ليس معارضاً للنظام وأيّد محمد بن سلمان في الكثير من قراراته.. هذه هي الأسباب الحقيقية لاختطاف خاشقجي

عدد القراءات
1,974
عربي بوست
تم النشر: 2018/10/04 الساعة 09:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/04 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
جمال خاشقجي

جمال خاشقجي صديقٌ لي؛ لذا فإنَّ ما أنا بصدد كتابته الآن يفتقر إلى الموضوعية.

 

في المحادثات العديدة التي جمعتنا معاً، ولفترةٍ طويلةٍ بعدما اختلف مع النظام الجديد في الرياض في ظلِّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، كان خاشقجي يتحاشى وصفه بـ "المعارض السعودي". اعتبر نفسه ملكياً، ابناً للمؤسسة، وصحافياً مخضرماً في السياسة الخارجية، كان لأمدٍ طويل داخل دائرة الديوان الملكي التي يكتنفها الغموض. وسافَرَ معهم في مناسباتٍ سابقة.

 

عداءٌ مُطلَق

 

يمكنني الاستشهاد بالكثير من الأمثلة لافتراق خاشقجي عن النُقَّاد الليبراليين الغربيين للمملكة السعودية. فقد أيَّد -مبدئياً على الأقل- الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. ومثل كثيرٍ من المُحلِّلين العرب السُنَّة، اعتقد أنَّ إيران قد تمادت في نشر نفوذها في العالم العربي السُنِّي، وأنَّ الوقت قد حان للمملكة السعودية كي تصدها.

 

فضلاً عن أنَّه دافع عن عقوبة الإعدام. وأيَّد حملةً قمعية على الفساد – في حال إذا أمكن إقناعه بأنَّها صادقة. وأيَّد أيضاً محاولات تنويع الاقتصاد المُعتمِد على النفط وخصخصته.

 

لكنَّ خاشقجي كان متمسِّكاً بمبدأ واحد، هو أنَّ الدائرة الصغيرة المُلتفَّة حول محمد بن سلمان لا يمكنها التحمُّل، وهو ما أكسبه عداءهم المُطلَق. وكان خاشقجي صادقاً. لم يكن من الممكن شراء ذمته. إذ أعلن رأيه، وكان واضحاً فيما يقول.

 

اعتقد الرجل أنَّه ليس أمام المملكة إلا طريق واحد ينبغي أن تسلكه في القرن الحادي والعشرين، طريق انفتاحٍ ديمقراطي بطيء تقوده ملكية دستورية تتنحّى تدريجياً.

 

وكان يخشى أن يتسبَّب ولي العهد في النهاية في إفلاس البلاد نتيجة مشروعاته الخُيلاء لإقامة مدن متلألئة جديدة في الصحراء، مدن ستبقى خاوية. وكان يعترف بأنَّ بن سلمان يتمتع بشعبية بين الشباب، لكنَّه حَسِبَ أنَّ هذه الشعبية ستستمر حتى المرحلة التي يتعين عليهم عندها فتح محفظاتهم. وكان الصحافي السعودي منتبهاً كثيراً للتقارير التي تتحدث عن هروب رأس المال من المملكة.

 

ولي العهد المتهور

 

كانت انتقادات خاشقجي لبلاده دقيقة، ولهذا السبب فقط سأعتبره مُصلِحاً حقيقياً وديمقراطياً حقاً. وفكرة أنَّه على الأرجح قد مرَّ على احتجازه داخل القنصلية السعودية في إسطنبول 24 ساعة بحلول الآن، تنبئنا بالكثير عن شخصية أولئك الذين يديرون المشهد في الرياض ونيَّاتهم.

 

فهذا يُبدِّد أسطورة العلاقات العامة التي صُرِف عليها جيداً، والتي ورَّطت صحافيين أمثال توماس فريدمان الصحافي بصحيفة The New York Times الأميركية، وديفيد إغناتيوس زميل جمال بصحيفة The Washington Post الأميركية، اللذين أشادا بابن سلمان باعتباره مُصلِحاً. إذ كتب إغناتيوس أنَّ ولي العهد السعودي كان يُقدِّم لبلاده "علاجاً بالصدمة". لم أكن أظن أنَّ صحيفته تدعم إجراء الجراحات الفصّيّة (عبارة تهكُّمية؛ لأنَّ تلك العمليات كانت تهدف لعلاج بعض الأمراض النفسية والعقلية، لكنَّها تسبَّبت في آثار جانبية ونتائج سلبية كثيرة).

 

إنَّ محمد بن سلمان صادِمٌ فعلاً، لكنَّه ليس طبيباً نفسياً، بل شخص انتقامي؛ فهو يحمل الضغائن، ومتصلبٌ لأقصى حد. وهو بالقطع لا يحمل أي احترام لسيادة أي دولة أخرى أو أراضيها أو محاكمها أو إعلامها. إنَّه متهور. وفكرة أنَّه تعيَّن عليه فعل هذا العمل الجريء في إسطنبول، فوق الأراضي التركية، مقياسٌ لمدى تهور ولي العهد السعودي والدائرة الضيقة المحيطة به.

 

تدهورت العلاقات بين السعودية وتركيا باطراد منذ المحاولة الانقلابية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل عامين. وكان واضحاً الجانب الذي انحازت إليه وسائل الإعلام السعودية التي تديرها الدولة في ليلة الانقلاب. إذ خصَّصت وسائل الإعلام تلك تغطية كاملة، وكل المُعلِّقين الذين ظهروا فيها كانوا يقولون إنَّ أردوغان إمَّا لقي مصرعه أو فرَّ من البلاد.

 

كان نجاح أردوغان في تجاوز تلك الليلة نبأً سيئاً بحق للرياض.

 

وتطلَّب الأمر من وكالة الإعلام التابعة للدولة السعودية 16 ساعة لتدرك أنَّ الانقلاب لم ينجح، وأصدرت بياناً يعرب عن "ترحيب المملكة بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته المنتخبة، وفي إطار الشرعية الدستورية، وفق إرادة الشعب التركي".

 

فترة دقيقة

 

ما زالت تلك الذكريات مؤلمة، خصوصاً في الرئاسة التركية. وفكرة أنَّ محمد بن سلمان ربما خاطر بدفع العلاقات السعودية مع تركيا إلى مستوى منخفض جديد باختطافه صحافياً بارزاً على أرض أردوغان تُمثِّل مؤشراً آخر على مدى تقلُّب الحاكم المقبل للمملكة.

 

وكما تعي الرياض جيداً، فإنَّها لم تحصل على الكثير مقابل الـ300 مليون دولار التي دفعت معظمها نقداً للساسة العراقيين الذين كانوا يتنافسون في الانتخابات الأخيرة من مختلف الطوائف. وتعي كذلك أنَّ تركيا وإيران في خضم مباحثاتٍ رفيعة المستوى، تماماً كما هو الحال بين الحشد الشعبي والمجموعات السُنِّية في العراق، بشأن تسوية أمنية جديدة في المناطق السُنِّية تقليدياً.

 

هذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي تكون فيها الفصائل الشيعية مُنقسِمة بحق وتسنح إمكانية تحقيق صفقة سياسية لا تقوم بالكامل على أساس الانقسامات الطائفية. هذه فترة دقيقة للعلاقات السعودية-التركية. وليس من مصلحة الرياض أن تخلط الأمور على نحوٍ علني وأخرق بالصورة التي يبدو أنَّها فعلتها في القنصلية السعودية بإسطنبول.

 

فلدى الاستخبارات التركية قناعة بأنَّ خاشقجي ما زال داخل المبنى، وقد طوَّقته. ومن الضروري أن تضمن تركيا إطلاق سراحٍ آمن لخاشقجي، لأسباب تتجاوز الرجل نفسه والعلاقة الثنائية المتداعية بين البلدين.

 

تركيا: ملاذٌ آمن

 

بعيداً عن أنَّ تركيا تستوعب ملايين اللاجئين السوريين، فإنَّها تستضيف آلافاً من المنفيين السياسيين من مختلف أنحاء العالم العربي.

 

إذ تضم إسطنبول طيفاً كاملاً تقريباً من المعارضة المصرية، العلمانية والإسلامية. وفي سجونها يقبع متشددون وُلِدوا في بريطانيا. وهناك الكثير الذي يجري في إسطنبول، وأكثر من حكومة غربية ستُفضِّل بقاء الوضع على هذا النحو.

 

وإن سمحت تركيا لعمليات الاختطاف من الحكومات الأجنبية بالوقوع على أراضيها، سيتدهور أمنها الداخلي سريعاً. وستخسر كذلك النفوذ الكبير الذي تتمتع به في الشرق الأوسط بتوفيرها ملاذاً آمناً لعددٍ من مجموعات المعارضة السُنّيّة.

 

لم يتضح بعد إلى أي حد قد يكون وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مستعداً للضغط على نظيره السعودي عادل الجبير في ما يتعلَّق بخاشقجي (الذي يمتلك إقامة في الولايات المتحدة وكاتب عمود في صحيفة The Washington Post الأميركية). كما أنَّ البيت ليس مُعجباً كبيراً بصحيفة The Washington Post ولا بحُريِّة الصحافة.

 

يهين الرئيس دونالد ترمب العاهل السعودي الملك سلمان ويسيء إليه  بانتظام لإجباره على دفع أكثر ممَّا دفعه بالفعل مقابل أمنه.

 

ويستوعب النظام في السعودية تلك الإهانات من ترمب، في حين يذهب إلى النقيض من ذلك تماماً مع الدول التي يعتبرها أصغر مثل كندا؛ لأنَّه يعي ألَّا خيار آخر لديه.

 

كان خاشقجي أول مَن حذَّر السعوديين من أخطار التماهي كثيراً مع ترمب. في الواقع، كان هذا هو سبب خلافه مع النظام السعودي في المقام الأول، وكان ذلك قبل وقتٍ طويل من القمة العربية الإسلامية الأميركية التي انعقدت بالرياض في مايو/أيار الماضي وإعلان صفقات الأسلحة المُربِحة. بالفعل فات الأوان على أن تنتبه السعودية لكلمات خاشقجي، ولذا لجأوا لهذه المحاولة اليائسة لإسكاته.

 

لكن لأكثر من سبب، لا يجب السماح لهم بالنجاح.

 

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ديفيد هيرست
كاتب صحفي بريطاني
ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً
تحميل المزيد