اللوم عليها هي! مناقشة في محيط الجامعة حول التحرُّش الجنسي في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/01 الساعة 11:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/01 الساعة 11:47 بتوقيت غرينتش

 

الدفاع عن المرأة في المجتمعات الشرقية ليس من قبيل الإطراء على المرأة، ولكن من قبيل الإطراء على جوهر العدالة، ففي كل واقعة تكون المرأة طرفاً فيها؛ ترزح الكفة التي تشغلها تحت نير أفكار عنصرية تكون بمثابة سهام تنغرس في كرامتها.

ومن ثم، فإدارج المرأة الشرقية تحت مظلة طائفة من الطوائف التي لا بد من أن تنضوى تحت مفهوم حماية حقوق الإنسان -مصطلح يهدف إلى حماية الإنسان، لا سيما الطوائف التي تتعرض لتعسف مثل المعتقلين والأطفال والمرأة والأقليات الدينية والجنسية-  واجب لا تفضَّل منا عليها.

فالاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها في مجتمعات أراضيها مخضَّبة بالعنصرية خير دليل على هذا التصور، ففي صقع من الأصقاع يُؤكل ميراث المرأة على مرأى ومسمع من الجميع، وفي لحظة أخرى لا يرفُّ فيها جفن لأي فرد من أفراد المجتمع تُزوَّج طفلة لم تبلغ السن القانونية للزواج بعدَ سلب حقها في استكمال التعليم. هذا بجانب ازدواجية المعايير في التعامل بالمحيط الأسرى مع الابن والابنة.

فالانتهاكات المذكورة في الكلمات السابقة باتت بمثابة ناموس طبيعي، لا تسترعى انتباه أحد أسوة بزيها وحجابها، ولكن خلال الشهور الماضية؛ تسلطت الأضواء على المرأة من جديد بمناسبة استشراء ظاهرة التحرش، رغم أن مصر في مصاف الدول التي تتفشى فيها مثل هذه الممارسات منذ زمن، ومن النهفات المجتمعية التي حدثت على أثر ذلك إزاحة المرأة من مقعد المجني عليه ووضعها في قفص الاتهام، فجنح فريق لا يستهان به من الرأي العام إلى إلقاء سيل من الاتهامات على المرأة التي تنال من كرامتها وشرفها، وكوَّن فريق آخر دروعاً وقائية للوقوف على سدة درء هذه الاتهامات، وتملكت الشيزوفرينيا من فريق ثالث.

واحتدمت المناقشات ما بين الفريق الأول والثاني في كل صقع من أصقاع المجتمع، فعلى سبيل المثال: في محيط الجامعة نشبت مناقشة بين طالبين تُبلور وجهتي نظر الفريق الأول والثاني، فمثّل الطالب الأول الذي بدأ الحديث، بصورة عفوية الفريق الأول، وتذرع بكل الحجج التي تُتداول بين أروقة فريقه، فقال تعليقاً على ملابس إحدى الزميلات: "يتمنعنّ وهن الراغبات -مع الاسترسال في شتائم مقذعة تنال من شرفها- ويتهموننا بأننا نتحرش بهن، ماذا أفعل أمام فتاة مثل هذه الفتاة ترتدي ملابس تجسّم مفاتنها، وأنا في ميعة عشريناتي، ولم أتزوج بعد، في نهاية الأمر أنا بشر، والشهوة تتمكن مني، اللوم عليها هي -ثم يبصق جانبه- وعلى أهلها.

لم يكن الطالب الذي ينضوي تحت مظلة الفريق الثاني ينوي خوض هذه المناقشة، ولكن المفردات التي استخدمها الطالب الذي يحمل لواء الفريق الأول كانت بمثابة استفزاز بالنسبة له، فردَّ عليه بصيغة حادة: الفتاة التي ترميها بهذه الألفاظ النابية ليست على مستوى من الأخلاق وأنت على مستوى من الأخلاق، أليس هكذا تزعم؟! ولا أنت ولا المجتمع الذي تنتمي إليه تعرفون شيئاً عن الأخلاق، أنتم مدّعون وأفّاكون، ما شأنك بملابسها أيها الأرعن؟

فردَّ عليه الطالب الأول، الذي اكفهرَّ وجهه من أثر هذه الكلمات على نفسه، بابتسامة يكظم بها غيظه: أأنت من الذين يدافعون عن المرأة؟ ماذا تعرف عن الدين؟ أتقبل على أختك أن ترتدي مثل هذه الملابس؟ لو افتراضنا أنك قبِلت، فسينطبق عليك مصطلح "الديوث"، سأقول لك معلومة ينبغي أن تضعها نصب عينيك؛ الفتيات اللاتي ترتدين مثل هذه الملابس، لَم تأتين إلا لكي تتعرضن لمثل هذه الممارسات.

انصبّ الغيظ الذي يتراكم في صدر الطالب الذي يمثل الفريق الثاني، في صورة نظرة ازدراء، ثم قال بلهجة لا تخلو من الاستخفاف من الطالب الأول: من أنت ريثما تعرِّفني ديني أيها الأحمق؟ أتذكر واجبها الذي لا سلطان عليها فيه سوى سلطان الله -سبحانه وتعالى، وتغض طرفك عن واجبك أنت في غض بصرك، وتشيح وجهك أيضاً عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه: "إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، ومن أنت أيضاً حتى تدفع بأختي في كلماتك المصبوغة بالبذاءة؟ أأنت الآن تأخذ من زي المرأة ذريعة لتبرير التحرش، وتتعامى عن بيان الأزهر الشريف الذي يقول فيه: "إن زي المرأة وسلوكها لا يُسوغان للمتحرش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكة له في الإثم".

فظهرت نتيجة هذه التفنيدات المقتضبة في ردٍّ لا يخلو من الاستنكاف عن النكوص عن هواجسه الشائنة، والاعتذارعما بدر منه، فردّ الطالب المنضوي تحت مظلة الفريق الأول: "برده البنات الي بتلبس كده شمال".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد عيسى
مدوّن مصري
طالب بكلية الحقوق ومهتم بالشأن الثقافي والأدبي
تحميل المزيد