لو كنتُ شيخاً للأزهر

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/01 الساعة 08:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/01 الساعة 08:15 بتوقيت غرينتش

قد يكون العنوان مبالغاً فيه، أو يُعد ضرباً من الخيال؛ ولكن دعونا نسأل أولاً: ما هي رسالة الأزهر؟

أعتقد أن البعض سيجيب بأن رسالته التعليم الديني العالي، ونشره في الأقطار الإسلامية، وهذا الأمر يتطلب تأسيس طلابه تأسيساً جيداً منذ الصغر، لكي يتوسع في العلوم العربية، والشرعية، وفي التاريخ الإسلامي، وفي الأدب العربي، اتساعاً يجعله بحق إعداداً جيداً ومفيداً للأزهر.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فالأزهر أهم باعث على الأخلاق والدين، يدعو إليهما بدعوة حارة، دعوة ممزوجة بالعاطفة، ممزوجة بالإيمان، حيث إنه يتجلى في أسمى مظاهر الإنسانية، لاسيما في أوقات الشدائد، من عطف على الفقراء، ومواساة الجرحى، والمنكوبين، ومن أصيبوا بزلازل أو براكين، أو حريق أو غريق، أو قتيل، كما هو معلوم لدى الجميع.

 

فيجب أن يكون الأزهر مطلوباً لا طالباً، معززاً مكرماً لا مستجدياً، وشيخه يقول الكلمة الواحدة فترتجف منها الحكومات، ويرتجف منها العالم؛ لأن الأزهر هو منارة للعالم الإسلام، ومنارةً للخُلق والعلم، ورحيم على أهله وعلى الأديان السماوية، يدعو إلى التعايش معهم بسلام وأمان حامياً للأقليات محافظاً على هيبة ومكانة دور العبادة لجميع الأديان السماوية الأخرى.

 

بعد الأزهر عن السياسة، وعدم إنهاكه وإجحافه بقرارات تعيق رسالته؛ فالأزهر منارة كالشمس تضيء الطريق للجميع، وينتفع منها المكرم، والمسيء على السواء، فمنهجه ورسالته معروفة، وثابتة منذ نشأته، أما السياسات فهي متغيرة، متقلبة تختلف باختلاف الأشخاص، والأنظمة الحاكمة، فلو تغير، وتلون مع السياسات الحاكمة فقد تأثيره على الناس، وضعف رأيه، وقوته، وفقد عراقته، ورسالته، فإن الأزهر باق والسياسات والأحزاب متغيرة.

اختيار طلاب العلوم الشرعية والعربية بدقة وفقاً لضوابط ومعايير تؤهلهم لحمل اسم وراية الأزهر الشريف، ونشر ثقافته، ووسطيته بشكل سليم يليق برسالته، فالتعليم الديني لا يصح له إلا الخاصة، أليس من حق الأزهر أن يختار أفضل العناصر كما تفعل بعض المؤسسات الأخرى، بحيث يخضع طلابها إلى العديد من الاختبارات والتحريات والمقابلات الشخصية. وهذا يتطلب الآتي:

أولاً: رفع تنسيق الكليات الشرعية، والعربية، بمعنى أن يكون الطلاب من أصحاب العقول والتفوق العلمي والأخلاقي، بحيث لا يكون هدف الطالب الانتساب لهذه الكليات لقضاء وقت فراغ، أو الحصول على درجة علمية أو لأي غرض آخر.. إنما الغرض تحصيل العلم لأداء الرسالة المخصصة لكل كلية.

ثانياً: تحديد عدد الأزهريين بقدر صلاحية الطلبة والمدرسين والمهنيين والوعاظ والدعاة، وبقدر حاجة البلاد لهم، بحيث يكون لكل طالب مكانه اللائق به بعد التخرج في نشر رسالة الأزهر.

ثالثاً: إجراء العديد من الاختبارات المناسبة وفق لضوابط ومعايير تساعد على انتقاء أفضل العناصر كما أشرنا سابقاً فيما تفعله إحدى المؤسسات كما هو معلوم ولا يحتاج إلى توضيح.

أسمع صوتك الآن وأنت تقول: بهذا الأمر لن تجد من يتقدم؟ فأقول لك إنه من الأفضل أن يكون عددٌ قليل بتأسيس جيد يعرف دوره ويؤديه بإتقان خير من أناس كثير يسئون للأزهر، ويجعلونه محل نقد واتهام.

بالإضافة إلى فرض التكليف على خريجي هذه الكليات ما يُرغب العديد في الالتحاق بها والاجتهاد، كما أشرنا سابقاً بحصر الأماكن وتوفير الأعداد على أساسها.

يجب أن يكون التعليم في الأزهر الشريف مسايراً لزمانه قائماً على أسس التربية الحديثة ومتطلبات العصر، بحيث يكون منارة داخلية مصونة من كل عبث فكري أو تكنولوجي.

إحاطة الأزهر وعلمائه بسياج يبعث فيهم الكرامة، وعزة النفس، وأن يعيشوا عيشاً موفوراً لا ذلة فيه، ولا وضعة.

إيقاف أي شخص يريد أن يشوّه صورة الأزهر، ومنعه من المساس بحرمته، وقدسيته؛ فالمساس بأزهرنا هو أول الطرق للتشكيك، ومحاربة الدين الإسلامي، فيكون المساس بالأزهر ومهاجمته كالمساس بأمن البلد ومحاربتها.

فلنتصور إذاً ما يكون شأن الإنسانية إذا فقدت كل هذه المناهج والمؤسسات الأزهرية، إن العالم بلا أزهر عالم بلا قلب، فهو نعمة أنعم الله بها على المجتمع الإسلامي، وخير قائد لها، فإذا وطئت قدماك جامعة الأزهر سترى منظراً عجيباً، يتجمع فيه آلاف من الطلاب والمريدين في هذا المكان، بملابسهم النظيفة ـ كما أوصى الإسلام ـ اتحدوا في التوجه إلى الله، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، تربطهم وحدة الدين واللغة العربية، وألقيت بينهم وحدة القصد، اتجهوا كلهم لطلب العلم، قد نسوا دنياهم، ونسوا أنفسهم، وتعلقت أرواحهم بربهم، يتجلى على وجوههم الوجد والهيام، يعاهدون الله دائماً، ويستبشرون أملاً، وكلهم متعلقون بربهم، يرجون حياة جديدة عمادها التقوى وقوامها الإخلاص.

 

قد يكون هذا الأمر خيالياً ومُراً لكن كما يقولون: "إن الطبيب الذي يعطيك المر فتشفى، خير من الطبيب الذي يعطيك الحلوة فيستمر مرضك".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد العوابدي
بكالوريوس إعلام جامعة الازهر
تحميل المزيد