يُقال كاد المعلم أن يكون رسولاً.. من المعروف لدى الجميع يا صديقتي أن المعلم هو قدوة التلاميذ، صحيح اتفقنا معك في البداية أنك تريدين تربية جيل جديد على اللغة العربية وأخلاق الدين. لكن أن يصل بك الأمر في الحديث بالقنوات أن منطلق رسالتك هو كسر الجمود؛ لأن صورة المعلم القديم لدى الطفل هو ذلك الشرير.
لا يا صباح.. أنت مخطئة تماماً، ولا مرة كانت صورة المعلم لدى التلاميذ هي شرير، ممكن يصرخ أو ينظم الصف أو يعاقب لعدم حل الواجب المنزلي، لكن هذا لمصلحتهم وتربيتهم أعطيكِ مثالاً: لو لاحظتِ في فترات معينة لما يعرف التلاميذ أن معلمهم سيترك المدرسة وسيجلبون معلماً آخر. تجدينهم يبكون وينددون برحيله، أليست هذه الصورة أن المعلم مهما قسا تبقى صورته جميلة في عيون الطفل.
صحيح هناك حالات شاذة عن أساتذة ومعلمين قاسيين وليس لهم معاملة جيدة مع التلاميذ، لكن المعروف أن خوف التلاميذ من المعلم ليس لأنه شرير مثل ما قلت، وإنما خوفهم هو احترام وتقدير له.
أذكر أنه كان يدرسني أستاذ في الثانوي اللغة الفرنسية من درجة صرامته لا يدخل القسم وراءه أحد، ولا يشوش أثناء الدرس أي تلميذ، لدرجة كنا نأتي للقسم قبل موعد حصته بربع ساعة.. هذا لم يكن خوفاً منه؛ لأنه سيطردنا، بل كان هدفنا أن نتربى على جيل يحب الانضباط والوقت وعدم تأجيل عمل اليوم إلى الغد، وهذا هو هدف الأستاذ من صرامته، فلا يوجد شخص بهاته الحياة يرغب في خلق الكره بينه وبين أناس يحبهم، فالقسوة أحياناً ناتجة عن الحب. وليس عن الجبروت.
ولو تلاحظين قليلاً لوجدت أن جيلنا يقدّس الأستاذ ويحترمه، وحتى بعد مرور سنوات لما يجده بالطريق يفرح فرحاً شديداً لأنه رأى أستاذه الذي درّسه، مهما كان هذا الأخير قاسياً.. فكيف يكون لك الحق حتى تشوّهي صورة الأستاذ القديم وتصفيه بأنه كان شريراً، ومن أنت حتى تكسري هذه القاعدة، هل هذا لأنه علمك ورباك على الأخلاق والمعرفة، أم لأنك أصبحت معلمة، فأصبح المعلم القديم في نظرك هو معلم شرير.
هل الانضباط في الصف والوقت وحل الواجبات هو شيء روتيني يستحق كسره، ممكن هذا الجيل الجديد الذي يتعلم الآن يرى ذلك؛ لأن بعض المعلمين الجُدد هو من ترك ذلك الأثر الذي تقولينه.
قد يفهمها البعض من خلال هاته الكلمات التي قلتها، أنك ربما لديك قصة مع أحد المعلمين جعلتك ترين أن المعلم القديم هو شرير وأن طريقته بدائية ولا بد من ابتكار وسيلة جديدة للتواصل مع التلاميذ مثلما تقولين.
أولاً إذا على وسائل التواصل الاجتماعي، فهي ليست وسيلة جديدة؛ لأن هناك أساتذة استعملوا هذه الطريقة من سنوات لكن بأسلوب توعوي، والهدف منه تقديم تجارب جديدة في التعليم مثل ما عملت المعلمة الأميركية لما طلبت من تلاميذها كتابة آرائهم ليخبروها بما يريدون أن تعرف. وهذه الطريقة أعجبت المعلمين الآخرين وجربوها ونجحت.
لكن أنت أين الهدف من نشر الفيديو الخاص بك مع التلاميذ؟
أنا في البداية فهمته أنك تحبين اللغة العربية ولغة الدين و.. و.. لكن كلامك في القنوات عن الفيديو يبين العكس، أنت أردت ابتكار طريقة جديدة للتواصل وكسر الجمود حول صورة المعلم القديم الشرير.
قد تقولين ممكن لم يعجبني الفيديو لأنك تحدثت عن العربية ولغة الدين و.. و.. وقد تقولين إني أمازيغية ولم أرد حديثك عن العربية، وقد تقولين إني من جماعة الفرنسية ولم يعجبني الفيديو وقد تقولين إني.. وإني..
لا هذا كله ليس صحيح لأني عربية أباً عن جد ولأني أحب لغتي أكثر من أي أحد. وكل الذين يتواصلون معي يعرفون أني أحكي فقط باللغة العربية أما الفرنسية والإنكليزية استعملهما فقط في شغلي مع الأجانب، كما يشهد البعض أني احتفيتُ باللغة العربية والاهتمام بها، كما احتفيتُ باللغة الفرنسية ومحاولة اعتبارها كلغة ثانوية في التعليم والمعاملات.
قد تقولين إني من أنصار الوزيرة.. ممكن طريقتها في حل الأمور أحياناً غير صحيحة. ممكن لم تعمل تحقيقات في وسائل نقل الطلبة وأكلهم. وفي تجاوزات البكالوريا و.. و..
لكن ما قامت به الآن هو جزء من عملها وأعتقد أنك في حوارك مع القنوات قلت إنه تحقيق عادي روتيني، إذن لا يمكن أن نحكم على الشخص لأن الغالبية لا تريده.
هذا الكلام لا يعني أني مع الوزيرة، فلا مصلحة عندي لذلك ولا تهمني إن شكرتها أو لا، أنا وجدت نفسي الآن أرد عليك ليس لكرهي للعربية أو لحبي للفرنسية والوزيرة أو لعدم تضامني معك، ويعلم الله أني كنت متضامنة معك في البداية، وكنت من بين الذين احتفوا بالعمل الذي قمت به واعتبرتُه أسلوباً لخلق جيل يُربى على اللغة العربية.
لكن رسالتي لك الآن هي كلامك عن المعلم القديم واعتبارك أنه شرير وأنك تريدين ابتكار طرق جديدة للتواصل مع التلاميذ من خلال فيسبوك.
أنا لم أفهم كيف تتواصلين مع تلاميذك من خلال فيسبوك مثلما تقولين وتجعلينهم يحبون المعلم ويعتبرونه حنوناً فقط لأنك عملت فيديو، وكذلك إذا كانت وسائل التواصل هي وسيلة لتطوير التعليم فهذا يعني أن تلاميذك سيقلدونك وينشرون فيديوهات في فيسبوك والأستاذ يشرح الدرس دون إذنه، وبالتالي فهنا التلاميذ سيركزون على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من التركيز مع شرح المعلم.
لكي تصلي إلى قلوب التلاميذ ليس فيسبوك هو الوسيلة؛ لأن التلاميذ هم معك في القسم وتغيير أنماط التعليم حسب التكنولوجيا ليس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
يا أخيتي مهما تطور العلم والتكنولوجيا ووسائل التواصل يبقى المعلم هو تاج فوق رؤوس تلاميذه، حتى وإن كانت طريقته بدائية وقاسية يكفي أنه ربى جيلاً قادراً
على تطوير المجتمعات. وعلمك أنت حتى تتطاولين عليه وتقولين إنه شرير.
فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
ولا تفهمي رسالتي هذه أني أكرهك أو أني لست متضامنة معك. أنا فقد انتقدت كلامك في القنوات والذي لا يعكس الفيديو بهدف تغيير صورة المعلم القديم الشرير وتطوير وسيلة التواصل بين التلاميذ عن طريق فيسبوك فأنت مخطئة؛ لأنه سيأتي جيل آخر ومتطور أكثر من الآن وسيرى مثلما ترين أنت الآن.
أما إن كان هدفك هو خلق جيل يحب اللغة العربية فكلنا متضامنون معك، وهذا لا يعني كذلك أن نحتكر فقط العربية فلنحب لغتنا ونفتخر بها ونتحدثها، وفي نفس الوقت نتعلم لغات العالم كالفرنسية والإنكليزية والصينية والألمانية وحتى العبرية لأن مَن تعلم لغة قوم أمن شرهم.. ولا ننسى الأمازيغية والشاوية لأنهما لغة تستحق التعلم ومعرفة تاريخها.
ويبقى المعلم هو رسول المعرفة..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.