كان الاغتيال ومازال وسيلة يتخذها أفراد أو جماعات للتعبير عن رفضهم لشخصية ذات تأثير فكري أو سياسي أو عقائدي، تحول دون انتشار أفكارهم أو أهدافهم على نحو أوسع.
وعلى مر الزمان، سجل التاريخ عمليات ومحاولات اغتيال، اتسم بعضها بالدهاء، ولم يكتشف الفاعل في بعضها الآخر، فيما وصمت بعضها بكونها من أغبى الاغتيالات في التاريخ.
إليك بعض من أكثر هذه الاغتيالات غباءً..
خاشقجي.. أخطاء فادحة
تعد عملية اختفاء جمال خاشقجي، الصحافي السعودي المعارض المختفي منذ 2 أكتوبر/تشرين الأول، إحدى أكثر العمليات التي يشوبها كثير من الأخطاء الفادحة، ودعت كثيراً إلى السخرية منها على شبكات التواصل الاجتماعي.
جمال خاشقجي / المصدر
فعندما خطط منفذو العملية لم يفكروا في الوقت المناسب، الذي يأتي متزامناً مع انعقاد مؤتمر عالمي يبحث سبل الاستثمار في السعودية، مثلما يأتي قبل شهر واحد من انتخابات الكونغرس؛ ما يعطي الفرصة لمعارضي ترمب بالضغط عليه لاتخاذ رد فعل في حالة ثبوت تورط السعودية.
مثلما كان لاختفاء خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية إثر دعوة تلقاها إشارة واضحة على تورط السعودية؛ حيث أن كاميرات المراقبة سجلت دخول خاشقجي، لكنها وفقاً للمسؤولين السعوديين داخل القنصلية لم تسجل خروجه!
عوضاً عن ذلك، تزامن مع دخول خاشقجي للقنصلية وصول أفراد معروفين من الجيش السعودي بجانب طبيب تشريح شهير، وسافروا على متن طائرات خاصة تعود ملكيتها للحكومة السعودية حاملين جوازات سفرهم الحقيقية، مثلما كانوا يتحركون بشكل جماعي ويقيمون داخل الفندق ذاته وغادروا في اليوم ذاته، مثلما قامت القنصلية السعودية بإعطاء إجازة للموظفين الأتراك في القنصلية يوم وصول خاشقجي.
كذلك بدا الارتباك واضحاً في التصريحات التي أعلنتها وسائل الإعلام السعودية، وبدا التذبذب واضحاً حيث أعلنت جهات الشماتة، بينما تفاخرت أخرى بقدرتها على جلب خاشقجي من تركيا فيما نفت جهات أخرى علاقتها بالأمر، وبدأت إصبع الاتهام تشير لقطر وتركيا ثم خطيبة خاشقجي بالتورط في عملية الاختفاء.
المبحوح.. دبي جيت أغبى عملية في تاريخ الموساد
كان محمود عبد الرؤوف المبحوح، أحد قياديي كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، مستهدفاً من قبل الموساد الذي سعى للانتقام، في عملية اشتهرت باسم دبي جيت، إثر اختطافه جنديين يهوديين، مثلما كانت تتهمه بتهريب الأسلحة من إيران إلى قطاع غزة.
محمود عبد الرؤوف المبحوح / المصدر
علم الموساد بسفر المبحوح إلى دبي؛ فأعد العدة لاغتياله عبر فريق عمليات اتخذ من النمسا مقراً له، ورغم ضلوع الموساد في عديد العمليات التي استهدفت قيادات عدة، إلا أن هذه العملية وصفت بأنها من أغبى عمليات الموساد.
فقد استخدم أعضاء فريق الاغتيال جوازات سفر دبلوماسية أوروبية صحيحة وليست مزورة، لكنها هويات مسروقة تعود لشخصيات حقيقية تعيش في إسرائيل، وهو ما يؤكد غباء وسذاجة الموساد؛ فمن السهولة إمكان اقتفاء أثر هؤلاء الأشخاص والتأكد من عدم سفرهم خارج البلاد، مثلما التقطت كاميرات الرصد ما يثبت تورط الموساد في العملية، فألا تعلم إسرائيل بوجود كاميرات في المطارات والفنادق؟
إلا أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان صرح قائلاً: "إن إسرائيل لا ترد، ولا تؤكد، ولا تنفي". فيما نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مشيرة إلى أن فريق الاغتيال لم يضع في اعتباره مهنية شرطة دبي.
مهندس الهولوكوست.. اغتيال يدعو للسخرية
رينهارد هيدريش، إنه الرجل الأكثر قسوة، ولقبه هتلر بصاحب القلب الحديدي، فهو مهندس محرقة الهولوكوست؛ ما دعا الاستخبارات البريطانية إلى الاتحاد مع المقاومة التشيكية من أجل التآمر لاغتياله على يد جنديين، هما جان كوبيس وجوزيف غابسيك.
رينهارد هيدريش / المصدر
علم الجنديان خط سير هيدريش فتتبعاه وانتظراه عند المنعطف، بينما تبطئ السيارة، فاستعد غابسيك لإطلاق زناد مدفعه الرشاش إلا أنه علق.. فبينما كان غابسيك يجوب بين الحشائش والأشجار، قرر أن يجمع بعض النباتات لأرنبه الأليف، ووضع هذه النباتات في مدفعه!
انتبه هيدريش وبدلاً من الهرب أمر سائقه بالتوقف، وهم بإطلاق الرصاص من مسدسه فإذا به فارغاً من الطلقات، وبينما تحدث هذه المواجهة العقيمة ألقى كوبيس بقنبلة على السيارة، لكنه أخطأ تصويبها؛ فاكتفت بإيقاع إصابات بكل من هيدريش وسائقه وكوبيس أيضاً.
السيارة التي قضى فيها هيدريش نحبه / المصدر
خرج هدريش وسائقه من السيارة وأمر سائقه بتتبع جابسيك بينما هم كوبيس بالهرب بواسطة دراجة، في هذه الأثناء، تذكر جابسيك أنه كان يحمل مسدساً فأطلق النار على السائق وهرب، لابد أنك تتساءل لما لم يقضِ على هيدريش؟ حسناً لا إجابة على ذلك سوى أنه ربما كان بحاجة لإطعام أرانبه!
لكن رغم ذلك قضى هيدريش نحبه؛ فمع أن جراحه لم تكن بليغة إلا أن رجال الشرطة لم يستطيعوا الحصول على سيارة لنقله للمشفى في الوقت المناسب، فلفظ أنفاسه الأخيرة ونجحت المهمة!
لينكولن.. اختطاف تحول إلى اغتيال
اغتيال إبراهام لينكولن / المصدر
بطل هذه الواقعة هو جون ويلكس بوث، وهو جنوبي فيدرالي وممثل شهير، كان يخطط لاختطاف إبراهام لينكولن، وتسليمه رهينة إلى الجيش لإجبار الشمال على تبادل الأسرى.
علم بوث أن الرئيس سيذهب لمسرح فورد لمشاهدة مسرحية، فقرر أن يوم 14 أبريل/نيسان من عام 1865 سيكون اليوم المنشود، حمل بوث مسدسه وسكينه وتوجه لمقصورة لينكولن، التي غاب عنها حارسها الذي كان من المفترض أن يقف لحراستها.
وهنا يمكنك أن تتخيل البقية، لقد قام بوث بتهديد لينكولن بمسدسه لاختطافه.. حسناً هذا لم يحدث!
فبعدما دلف بوث للمقصورة أطلق الرصاص على رأس لينكولن وسط ذهول زوجته التي صرخت.
المقصورة الرئاسية التي جلس فيها أبراهام لينكولن/ المصدر
قفز بوث من المقصورة فسقط وكسرت قدمه، إلا أنه رغم ذلك استطاع الهرب؛ لكنه لم يستطع الاختباء طويلاً فقد ظل مطارداً نحو 12 يوماً، حتى حاصره الجيش الفيدرالي وأطلق الرصاص عليه فلقي حتفه.
بلانكو.. الاغتيال الطائر
كان لاغتيال رئيس الوزراء الإسباني لويس كاريرو بلانكو عام 1973 بالغ الأثر على السياسات في إسبانيا، واعتبرت هذه الواقعة ثاني أكبر هجوم منذ نهاية الحرب الأهلية الإسبانية عام 1939، وأطلق على هذه الواقعة Operation Ogre.
خليفة للدكتاتور فرناشيسكو فرانكو، لذا أوكلت مهمة اغتيال بلانكو إلى أربعة رجال كوماندوس تابعين لمنظمة ETA الانفصالية في إقليم الباسك.
ولتنفيذ العملية، تظاهر رجال الكومنادوس بأنهم طلاب في النحت؛ كي يقنعوا صاحب شقة في طابق سفلي باستئجارها، تطل على شارع اعتاد بلانكو على المرور به لحضور القداس.
كانت خطتهم حفر نفق تحت الطريق الذي يمر عليه بلانكو وزرع المتفجرات به، وإلى هنا تبدو الخطة محكمة، لكن ما جعل هذه المهمة بالغة الغباء هو أن أياً منهم لم يكن لديه أدنى فكرة عن حفر الأنفاق، كذلك بعدما بدأوا في الحفر اكتشفوا أن فؤوسهم أكبر من اللازم، كما أن أحدهم يعاني من رهاب الأماكن المغلقة، فضلاً عن ذلك كان السقف ينهار عليهم عندما يهمون بالحفر، كما أن التربة كانت ملوثة بمياه الصرف الصحي والغازات الضارة.
انفجار سيارة بلانكو/ المصدر
لذا لجأوا لقراءة كتاب عن كيفية حفر الأنفاق وبشكل ما تمكنوا من إنهائه، ثم قاموا بملئه بالمتفجرات، وبينما كانت سيارة بلانكو تعبر الطريق فوق النفق؛ انفجرت القنابل داخل النفق، ملقية بسيارة بلانكو نحو خمس طوابق في الهواء.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.