تناولنا العشاء في مطعم تركي ثم ودَّعتُه أمام الفندق.. صديق خاشقجي الذي كان معه آخر مرة علناً يروي تفاصيل اليوم الأخير

عدد القراءات
5,522
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/11 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/11 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش

عندما تصافحنا وودّعنا بعضنا الآخر أمام فندق Ambassadors يوم السبت 29 سبتمبر/أيلول، لم يكن من بين أسوأ كوابيسي أنني لن أرى جمال خاشقجي مرة أخرى. كنا انتهينا لتونا من تناول العشاء في مطعم تركي بمنطقة بلومزبري في لندن مع الزملاء والضيوف الذين شاركوا في مؤتمرنا في وقت سابق من ذاك اليوم.

 

مر أسبوع الآن منذ اختفاء خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول. وعلى الرغم من أنَّ كل من يتابع هذه المأساة كان يأمل حدوث أفضل النتائج، يتضح يوماً بعد يوم أنّه ربما وقع له أمرٌ مروَّع.  

 

ولأنني كنت مضيفه في آخر ظهور علنيّ له، أشعر بأنَّ الواجب يحتم عليّ أن أسجِّل أفكاري الخاصة وانطباعاتي عن هذا الشخص المميز.

 

الانطباع الأول الذي يشعر به من يتعامل مع خاشقجي عن قرب هو طاقته الفكرية ودوافعه المتقِّدة. لم تكن مشاركته في مؤتمرنا ضمن الخطة المبدئية، لذا عندما اتصلت به في إسطنبول لأعرض عليه دعوتنا، عرضت عليه المشاركة كضيف وليس كمعلق.

 

وقبل الدعوة بتواضع جمّ. وفي هذه اللحظة قررت أن أستغل وجوده معنا وأطلب منه أن يكون عضواً في لجنة النقاش.  

 

وبخبرة السنين الطوال في تغطية أكبر الاضطرابات في الشرق الأوسط، كان خاشقجي مؤهلاً بلا ريب ليقدّم إسهاماً نفيساً في مؤتمرنا، وهذا ما فعله باقتدار وتميز.

 

عند الحديث عن انخراط دولته في القضية الفلسطينية، اهتم بتأكيد الدعم الثابت الذي يقدمه الشعب السعودي، موضحاً الفرق بين موقف شعبه وموقف القيادة السياسية الحالية. بالطبع استدعى بشيء من الحنين سبعينيات القرن العشرين عندما كانت السعودية تحت قيادة الملك فيصل في مقدمة الدعم العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، والدفاع عن الأماكن المقدسة المهددة من جانب الاحتلال العسكري الإسرائيلي.

 

في عام 1972، أسس الملك الراحل مؤسسة التعاون الإسلامي، وفي العام التالي أدت السعودية دوراً محورياً في حظر النفط الذي نفذته منظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك)   ضد الدول التي ساندت إسرائيل في أثناء حرب أكتوبر/تشرين الثاني من عام 1973. وبعد عامين، اغتِيل فيصل.

 

كان خاشقجي واقعياً. كان يعلم أنَّ السعودية رغم ثروتها الضخمة ومكانتها الدينية ليست صاحبة القول الفصل في مستقبل فلسطين. كان يقول إنَّ هذا ظهر في بداية عام 2018 عندما تراجعت القيادة السياسية أمام "صفقة القرن" مع ترمب، والتي تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واقتراح بلدة أبوديس كعاصمة لدولة فلسطين المستقبلية.

 

لن يقبل الشعب الفلسطيني بهذه الترتيبات، لا توجد سلطة سياسية أو دينية لها القدرة على فرضها عليهم.

 

وبينما كنا جالسين لتناول العشاء بعد المؤتمر، أطلعني خاشقجي على بعض التغريدات السلبية من منتقديه السعوديين. مثل الكثيرين من أبناء وطنه، جهر خاشقجي بانتقادات للحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر، ودعمها حكم العسكر في مصر، وانتقد اعتقال مئات من علماء الدين، ومحاضري الجامعات، والصحافيين، ونشطاء حقوق الإنسان.

 

إذا اتضح أن خاشقجي قُتل حقاً، سيثبت هذا أيضاً لماذا هذه المنطقة، على الرغم من مواردها الطبيعية الهائلة، فشلت في التطور وظلت معتمدة على نحو يرثى له على الرعاية الغربية. فبدلاً من الاستثمار في المواهب الإعلامية المحلية من أصحاب الفكر الحرّ، اختار حكام المنطقة الاستثمار في المعدات العسكرية لتدمير حياة البشر.

 

بمعرفته الهائلة بالمنطقة وتأثيره الذي لا يحتمل الشك على الرأي العام، كان من الممكن أن تسخر المؤسسة السعودية قدرات خاشقجي ليس فقط من أجل الصالح الوطني، ولكن من أجل شعوب المنطقة التي أكنَّ لها محبة بلا حساب. ولكن عوضاً عن ذلك أخرست الدولة صوته بطرده من الوظائف والمهن التي يحبها، والآن، حسناً، لا أحد يعرف ما حدث له.

 

مر أسبوع واحد على اختفائه، لا يمكننا الجزم بأنَّ جمال خاشقجي ميت، ولكن يمكننا أن نقول بكل تأكيد إنه في موته وحياته سواء، ستلهم أفكاره، وتعاطفه، ونشاطه ملايين الأشخاص المحرومين من أصواتهم في مختلف بقاع المنطقة.

 

  • هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالله داوود
مدير منظمة Middle East Monitor البريطانية
تحميل المزيد