أصابنا الخرف

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/01 الساعة 07:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/01 الساعة 07:58 بتوقيت غرينتش

نتناسى بسرعة غير معقولة ما تم من أحداث، نتناسى حتى جراحنا التي ما زالت مضمدة، نتناسى قصداً أو بغير قصد أن ما عاشه أسلافنا سنعيشه، وأن اليوم هو شبيه الأمس، وأن أحداث الغد هي توأم أحداث اليوم، فكيف يحق لنا أن ننسى؟ وهل يجوز لنا أن يصيبنا الخرف ونحن واعون مدركون؟

ما تم من أمور سابقة عن إدراك هذا الجيل واجب الفهم  والتحليل، وليس من الترف الفكري أن نعرف كيف كنا وإلامَ صرنا ولماذا وبأي وسيلة وأداة، من وقف معنا ومن خدعنا؟ من أوقعنا في الفخاخ القاتلة وماذا ربح وكيف وصل إليه صناع القرار؟

وإن كان ثمة قائل أن التاريخ الغابر يتعبه ولا يقوى على إيجاد الروابط والأواصر مع أحداث اليوم من خلاله، فأنا هنا أتساءل: هل يحق لك أن تنسى ما عشته أنت وما عاشه والدك من قبلك أم أن ذلك من التاريخ الذي تريد إخراجه قسراً من ذاكرتك طمعاً في حياة أكثر رفاهية وترفاً؟

أنا وأنت اليوم مطالبون ببدء تنشيط الذاكرة فعلياً لما حدث، كيف ولدت إسرائيل ككيان من العدم، وافتح عيونك جيداً فتحليل الأمور اليوم بات أكثر قرباً للأذهان بعد انكشاف كثير من الأوراق واحتراق كثير من الشخصيات الدولية والعربية على حد سواء، ومأزق ثورات العسكر على الحكم في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم وكيف تم وبتنسيق مع من وما هي الأدوات والأسماء والوسائل؟

 

اتفاق أوسلو، الثورات والثورات المضادة، الحروب والنزاعات، الأزمات الاقتصادية المتلاحقة والعاصفة بالمنطقة، الشخصيات المصطنعة، الهجرة والتهجير، الاتجار بالبشر، هذه ملفات وقضايا نعيشها نحن اليوم ونلمس أثرها بشكل يومي، فهلا بدأنا بها تحليلاً ودراسة، أم أننا سنؤجل ونسوّف ونتمنى الحلول من السماء؟

نحن -أيها السادة- محاطون بالمئات من القضايا والنوازل التي إن لم نقم بحلها بعد تحليلها فنحن سنكررها ونكرر العيش فيها بكل أسف كل يوم، فالمخطط الناجح يستمر، والمخطط الذي تواجهه العقبات يتم البحث عن بدائل له في الواقع، وما هو دور النخبة المثقفة والأكاديميين والفلاسفة من المنظرين والمخططين إن لم يكن هذا دورهم وهذا زمانهم!

لسنا في بحبوحة من الزمان لنحلل ونتوسع في دراسة المجريات، ولكننا أمام مسؤولية البدء بالخطوات الجادة للمواجهة بعد الفهم، فلا مواجهة بلا وعي، ولا نصر بلا مقومات، واللاهثون وراء السراب سيختفون قريباً، وسيتركوننا في مواجهة الواقع بعد انكشاف الضباب.

 

لقد ابتلينا بمجموعة متعددة الأسماء والأعراق والمشارب من السياسيين والاقتصاديين والنخب المصطنعة التي تقوم بواجبها في تزوير الواقع، ونشر الأحلام الوردية، وتخدير المجتمعات  بالمخدرات والأوهام الكاذبة، وبات الكذب لديهم حرفة واحترافاً.. دين كاذب، إعلام كاذب، سياسي كاذب، خطابات مكذوبة، جمهور كاذب، بيروقراطيون كاذبون وفسدة، ونحن نبصر كل هذا وننشغل في الشتم والسب والقدح بدل الانشغال في تصويب المسار.

أيها المتعلمون؛ أنتم لسان مجتمعكم وسوطه وصوته، أنتم ثورته وثروته، وعليكم بكل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي والمؤسسي أن تنثروا المعرفة والحقيقة بكل ما هو متاح، فإن هبتم واعتراكم الخوف ذابت مجتمعاتكم أمام عيونكم، وتحملتم وزر الواقع والمستقبل، وستدفعون الثمن تكلمتم أم صمتُّم!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
نزار الحرباوي
مستشار إعلامي
تحميل المزيد