قوة خارجية لها، كانت كذلك عند نشأتها وبقيت كذلك وسوف تظل كذلك ما أرادت الحفاظ على هذه الصفة. ليس هذا لعيب في المملكة وأهلها وإنما في طبيعتها الجيوسياسية ذات الاتساع الشاسع وعدد السكان المحدود نسبياً مقارنة بهذا الاتساع. وقبل ظهور النفط كسلعة استراتيجية عظيمة الأهمية، لم يكن أحد في العالم يأبه لمصير هذه البقعة من الأرض، اللهم إلا بريطانيا العظمى آنذاك التي أرادت تثبيت نفوذها في المنطقة ككل ولذلك أمدت مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود بالدعم المادي والعسكري والسياسي ليكون رجلهم في المنطقة وتابعهم الوفي، الأمر الذي قام به بجدارة وبمنتهى الإخلاص.

وبعد اكتشاف النفط ظلت بريطانيا ترعى هذا التابع الوفي وتوفر له الحماية والرعاية بعد أن زاد الاهتمام بهذه المنطقة الغنية بأهم سلعة عرفها العصر الحديث، فأضيف إلى تثبيت النفوذ هدفاً آخر وهو تحقيق الرخاء للشركات البريطانية العاملة في النشاط الاقتصادي المرتبط بهذه السلعة الجديدة، الأمر الذي برعت فيه بريطانيا العظمى وأتقنته منذ مئات السنين بداية من قصة شركة الهند الشرقية. وبعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً عند لقاء الملك عبد العزيز بالرئيس الأمريكي روزفلت على متن إحدى سفن الأسطول الأمريكي في البحر الأحمر عام 1945م، تمكن عبد العزيز آل سعود من تأمين حامٍ جديد لمملكته بعد أن رأى أفول الإمبراطورية البريطانية. ومنذ ذلك التاريخ والولايات المتحدة الأمريكية هي الحامي الأول والراعي الأكبر للمملكة العربية السعودية والضامن الرئيسي لأمنها واستقرارها في مقابل الحصول على الحقوق الحصرية للشركات الأمريكية في استخراج وتسويق وبيع النفط السعودي وكانت هذه هي الصفقة ببساطة.

وعند غزو صدام حسين للكويت وما تلاه من تدخل سافر للقوات الأمريكية جهاراً نهاراً لحفظ هذا الكيان من السقوط، لم يعد هناك شك أن السعودية، كما قال ترامب علانية، لن تصمد أكثر من أسبوعين بلا قوة خارجية تحميها. أما وقد اتفقنا على هذه الحقيقة السياسية بما لا يدع مجالاً للشك، فلابد لنا أن ندرك أن بقاء المملكة ككيان سياسي وبقاء هذا العقد الغير مكتوب بين آل سعود والولايات المتحدة هو أهم من أي فرد مهما بلغت أهميته وسطوته. والأهم من ذلك كله، بالنسبة إلى ترامب وإدارته وحزبه على الأقل، أن لا يفشلوا في الانتخابات القادمة التي قد تشكل الفارق بين تمكنهم من حكم أكبر قوة في العالم لأعوام قادمة أو تودي بهم إلى سقوط أليم يكون القيام بعده أمراً شديد الصعوبة.

هنا نأتي إلى أحد أهم العوامل المؤثرة في السياسة الأمريكية وإن بطريق غير مباشر، ألا وهو "الإعلام" والرأي العام الذي يشكله. إن ترامب وحزبه قد استطاعا المرة تلو الأخرى الإفلات من ضربات الإعلام الليبرالي المتكررة ولكن بصعوبة بالغة، وهم ليسوا على استعداد لتلقي مثل هذه الضربة القاضية التي سوف يسببها لهم دعم أمير بهذه الرعونة والحماقة والهمجية. لذلك فإنهم على وعي كامل بالخطر البالغ الذي يكمن خلف استمرار دعمه، ولكن هل هذه المخاطر تفوق خطر فقدان المملكة كحليف استراتيجي يدر المال عليهم بسخاء ودون حساب أو إغضاب اللوبي الصهيوني الذي بات يدعمه بوضوح؟ بالطبع لا. ولكن من قال أن هذا هو البديل الوحيد لديهم؟ فأمراء آل سعود ما أكثرهم والمطلعون منهم إلى مكان ابن سلمان ما أوفرهم. إذاً فالخيار سهل جداً والبدائل متاحة والأمريكيون في سعة من أمرهم.

ولكن، ماذا إذا قرر محمد بن سلمان التخلي عن الدعم الأمريكي والتوجه إلى أي قوة عالمية أخرى يستمد منها الحماية والحفظ والرعاية، كما فعل جده مع بريطانيا من قبل؟ هنا يأتي السؤال الأهم، هل هناك أصلاً أي قوة تستطيع اقتناص هذه الفرصة الذهبية؟ لا يستطيع المرء أن يفكر إلا في أحد بديلين، فإما هي روسيا أو الصين، فهاتان القوتان هما المرشحتين لأخذ مكانة أمريكا على الساحة الدولية، أو هما الأقرب إلى هذه المكانة على الأقل، بالإضافة إلى أن الرأي العام فيهما أضعف من أن يؤثر في صنع السياسة الخارجية كما هو الحال في أمريكا والغرب. إلا أن أي من هاتين القوتين تستطيع لعب هذا الدور في الوقت الحالي، فليس لأي منهما القوة الاقتصادية والعسكرية والتقنية للولايات المتحدة الأمريكية التي تمكنها من الإبقاء على قواعد عسكرية باهظة التكاليف في كل أنحاء العالم تقريباً والحفاظ على تواجد عسكري دائم في جميع البحار والمحيطات الهامة.

محمد بن سلمان بحماقته قد وضع نفسه تحت رحمة رجل تآمر بالانقلاب عليه وأضاع دعم حليفه الأكبر في الغرب وليس له أي بديل يستطيع المناورة بالتحالف معه

قد تستطيع روسيا-مع الصعوبة البالغة- التدخل في سوريا وحفظ بقاء نظام وظيفي كنظام الأسد، إلا أنها لا تستطيع تحمل التكاليف الاقتصادية والعسكرية لحفظ أمن واستقرار بلد كالسعودية إذا أهملنا التواجد الأمريكي الكثيف في باقي دول الخليج. أما الصين فهي تجاهد لترسيخ بعض النفوذ في أفريقيا وجنوب شرق ووسط آسيا، وهي تصنع ذلك بأدوات اقتصادية وتكنولوجية إلى حد بعيد. أما أن تتحمل تكاليف حفظ أمن واستقرار السعودية فهذا أمر لا تسطيعه قوة مثل الصين ولن تستطيعه على المدى القريب والمتوسط. هذا كله مع إهمال العلاقات الأمنية والاقتصادية القوية التي تربط هاتين القوتين بعدو السعودية الأول، إيران. فهل هما على استعداد حقاً لبذل الغالي والنفيس وقطع علاقات لهم مع حليف قوي ما زالوا يستثمرون فيها منذ زمن؟ لا أعتقد.

نرجع إذاً لموقف محمد بن سلمان وفرصه في البقاء في الحكم. إن الرجل بحماقته قد وضع نفسه تحت رحمة رجل تآمر بالانقلاب عليه وأضاع دعم حليفه الأكبر في الغرب وليس له أي بديل يستطيع المناورة بالتحالف معه، هذا مع استعدائه لعامة النخبة المتنفذة في بلده السعودية من أمراء ورجال أعمال ورؤساء قبائل… إلخ. فإن أضفنا إلى ذلك ضعفه الشخصي وهوان أمره وتوفر البدائل عنه لدى حليفه الغربي، فإن الأمر يصبح ظاهراً مثل فلق الصبح. فأيام الرجل في الحكم باتت معدودة وإزالة أجهزة الإعاشة عنه باتت قريبة.

ولكن من البديل المرشح لاستلام زمام الأمر؟ هناك كما ذكرنا العديد من البدائل، أرجحها محمد بن نايف، رجل أمريكا الأول في السعودية ورجل الأمن القوي الذي خبر دهاليز حكم المملكة وخباياه وأحسبه الأقدر، من وجهة نظر المؤسسة الأمريكية، على القيام بهذا الدور. هناك أيضاً الأمير أحمد بن عبد العزيز، أحد أقوى المرشحين بصفته آخر أبناء الملك عبد العزيز القادرين على مباشرة الحكم ويتمتع بدعم أكثر الأمراء. وهناك بديل ثالث قد يلجأ إليه الأمريكيون لاسترضاء الملك سلمان وهو ولده الآخر خالد بن سلمان الذي يشغل الآن منصب سفير المملكة لدى الولايات المتحدة. فأي هذه البدائل سوف يفوز بالسباق؟ هذا ما سوف تظهره الأيام المقبلة.

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد البوهي
باحث سياسي
تحميل المزيد