النقاب وأعمال المنزل والتوظيف السياسي.. عن المرأة في عيون بعض الإسلاميين

عدد القراءات
1,277
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/09 الساعة 08:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/09 الساعة 08:44 بتوقيت غرينتش
Young women in office, looking at camera and smiling

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً".

 (1)

كما أن هناك شيئاً ما مختلفاً في ذلك الجيل العربي من الرجال الذي اختاره الله لصحبة نبيه وحمل الرسالة، فإن نفس هذا الشيء تلقاه في جيل النساء العظيم الذي صحب رسول الله، وأنجب الجيل الثاني من الصحابة وأوائل التابعين.

 

شيء ما كانت عليه تلك الدرر الأولى، أضاعه فقه محدث فاقد للاتزان والتكامل، وعادات وتقاليد وتصورات شخصية تقتل المواهب وتميتها، واستهتار بديل يصنع مسخاً مشوهاً من قشور الثقافة الغربية، أو النسوية المسترجلة التي تريد أن تحيي المرأة بإماتة أجمل ما فيها، كمسخ فرانكشتاين، حياة يطيب بجوارها الموت.

 

إن تتبع دور المرأة زمن الرسالة بالذات ليدلنا على أن هناك مباينة شاسعة بين ما قدّمه الإسلام للمرأة وبين ما قدّمه الإسلاميون.

ومثلهم مَنْ يحسب أن جمال المرأة في بلادتها وسذاجتها، وأن تمام عقلها ينقص من خيرها وفضلها، وأن تفقه المرأة يزري بها وينقص من موضع الأنوثة فيها ليزيد موضع الذكورة، وذلك أيضاً فاسد، وإنما أتي أصحابه من تعميمهم لنموذج النسوية المسترجلة وظنهم أن تعقل المرأة وتفقهها لا يكون إلا على هذا النمط، ولذلك فلو زاد علمهم بنساء العرب ونساء الجيل الذي نزل فيه الوحي وتفقهوا في العربية وبيانها وأيام العرب وموضع المرأة منها، لرأوا في كل ذلك النموذج الهادي لمن قاربوا الكمال من النساء. 

 

في ذلك النسيج النسائي العربي القديم سمتٌ متفرد متزن متكامل، إن اهتدى الناس إليه جمعوا الخير من أطرافه.

 

وإن تتبع دور المرأة زمن الرسالة بالذات ليدلّنا على أن هناك مباينة شاسعة بين ما قدمه الإسلام للمرأة وبين ما قدمه الإسلاميون، ولدلّنا أيضاً على الفرق الشاسع بين أولويات خطاب الرسالة للمرأة وأولويات خطاب الإسلاميين للمرأة، ولدلنا ثالثاً على الأثر اللازم لهذين وهو المباينة الكبيرة بين دور المرأة وفاعليتها زمن الرسالة وبين دور المرأة وفاعليتها في الأوساط الإسلامية المعاصرة.

 

الأمر الذي لا أقصد به لنفي إيجابيات وحسنات الدور الإسلامي نحو المرأة، لكن غرض هذه السلسلة نقدي بالأساس، ومثل هذا يكتفى فيه بالإشارة للوعي بوجود حسنات وإيجابيات لكن السياق ليس سياقها، ولدى الإسلاميين كفاية من الخطابات التبجيلية.

 

(2)

المرأة كفتنة للمجتمع، هذا هو مركز الخطاب السلفي الموجه للمرأة، وهو راية نهاية السباق التي إذا بلغها السلفي شعر بأنه لا مهمة إصلاحية تجب عليه نحو المرأة طالما بلغ غايته المظفرة تلك.

 

إذا كان أحد القراء الكرام يعرف للتيارات السلفية خطاباً إصلاحياً له إجراءات عملية ووزن نسبي معقول يتعلق بالمرأة خارج دائرة نقابها وخلوتها واختلاطها وعملها وسفرها، فأرجو أن يدلني عليه.

أي شيء خارج دائرة الدرة المصونة والجوهرة المكنونة واللحم والغطاء والمصاصة والذباب، رجاء دلوني عليه.

 

قارن هذا بخطاب الرسالة: ستجد أن جميع قضايا الحجاب والخلوة والاختلاط لم تظهر في خطاب الوحي إلا في مرحلة متأخرة بعد الهجرة للمدينة بزمن طويل، فترتيب هذه القضية في أولويات خطاب الوحي لم يجعلها تحتل الصدارة من حيث زمن الإلزام بل تأخرت قرابة 20 عاماً.

 

ستجد أن الشرع عندما ألزم المرأة بالمحرم ألزم الرجل برعاية حق محارمه حتى صرفه عن الجهاد ليصحب امرأته في سفرها.

 

ومع التسليم التام بخطورة توظيف المرأة من حيث كونها فتنة، وأن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، إلا أن خطاب الوحي المتعلق بهذا لم ينتج عنه قط عزلة مجتمعية ولا حصار للمرأة ولا إعدام لدورها، وفيما يتعلق بسلامة نفوس هذا الجيل، فنحن نسلم بوجود هذا بالفعل لكن ليس هذا مما تبنى عليه الأحكام بهذه الصورة بحيث يجعل هذا ذريعة للتنصل من الواقع المبهر لحضور المرأة في مجتمع الرسالة، وأنت تجد أن وقوع الزنا زمن الرسالة، ووقوع الاتصال بين رجل وامرأة دون الزنا، ووجود المرأة التي لا ترد يد لامس، ووجود صحابي يحدق النظر في امرأة جميلة، كل هذا لم ينتج عنه تطرف يهدر الحضور الاجتماعي للمرأة المسلمة.

 

السلفيون لا يدعون لهدر الحضور الاجتماعي للنساء المتبرجات الذين لا يرفعون بالدين رأساً، هذا قد يبدو مفهوماً لو فعلوه، بقطع النظر عن صحته، وإنما يقع الهدر الاجتماعي على شريحة النساء اللواتي التزمن الخطاب السلفي بالفعل.

 

خطاب رفع درجة التحدي على المرأة وجعلها تخوض معركة شرسة مع بيتها وأهلها ومجتمعها وعملها ودراستها، عندما بدأ معها بالنقاب، هل تتخيل معي طبيعة النقلة التي تخاطب بها المرأة وتطالب بأن تكون هي أول دينها؟

 

لائحة من المسائل يعرفها الجميع تُبدأ بها دعوة المرأة في الخطاب السلفي، وهذا بالطبع هو أحد الإشكالات العظيمة في الخطاب الدعوي أنه كثيراً ما يخاطب المجتمعات المسلمة بأعلى نقطة، بالنقطة التي لم يبلغها صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد سنين من التربية الإيمانية وتأهيل النفوس، ثم بعد ذلك أيضاً لم تبلغها كلها إلا الصفوة من أصحاب محمد.

 

الداعية والواعظ ويسانده الفقيه للأسف: يأتون إلى الشاب يكاد لا يصلي، والمرأة قد لا تعرف عن دينها إلا قصصاً لعصر العين وإنزال الدمع، فإذا الخطاب الدعوي يريد أن ينقل هذا الفتى وتلك الفتاة نقلة واحدة من الظلمات إلى النور كما يقولون، فيكون الفتى مطالباً بكسر أيامه السابقة كلها والانسلاخ منها إلى حال فيها حزمة أعمال القلوب وحزمة شعب الإيمان الظاهرة مع كمالات الظاهر من اللباس والكلام وصورة الوجه، فيطالب الفتى بأن يخوض معركة مع هواه وأخرى مع مجتمعه لينسلخ من حال إلى حال في أيام معدودات، وتطالب الفتاة بخوض معركة النقاب، وكسر هوى نفسها في النمص والزينة ودوائر الأصدقاء ونوع عملها وعلاقاتها ونمط اجتماعاتها، وكل ذلك لا بد أن يكون معاً وإلا كان هذا نقصاً في الاستقامة، وعلامة على ضعف الاستجابة لله وللرسول، ومن يقبل الانتقال لتلك النقطة العليا في تلك الأيام المعدودة (الداعية مستعجل يريد أن ينجز مهمته لينقل رجلاً آخر من الظلمة للنور)، جعلوه كالصحابة الذين أراقوا الخمر، بقطع النظر طبعاً عن أنهم أراقوا الخمر استجابة لخطاب لم يأتهم إلا بعد 20 عاماً من أول خطاب بالرسالة.

 

ومع ذلك هناك من استجاب، والسؤال:

شريحة النساء اللواتي استجبن لهذا الخطاب، ما هو نصيبهن من الإجراءات الإصلاحية بعد ذلك؟

ما حجم البذل نحوهن من أجل علاج المشكلات الطاحنة التي يغرقهم فيها هذا المجتمع؟

ما لائحة المشاريع التي يقدمها الخطاب السلفي للمرأة دعماً ورعاية؟

 

الإجابة ظاهرة جداً لمن كان منصفاً، فلا يوجد للمرأة السلفية إلا محاضن لتعليم أوليات العلوم الشرعية، تسيطر عليها في أحيان كثيرة طائفة من المعلمات الجاهلات، بلا أدنى مسؤولية يقوم بها هذا التيار نحو أزمات المرأة الحقيقية في المجتمعات العربية.

تحذيرات منبرية من الثقافة الغربية، بينما هذه الثقافة تخترق العقول بضعف فاعليتك وضعف استجابتك لأزمات مجتمعك قبل أي شيء.

 

(3)

لعنة التوظيف السياسي، هذه هي اللعنة التي تواجه الإخوان المسلمين في أي مجال من مجالاتهم الإصلاحية.

إن المرأة العربية تعيش أزمات حقيقية، بعضها جزء من أزمات المجتمعات العربية عموماً أو نتيجة لها، وكثير منها أزمات هي نتاج ثقافة وأعراف وتقاليد أخصّ من ذلك.

إن الخطاب الموجّه للمرأة عند جماعة الإخوان المسلمين أكثر هدوءاً من جهة سقف مطالبه، وأكثر انفتاحاً من جهة اختياراته الفقهية وأنه لا يصادم بها الحضور الاجتماعي للمرأة، ونتيجة للطبيعة التنظيمية فإن الروابط النسائية الإخوانية أكثر تماسكاً، والأزمات الاجتماعية التي تعانيها المرأة الإخوانية من أهلها أو في دراستها وعملها أقل حدة خاصة مع التداخل الاجتماعي الإخواني في الرابط العائلية.

 

يعاني هذا النموذج من انكفائه الداخلي وعدم تعديه للمجتمع إلا عند إرادة الاصطياد كما شرحناه من قبل، ويعاني أيضاً من تهميش دور المرأة وتقييده، وترتيب الأدوار النسائية بحسب الولاء لا الكفاءة كانعكاس لسائر أمراض التنظيم.

 

ثم يأتي التوظيف السياسي ليمنع إيجابيات هذه الصورة الداخلية نفسها من التطور نحو نموذج إصلاحي نسائي مكتمل.

 

إن الحضور الاجتماعي للمرأة زمن الرسالة، ليس منه أن يُقذف بالمرأة لتواجه الاعتداء والتحرش أمام اللجان الانتخابية.

 

إن الحضور الاجتماعي للمرأة زمن الرسالة أدخلها ساحة الجهاد خلف مقاتلين أشاوس يذودون عنها بسلاحهم حتى الموت، وليس منه قط أن توضع النساء أمام آليات عسكرية يعتليها من لا خلاق لهم من سفلة الخلق، مع فقد شوكة الزود عنهم أو حتى أخذ حقوقهن عندما تستلب.

 

سيظل المجرم السفاح المعتدي هو صاحب إثم القتل أو الاعتداء، لكن سيظل صاحب القرار الغلط بوضع الأمور في غير ما يجب من مواضعها متحملاً لإثم قراره، كما أن من أرسل امرأته في فلاة مخوفة مؤاخذ في الشرع، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، وإن كانت جريمة المعتدي هي مصبّ تركيزنا لا نلفت وجوه الناس عنها قاتلهم الله أنى يؤفكون.

 

الحضور السياسي للمرأة مُهم وضروري، لكن معالمه ينبغي أن ترسمها قيادة واعية رشيدة، تستفيد من الكفاءات اللامعة التي تفيض بها المجتمعات النسائية، وواقع الحال في جماعة الإخوان المسلمين هو أن توظيف المرأة السياسي أبعد ما يكون عن الرشد ورعاية الكفاءات والانتفاع بها، وإنما هو توظيف أخرق يفتقد للحكمة، جعل المرأة بمنزلة جندي مشاه ينالها من الخسف والاعتداء ما لم يسمح به دين تحفظ على أي نوع من الأذى ينال المرأة واحتاط له حياطة شديدة.

 

إن مظاهر وآثار التوظيف السياسي للمرأة الذي مارست جماعة الإخوان المسلمين أبشع صوره وأكثرها افتقاداً للحكمة والاتزان، سيظل وصمة في جبين هذا الجيل منها.

 

(4)

إن المرأة العربية تعيش أزمات حقيقية، بعضها جزء من أزمات المجتمعات العربية عموماً أو نتيجة لها، وكثير منها أزمات هي نتاج ثقافة وأعراف وتقاليد أخصّ من ذلك.

النسوية العلمانية تدخل على الخط لتقدم للنساء العربيات حلولاً لأزماتهن.

أنت ترى أن هذه الحلول فاسدة وتنطوي على ضلال عن الدين وفيها متاجرة بحقوق المرأة عن طريق استغلال أزمات النساء من أجل القذف بهن في الانحلال والضياع الديني والقيمي، لا بأس معظم هذا صحيح.

وأنت ترى أن النسوية الإسلامية تقدم حلولاً فيها عدوان على الفقه الإسلامي وعدم تصور لطبيعته وسياقاته وظلم له، لا بأس كثير من هذا يقع.

طيب وحضراتكم معشر الإسلاميين من إخوان وسلفيين ومن تبعهم ولفّ لفّهم، قرابة نصف قرن من الزمان، ما الحلول النظرية فقهياً وفكرياً، والعملية فردياً ومجتمعياً التي تم تقديمها للتعامل مع أزمات المرأة؟

كم جمعية أو محضن أو مجموعات دعم قمتم بإنشائها لرعاية النساء؟

العنف ضد المرأة أين أنتم؟

يتكئ الفقيه السلفي على أريكته قائلاً: يجوز للرجل أن يضرب زوجته ضرباً غير مبرح للتأديب ويكون آخر العلاج، هذا خطابك، لا بأس، لكن السؤال:

ما الذي تفعله عندما تأتيك الأخت المنتقبة وتكشف وجهها لزوجتك فإذا فيه من مظاهر الظلم والعدوان ما تستحي من رؤيته النفس الشريفة؟

لا تحسن أن تفعل شيئاً ولم تبذل أي جهد لإنتاج رؤية وإجراءات للتعامل مع هذا، ولا أخاطبك هنا كفرد، فأنا مثلك قد لا أجد ما أفعله، لكني أخطاب مجموعكم أولئك الذين يفتخرون بمليونيات الغثاء وضعف الفاعلية.

دعوت النساء لدخول كليات الطب والتخصص في أمراض النساء؛ لكيلا يطلع الرجال على عورات النساء، هذا خطابك، لا بأس.

وأنت تفتي للرجل بحقه على زوجته كم مرة فكرت في مدى التزامه الديني وقيامه بحقوقها؟ لماذا تعطي سيف الحق لمن يتعسف في استعماله ولا يقوم بحقوقه في المقابل؟

ثم واجهت الأخت المستجيبة لخطابك أزمات متنوعة بين اختلاط ونقاب وضغوط العمل وصعوبة التعلم من الرجال، هل تعلم عن هذا شيئاً وهل فعلت لأجله شيئاً؟

أطاعتك المرأة وغطّت وجهها ولزمت قعر بيتها، لكن في مجتمع مغلق، كيف لهذه أن تتزوج؟!

أين مشاريعك الخادمة لهذا، والتي تعوض شيئاً من الآثار الجانبية للالتزام في مجتمع اختلفت تركيبته كثيراً عن المجتمعات القديمة.

عمل المرأة فيه إشكالات كثيرة، ولا يجوز إلا عند الحاجة، وبيئة العمل سيئة، لا بأس هذا خطابك، وفيه أجزاء صحيحة.

لكن هذه المرأة إذا قعدت في بيتها وليس معها ما يؤهلها للعمل أو معها لكن تركت العمل لمفاسده، ثم استطال عليها زوج بمنع النفقة أو طلقت وصارت عالة على الناس، لماذا لم نرَ أموال فضائياتكم، وأموال دعاياتكم السياسية يا معشر الإسلاميين تصب في خدمة وصية نبيكم؟!

طيب وأنت تفتي للرجل بحقه على زوجته كم مرة فكرت في مدى التزامه الديني وقيامه بحقوقها؟

لماذا تعطي سيف الحق لمن يتعسف في استعماله ولا يقوم بحقوقه في المقابل؟

أنا هنا لا أخاطب أفراداً، أنا أخاطب المجموعات والكيانات والتيارات، التي أراها تفننت في هدر مواردها البشرية والمالية على نحو لا يفعله من يروم الإصلاح أبداً.

 

نصف قرن من الخيارات الغلط والتوظيف الغلط والأولويات الغلط، ثم تتعجبون من واقعنا اليوم؟

مدونات الجزيرة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد سالم
كاتب وباحث
تحميل المزيد