لم تكن الحياة داخل الجيش عادية قبل 30-6، ربما كان يذكر ما يسمى برفع الكفاءة التدريبية بين حين وآخر، ملحقاً بجملة حسب تعليمات السيد الرئيس، والسيد وزير الدفاع، وأحياناً لا يُذكر شيء، ولكن كل ما كان واضحاً أن التدريبات البدنية كانت زائدة عن أيام سابقة، أو هكذا فهمنا، البدنية فقط.
"1"
سلامة الخاطفين
بعد حادثة اختطاف الجنود الشهيرة التي حدثت أثناء حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، لم يكن يتردد داخل أرجاء القوات المسلحة، تعليقاً على هذا الحادث إلا كلمة "الحرص على المُحافظة على أرواح الجميع، سواء من المُختطفين أو الخاطفين".
وهو أحد تصريحات الرئيس أثناء محاولات إنقاذ الجنود، صحيح أن الجنود عادوا سالمين، إلا أن الغضب كان يزداد شيئاً فشيئاً، كنت أحد الغاضبين بشدة من مرسي، وزاد غضبي بثَّ هذه الروح بكثرة، لا أبرر ما قاله مرسي، ولا أنكر أن اقتناعي بنشر هذه الروح ربما كان مقصوداً، ولكنني لا أتذكر إلا أن شعوري كان مليئاً باليأس والإحباط، والإحساس أننا كجنود مجرد أشياء، ليست لنا قيمة، ورأس الدولة يتحدث عن سلامة خاطفينا.
"2"
انتبه أنت مستهدف
مع بدء اعتصام رابعة العدوية، علت نبرة استهداف الجيش، كانت الرواية الرسمية داخل القوات المسلحة، وتترجم كل يوم في الطابور الصباحي بقراءة الأوامر والأخبار، ودائماً منها استهداف ضابط برتبة كذا وكذا، استشهاد عدد من الجنود والضباط في منطقة كذا، كانت أخباراً عجيبة لا نسمع عنها في الإعلام، لا أنكر أنني لم أصدِّقها ولا أصدقها حتى الآن، نظراً لكثرتها؛ وﻷن الأمور لم تكن وصلت في البلاد إلى هذا الحد، أو هكذا أظن، ولكن بعيداً عن رأيي وحديث نفسي الذي لم يخرج عن شفتي، كانت هذه الأخبار تهيئة جيدة للجنود والضباط لعداء كل من ينتمي للإخوان أو يؤيد محمد مرسي.
صدرت أوامر بعدم ارتداء الزي العسكري في الشوارع، وهو أمر لو تعلمون عظيم! فكنا دائماً لا نخرج إلا بزي عسكري كامل ولا يجوز لجندي مهما كان وضعه غير ذلك! تغير الوضع تماماً، كنا نرتدي الزي المدني داخل حدود الوحدة قبل أن نخرج من بوابتها، تم طمس لوحات السيارات العسكرية للضباط بالدهان، ولم تخرج سيارات الجيش في أي مأمورية ولو بسيطة -إحضار الطعام مثلاً- إلا بحراسة بسلاح وذخيرة حيّة، مشاعري كانت مليئة بالحزن عندما طبَّقنا هذا الأمر، مع أنني مثل كل الجنود كنت لا أحب ارتداء الزي العسكري في الشوارع، ولكن لقد وصل الأمر بالهروب حتى من الزي العسكري. لا أتذكر تحديداً هل صدر هذا الأمر قبل فض اعتصامي رابعة والنهضة أم بعده؟
"3"
ضباط الأمن
ضباط الأمن داخل الوحدة دائماً هم العدو الأول للجنود، فهو من يرصد أخطاء الجنود في الخدمة، يفتش عن أي شيء يحملونه، لكن الأمر معي كان مختلفاً، فكنت جندياً ملتزماً، لا أبرح مكان خدمتي أبداً، ومستحيل أن أنام في الخدمة مهما حدث، حتى عندما كنت أتناول دواءً له أثر النوم كنت أقاوم بشدة أي رغبة في النعاس، فكان صف ضباط الأمن يترقبون أي خطأ لعقابي، ولا أعلم ما هذه الشهوة العجيبة لعقاب الجنود، المهم أنهم كانوا يعلقون دائماً بسخرية على أي كتاب أحمله، وأرسلت لي رسالة غير مباشرة من أحد جنود الأمن، أن أكفَّ عن الحديث عن الكتب، حتى لا أصنف كجندي له ميول سياسية.
ما عرفته من أكثر من جندي أمن، أن التقارير الأمنية قبل 30-6 وبعدها تجاهي، كانت تركز دائماً على الميول الدينية أو السياسية، ومن العجب أن أي جندي ملتزم بالصلاة وعلامات التدين كان يوضع تحت المجهر، حتى يثبت أنه لا علاقة لي بأي جماعة دينية أو أي ميول سياسية، وعلى النقيض لم يهتم الأمن يوماً بالترامادول الذي انتشر بشدة بين الجنود وضباط الصف.
"4"
لقد تمت تهيئة الجنود والضباط بشكل كامل لكُره كل مَن يؤيد مرسي أو الإخوان، كانت مشاعر الكراهية تزداد شيئاً فشيئاً دون أن تدري، حتى إن أحد ضباط الصف قال أمامي مرة: "أهو عدّو يا رجالة معايا كام طلقة في الخزنة، كل طلقة بواحد من الإخوان بعون الله، بس هما يفكروا يقربوا من الوحدة".
لم أكن متعاطفاً مع مرسي أو أؤيده، ولكن كنت حزيناً جداً أننا وصلنا إلى هذا الحد من الكراهية، وتمنِّي قتل بني جلدتنا، إلى أن تم عزل مرسي يوم 3-7، وبدأت الأمور تتطور بشكل كبير.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.