كنا سنذهب بعد القنصلية لشراء أجهزة منزلية لبيتنا الجديد.. خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي تروي تفاصيل يوم الاختفاء

عدد القراءات
9,296
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/10 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/10 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش

مر أكثر من أسبوع منذ آخر لقاء لنا خارج القنصلية السعودية، قبل أن يصبح اختفاؤه خبراً عالمياً. كنا في خضمّ وضع خُطط الزواج وخطط الحياة. بعد رحلة القنصلية، كنا سنذهب لشراء أجهزة منزلية لبيتنا الجديد، وكنا سنحدد موعداً للزواج. كل ما أردناه هو ورقة.

كنا سنمضي لاصطحاب إخوتي وبعض من أصدقائنا المقربين إلى العشاء لمشاركة الأخبار السارة معهم. فالزواج خطوة مهمة، وخاصة لكل شخصين تربطهما علاقة. وبالنسبة إلينا، بل بالنسبة لجمال على وجه الخصوص، كان ذا أهمية خاصة. لقد كان قضاء أكثر من عام في المنفى الاختياري في الولايات المتحدة -بعيداً عن بلاده، وعائلته، وأحبابه- ذا أثر بالغ عليه. أخبرني قائلاً: "أشتاق إلى بلادي للغاية. أشتاق إلى أصدقائي وعائلتي اشتياقاً شديداً. أشعر بهذا الألم العميق في كل لحظة".

والآن كنا على وشك الزواج وقضاء الوقت بين واشنطن وإسطنبول. وكنا نترقب ذلك جداً. كان يشعر بوحدة شديدة، لكني استطعت أن أرى الغيوم تتبدد. أراد الاعتماد على خبرته المهنية الممتدة منذ سنوات كي يصبح صحافياً مؤثراً في واشنطن؛ نظراً إلى أن العالم العربي مهَّد الطريق لتطوُّرات رئيسية. وكان ممتناً لأنه كان قادراً على الكتابة في صحيفة The Washington Post الأميركية، ولأنه صوتٌ لزملائه الذين ما عادوا قادرين على الحديث.

وعندما سألته: لماذا قرر العيش في الولايات المتحدة؟ قال إن أميركا هي البلد الأكثر نفوذاً في العالم، حيث يمكن للمرء أن يشعر بالنبض السياسي لكل الكوكب. تقدم جمال بطلبٍ من أجل الحصول على الجنسية الأميركية، وكان زواجنا المخطط له هو سبب زيارته تركيا. وكان يأمل أن يكون حريصاً على جمع جميع الأوراق والوثائق المطلوبة قبل العودة إلى واشنطن.

وفي الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول، زار جمال القنصلية السعودية في إسطنبول للمرة الأولى، بالرغم من أنه كان قلقاً بدرجة ما من أن ذلك قد يعرّضه للخطر. لكنه ذكر أنه لم يكن هناك أمر صادر في بلاده  بالقبض عليه. بالرغم من أن آراءه أغضبت أشخاصاً محددين، فقد قال إن التوترات بينه وبين السعودية لم ترُق لأن تشكل كراهية وضغائن وتهديدات.

وكان بالرغم من ذلك قلقاً للغاية من موجة الاعتقالات غير المسبوقة في بلاده. غير أنه لم يفكر في أن السعوديين قد يجبرونه على البقاء في القنصلية في تركيا، حتى إذا أرادوا إلقاء القبض عليه. بعبارة أخرى، لم يمانع في أن يذهب إلى القنصلية السعودية في إسطنبول؛ لأنه لم يعتقد أن شيئاً سيئاً يمكن أن يحدث على الأراضي التركية. فيمكن أن يشكل إيذاء الأشخاص في مقرات البعثات الدبلوماسية أو إلقاء القبض عليهم أو اعتقالهم انتهاكاً للقوانين الدولية، وذكر أنه لم يحدث شيءٌ كهذا في تاريخ تركيا. بعد لقاءٍ أول إيجابي مع العاملين في القنصلية، الذين رحبوا به ترحاباً شديداً وأكدوا له أن الأوراق المطلوبة سوف تكون جاهزة، لم يكن جمال قلقاً قبل الزيارة الثانية. فدخل قنصليةَ السعودية، بلده الأم، دون أدنى شك في أنه سيكون آمناً هناك.

بعد أن رأيت مدى استرخائه، كنت أنتظر بفارغ الصبر ويملأني الأمل. ولكن بعد ثلاث ساعات، تغلب عليّ الخوف والقلق. أرسلت رسائل نصية إلى قليلٍ من الأصدقاء لأخبرهم، وسألت عن جمال في مبنى القنصلية. وحصلت على الإجابة التي زادت من مخاوفي: أخبروني أن جمال غادر بالفعل، ربما دون أن ألحظ ذلك. حاولت أن أحافظ على هدوئي، فاتصلت على الفور بياسين أقطاي، وهو أحد مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وصديق قديم لجمال. ومنذ أن لفت الحادث انتباه الصحافة وهيئات إنفاذ القانون، فإنني أنتظر بتخوُّف.

هذا حقيقي: دخل القنصلية، ولا يوجد دليل على أنه خرج منها. في الأيام الأخيرة، كنت شاهدة على العمل الذي تقوم به السلطات التركية بينما يرصدون الموقف عن كثب. إنني واثقة في قدرات مسؤولي الحكومة التركية. وفي هذا الوقت، أناشد الرئيس ترمب والسيد الأولى ميلانيا ترمب المساعدة في تسليط الضوء على اختفاء جمال. وإنني أستحثّ السعودية أيضاً، وخاصة الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن يُظهِروا نفس مستوى الحساسية وينشروا لقطات كاميرات المراقبة من القنصلية. بالرغم من أن هذا الحادث قد يثير أزمة سياسية بين بلدين، فدعونا لا نغفل الجانب الإنساني حول ما حدث. إذ إن جمال شخصٌ ذو قيمة ومفكر مثالي ورجل شجاع طالما كان يحارب من أجل مبادئه. لا أعرف كيف يمكنني الاستمرار في الحياة إذا كان تعرّض للخطف أو القتل في تركيا.

بالرغم من أن الأمل لديّ يتلاشى مع مرور كل يوم، فإنني لا أزال واثقة من أن جمال لا يزال حياً. ربما أحاول بكل بساطة التخفي من فكرة أنني فقدت رجلاً عظيماً حظيت بحبه. ونظراً إلى أنني شخص يؤمن بأن الحياة والموت بيدَي الله، فإنني أدعو الله وحده ليُعيد إليَّ جمال سالماً.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
خديجة جنكيز
خطيبة جمال خاشقجي التركية
تحميل المزيد