قبل أربع سنوات أو خمس على أكثر تحديد، لم يكن يعلم معظم الناس، وخاصة في المنطقة العربية عن ظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، شيئاً، وخلال تلك السنوات كان أكثر ما يعلمه الناس عن تلك الظاهرة هي أنها لا تعدو كونها مادة دسمة في برنامج وثائقي بيئي ممتع، الآن بات الكل يشعر بأن الاحترار يؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، ليس بالحرارة فقط وتبدُّل مواعيد الأمطار وتأخرها أو اختفائها من أمكنة وظهورها في أمكنة جافة وقاحلة، بل حتى ونحن على أسِرّتنا أو حول موائد طعامنا.
بل إن أنظمة كوكبنا البيئية أصبحت تعاني اليوم من ضياع التنوع البيولوجي الضروري لاستمرار الحياة على الكوكب، كما أن الحيوانات البرية المتبقية بدأت تعاني جراء اختفاء موائلها الطبيعية حتى قبل أن يصل إليها الإنسان بحضارته وعمرانه.
والآن بدأت تتأثر أيضاً الأنظمة البشرية سلباً مثل الصحة، والتي ستواجه قريباً جداً -حسب مراقبي المناخ- انتشار ناقلات الأمراض كالبعوض، وستعاني البشرية مجدداً قبل إيجاد الحلول والأمصال للحيلولة دون قضاء ملايين البشر مع انتشار الأوبئة وتبدّل مورّثات البعوض والناقلات الأخرى.
وسوف يُجبرنا التغير المناخي على إعادة التفكير بشكل أنظمتنا الحضرية الحالية، بما في ذلك النقل والمباني وتلك الطرق التي نؤدي بها أعمالنا اليومية، حتى فرص الأعمال الخضراء التي نتجت عن مؤتمرات المناخ الدولية وتوصيات العلماء والهيئات الدولية المعنية بالمناخ، كل ذلك يحدث الآن بعد هذا الشوط الحضاري الهائل الذي حققته البشرية، لقد وضع التغير المناخي البشرية في مواجهة مأزق حقيقي وخطير كما لو أنها لم تواجه أي مأزق من قبل.
لكن أخطر شيء قد نتخيله هو حين تواجهه البشرية بعد كل هذا، ظهور أسباب جديدة كلياً للنزاعات حول العالم، ومنها إجبار المناخ الناسَ والشعوب على الهجرة وترك أوطانها، وخاصة من تلك المناطق الساحلية والمنخفضة، وسيظهر ما أطلقتُ عليه حروب الجنسية، حين تغرق الأوطان التاريخية لتلك الشعوب وتختفي كلياً أو تصبح شيئاً فشيئاً غير قابلة للعيش، نتيجة تحوُّل التربة إلى وحل مالح واختلاط المياه الجوفية بمياه البحر المالحة، فتختفي كل أوجه الحياة، بالإضافة لاختفاء جنسيتهم إلى الأبد، عندها لن يملك هؤلاء اللاجئون خيار العودة مجدداً لأوطانهم كما هو حال اللاجئين السياسيين، أو أولئك الذين تركوا أوطانهم جراء الفقر والحروب والنزاعات المسلحة، في هذه الحالة فإنه سيتم التخلص منهم بشكل أو بآخر، أو سيتحولون في أحسن أحوالهم إلى عبيد يعملون في الزراعة والبناء وتنظيف الطرق وتلك الأعمال الخطيرة، وستظهر العبودية والرق مجدداً بثوب آخر، ولأن هذه الشعوب تختلف ربما عن أولئك الأفارقة الذين عانوا أيام سنوات الرق، ستظهر تلك الجماعات المسلحة والتنظيمات السرية التي ستُنشئ نواة أولية لتلك الحروب التي سيشتعل أتونها في النهاية، بعد أن يرفضوا الاندماج بتلك الأوطان الجديدة التي ترفض وجودهم أصلاً، وسبب الاقتتال هنا ليس المعادن والنفط والذهب والدولار والاقتصاد والمياه أو الشرق الأوسط، بل الحصول على الرقع الأرضية التي ستصبح من السلع النادرة جداً وقتها، فما بالكم حين يسعى البشر للحصول على تلك الرقع لإنشاء وطن جديد عليها؟!
لذلك ينهمك العلماء اليوم في جميع أنحاء العالم في محاولة فهم كيفية تغيُّر المناخ بشكل أعمق، وكيف ستكون عليه تلك التغيرات في المستقبل؟ وتلك التي يجب علينا أن نتوقع حدوثها، وما هي الأحوال البشرية التي ستؤول إليها جراء ذلك التغير؟ وما هو الدور الذي تلعبه الأنشطة البشرية المتعلقة بالتصنيع والمسؤولة عن إنتاج تلك الغازات الدفيئة، المسؤول الأول عن حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري في ذلك التغير الهائل على أحوال كوكبنا؟
وبينما في اللحظة يوجد جدل حول احتمال حدوث تلك التغيرات المناخية المتطرفة، إلا أنه يوجد إجماع علمي واسع على أمرين اثنين:
– الأول هو أن ارتفاع درجة حرارة كوكبنا أمر لا لبس فيه.
– الثاني هو أن التأثير البشري على نظام كوكبنا المناخي أصبح واضحاً للغاية.
لاحِظ عزيزي القارئ متى بدأت القصة، منذ عام 1824 كان الفيزيائي الفرنسي "جوزيف فورييه" أول مَن وصف "تأثير الدفيئة" الطبيعي لكوكبنا.
وفي عام 1861 أظهر الفيزيائي الأيرلندي "جون تيندال" أن ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء يمكن أن يسببا تغيرات في مناخ كوكبنا.
وفي عام 1895 خلص الكيميائي السويدي "سفانتي أرهينيوس" إلى أن حرق الفحم الحجري الذي زاد منذ انطلاق الثورة الصناعية الأولى أواخر القرن الثامن عشر سيعزز تأثر الدفيئة.
وفي عام 1938 أظهر المهندس البريطاني "جاي كاليندار" أن درجات الحرارة قد ارتفعت خلال القرن الماضي بسبب زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الجو.
وفي عام 1958 تم توظيف عالم الكيمياء الأرضية "تشارلز ديفيد كيلينغ" لمراقبة مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل مستمر في الغلاف الجوي لكوكبنا.
وفي عام 1970 تم الاعتراف بالغازات الدفيئة الأخرى حين زاد تركيزها في الجو مثل، CH4 غاز الميثان، و N2O غاز أكسيد النيتروز، و CFCs مركبات الكربون كلورية فلورية.
وفي عام 1990 قدم الفريق الحكومي الدولي المعنيّ بتغير المناخ IPCC تقرير التقييم الأول عن حالة تغير مناخ كوكبنا، متكهناً وقتها بزيادة قدرها 0,3 درجة مئوية كل عقد من الزمن خلال القرن الواحد والعشرين.
وفي عام 1997 تم تبنّي بروتوكول كيوتو، نسبة إلى مدينة كيوتو في اليابان التي عُقد فيها المؤتمر سنة 1996، ودخل حيز التنفيذ في عام 2005 واعتبَرَ أن بخار الماء من أهم الغازات الدفيئة، ولكن لأننا نحن البشر لا نُنتجه بكميات كبيرة فليس لدينا سيطرة على مستوى تركيزه في الجو.
وأهم الغازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية هما غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث أساساً من حرق الوقود الأحفوري مثل المنتجات النفطية والفحم الحجري، وإزالة الغابات، وتدهور أحوال الباقي منها، وإنتاج الحديد والصلب، وغاز الميثان الذي ينتج عن تربية الأبقار بشكل صناعي من خلال أنظمة تسمينها على نطاق واسع، فعندما تجلس البقرة لتجتر العشب مرة أخرى، ينتج عن زفيرها غاز الميثان الذي يدوم تأثيره في الجو 27 مرة ضعف تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون.
يجب أن نعلم جيداً الآن أن كوكبنا يمتلك رئتين اثنتين لا يوجد غيرهما، هما البحار والغابات، اللتان تمتصان غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو، ، حيث يتم الآن تدميرهما بشكل ممنهح من خلال الأنشطة البشرية المتعلقة بالتصنيع، لصالح تربية الأبقار وزراعة أعلافها، وإقامة مزارع النخيل الزيتي لأجل إنتاج النوتيلا والشيكولاتة والزبدة النباتية، ولصالح إقامة المصانع التي تلقّي مخلفاتها في البحار والمحيطات وإقامة المدن الجديدة والمجمعات الحضرية البشرية، والتي تقود البشرية قاطبة بخُطى سريعة نحو حروب الجنسية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.