أطلق اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي عاصفةً من التكهنات حول اختطافه أو مقتله بواسطة الرياض، كعقابٍ على انتقاده لسياسة الحكومة في مقالاته للصحف الغربية. مرّ حتى الآن أسبوعٌ منذ رؤيته آخر مرةٍ أثناء دخوله إلى مقر القنصلية السعودية في إسطنبول، ويستمر السعوديون في إنكار معرفتهم بمكان وجوده.
وفي حين لم تتضح بعد حقيقة ما حدث لخاشقجي، تكشف هذه القضية السوداء حتى الآن عن موقف الحكومة السعودية تجاه الذين تعتبرهم منشقين، علاوةً على تناولها للتكهنات الدولية المتعلقة بشؤونها الداخلية. وكلاهما يعكس الصورة الحازمة الجديدة والمصممة للاستهلاك السعودي المحلي والدولي على حد سواء.
وتتبع التطورات في المملكة خلال العام الماضي نمطاً واضحاً. ومنذ صعود الأمير محمد بن سلمان لكرسي وليّ العهد وقيامه بدور الحاكم الفعلي، دخلت المملكة السعودية عصراً تُقابل فيه المعارضة الداخلية بالوحشية بغضّ النظر عمن يقف وراءها. وفي العام الماضي، وقف العالم مشدوهاً عندما اتخذت السلطات خطوةً غير مسبوقةٍ باحتجاز عددٍ من أفراد العائلة الملكية داخل فندق ريتز كارلتون في الرياض على خلفية تهمٍ متعلقةٍ بالفساد. وكانت الرسالة المقصودة أن روابط الدم والقرابة نفسها لن تقف عائقاً في طريق محمد بن سلمان لتحقيق رؤيته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فإذا كان بهذه الخشونة مع أقاربه أنفسهم، فأي سعودي يُخطئ لن يكون في مأمن، هكذا فكَّر الجميع.
علاوةً على هذا، نصَّبت الدولة السعودية نفسها على أنها المنظم الشرعي الوحيد للتغيير داخل البلاد. ويُقال إن المبادرات العصرية، مثل السماح للنساء بقيادة السيارات، تأتي من قمة هرم السلطة بدلاً من أن تكون استجابةً لعقودٍ من النشاط الشعبي. وتعرَّضَ عددٌ من الناشطات المشاركات في ذلك النضال للاعتقال والاحتجاز خلال الأشهر الماضية، في إشارةٍ إلى أن الدولة لا ترضخ للضغوط الداخلية.
ويسري الأمر ذاته على النقد الدولي. فعندما أعربت كندا عن قلقها إزاء معاملة المملكة السعودية لهؤلاء الناشطات، أتى الرد من الرياض بأن هذا يُعتبر هجوماً على سيادة المملكة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما تناثرت الشائعات حول احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرياض رغماً عنه، قاومت السلطات السعودية الضغوط من أجل الخروج بردٍ سريع أو إعطاء تأكيداتٍ حول سلامته. وبالمثل هنا، لن يُسارعوا في الاستجابة لمطالبة العالم الخارجي بالحصول على معلوماتٍ حول خاشقجي.
وباعتباره واحداً من أكثر نقاد الحكومة السعودية توازناً، لا ينطبق على خاشقجي الوصف التقليدي لعدو الدولة. وتسبب اختفاؤه في إثارة ردود أفعال عددٍ من الصحافيين العاملين في المنابر الإعلامية المؤيدة للسعودية بالمنطقة، والذين أعربوا عن قلقهم حول القضية وأمنياتهم أن يكون ما زال على قيد الحياة.
ويُظهِر اهتمامهم بالقضية كم أصبحت هذه الحملة محسوسةً على نطاقٍ واسع. وبغض النظر عن مصير خاشقجي النهائي، فإن توجه المملكة الجديد وغير المتسامح تجاه المعارضة أصبح مُذاعاً على الملأ وبصوتٍ عالٍ.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.