العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو في النهاية ليس سوى بشر يخطئ ويصيب، مهما ذاع صيته، أو حسنت سيرته وتردد ذكره والثناء عليه على ألسن الناس، ومهما بلغ نبوغه واطلاعه على مختلف العلوم الشرعية، فضلاً عن بذله الجهود الجبارة في مناهضة الطغاة وخدمة الدين والمجتمع…
أما طرح فتاواه وآرائه السياسية للنقاش فهو أمر مطلوب، وكذلك اتباعها أو معارضتها حق مكفول للجميع، يندرج ضمن حقوق الأفراد في التعبير والاعتقاد وإبداء الرأي، وبالتالي فالشيخ يبقى بالنسبة لتلامذته ومناصريه مجرد بشر يخطئ ويصيب، لا ينبغي أن يُشنعَ على من يَختلف معه أو يُعارضه، ما دام يحفظ له منزلته ومقامه، فـ "كل يُؤخذ من كلامه ويُردُّ إلا صاحب هذا القبر (النبي محمد صلى الله عليه وسلم)"، كما قال الإمام مالك رحمه الله.
وكذلك الأمر بالنسبة لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، الذي يدّعي المسيئون للشيخ الوقوف خلفه، فالحزب المعروف بخلفيته الإسلامية في النهاية مجرد هيئة سياسية، يعتريها ما يعتري التجارب البشرية، وتبقى اجتهاداته السياسية محل مراجعة ونقاش من طرف الجميع، فلكل الحق في معارضتها أو ردها أو حتى التهجم عليها، ما دام يتحلَّى بالحد الأدنى من الأدبيات الديمقراطية، وشروط المنافسة السياسية التي تقتضي تقبل الآخر والتعايش مع الآراء المخالفة.
فما السر إذن وراء التضامن الواسع المسجَّل في شبكات التواصل الاجتماعي، وفي الكتابات والمواقف المعبّر عنها على كافة المستويات مع العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، في الأوساط السياسية والثقافية، وحتى الشعبية؟ كيف لعالِم جليل أن يواجه سلطة مدججة بمختلف أشكال التعبئة والتحريض من إعلام حكومي وإمكانات عمومية، ومن أدوات ضغط وترهيب، ومن قضاء وأمن وأذرع مالية رسمية، وقوى تقليدية؟
فحينما تقدم السُّلطات على غلق مؤسسة علمية وشرعية رائدة مشهود لها باحترامها لثوابت الأمة والوطن، وبخطابها الوسطي المعتدل، وحينما يتم التضييق على عالم جليل يرأسها، بسبب طبيعة الآراء السياسية والفقهية التي يُعبر عنها، التي تكفلها له كافة الشرائع والقوانين، حينها يصير الدفاع عن الشيخ وعن المؤسسة الشرعية التي يرأسها واجباً دينياً وأخلاقياً.
وما يحتّم التضامن والتآزر مع الشيخ أيضاً هو طبيعة الحملة الإعلامية الشعواء التي تزامنت مع الخطوات التصعيدية الميدانية المسجلة في حقِّه من قِبَل السلطات، من قبيل غلق المؤسستين اللتين يرأسهما؛ مركز تكوين العلماء، جامعة عبدالله بن ياسين، وحملة يقودها وينظر لها الرئيس الموريتاني شخصياً، بالرغم من أن صفته ومنصبه يحتمان عليه أن يكون رئيساً للبلد بكافة مكوناته الدينية والسياسية، كما يفترض أن يكون حريصاً على وحدة المجتمع واستقراره، لا مساهماً في خلق الانقسامات وزرع القلاقل والبلابل فيه، الأمر الذي يبيّن بما لا يدع مجالاً للشك النية الكيدية المبيَّتة من قِبَل النظام في حقِّ الشيخ، وفي حقِّ المنهج الوسطي الذي يتبنَّاه.
فمن عجائب الصدف مشاركة العديد من الأطراف التي من النادر أن تتفق في الحملة المناوئة للشيخ، وتبنِّيها لخطاب الكراهية والتحريض ضد حزب سياسي شريك في العملية السياسية، ومحاولة شيطنته والنَّيل من رموزه، بالتزامن مع التصريحات المناوئة لذات الحزب، التي عبَّر عنها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، رغم تمثيلة الحزب المدني المستهدف لفئات واسعة من المواطنين الذين عبَّروا عن تأييدهم له، واختاروه لينوب عنهم في البرلمان وفي المجالس المحلية المنتخبة، ما أهَّله لاحتلال المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم وتزعّمه للمعارضة بموجب الانتخابات المنظمة مؤخراً.
فإلى جانب الأقلام المحسوبة على النظام التي لَطالما برَّرت للرئيس بطشه وطغيانه، ودافعت عن انتهاكاته للدستور والقوانين المعمول بها، تبرز في الحملة المناوئة للشيخ الددو وللإسلاميين شخصيات محسوبة على التيار السلفي التكفيري المتطرف، التي لا تُخفي عداءها للشيخ ولمنهجه الوسطي المعتدل.
بالإضافة إلى أقلام أخرى مشبوهة من غلاة العلمانيين، المعروفة بالتطاول على ثوابت الأمة وأعلامها، سبق لها أن عبَّرت عن مواقف مساندة للمتهجمين على كتب وأئمة التراث الإسلامي، وحتى على ذات الرسول عليه الصلاة والسلام، كما سبق لها التعبير مراراً وتكراراً عن احتقارها لمناهج التعليم المحضرية المحلية، التي شهد العالم بمساهمتها في تماسك وصمود المجتمع الموريتاني، إزاء الأفكار الدخيلة التي تنال من مقومات هويته.
وبالتالي فليس هناك ما يدعو للتعجب من حجم حملة التضامن الواسعة التي أبان عنها الشارع الموريتاني مع الشيخ، والتي ضجَّت بها شبكات التواصل الاجتماعي، وشارك فيها العديد من الشخصيات والهيئات من مختلف الفئات والشرائح.
فحينما يُخيَّر المتابع العادي غير المتمكن من أمور الدين، أو حتى غير المعني أصلاً بالسياسة بين شيخ مشهود له بالتمكن من العلوم الشرعية وبسعة الاطلاع وحسن التعامل مع المخالف، وبالتحلي بالحكمة والشجاعة في إبداء الآراء بخصوص مختلف قضايا الأمة… وبين أقلام مأجورة معروفة إما بانحيازها وتأييدها التام للنظام وتبريرها لكافة أخطائه وانحرافاته، وأخرى معادية لثوابت الوطن والأمة، إما تكفيرية مغالية في الدين، أو منحلة تنال من كل ما يمتّ للدين وللتراث بصلة… فبالتأكيد سيكون موقف الغالبية العظمى هو الوقوف إلى جانب الشيخ، وإبداء مختلف أشكال التضامن والتآزر معه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.