منذ صغري، وعندما أسمع هذه الكلمة أو هذا المصطلح لم يرد على ذهني إلا أنها تعني أولئك البعض غير المتعلمين، الذين لم تسعفهم الحياة على التعلّم فيها، سوى التعلم الفطري الذي نشبوا عليه، لكن الحقيقة أن هذه الكلمة تعني الكثير، وربما أعمق من مفهومها عند البعض.
فها هو القرآن الكريم يطلق اسم الجاهلية على الفترة التي سبقت الإسلام، على الرغم من وجود مميزات كثيرة (شعر، أدب… إلخ)، ولكن هيهات لم تشفع لهم هذه المميزات، وهذا بسبب جمود الفكر وجهل العقول.
اقرأ في التاريخ -إن شئتَ- عن شعوب أخذت بزمام العلم، وسعت لإعمار الأرض، وقامت بدورها كخليفة لله في أرضه، فكرمت الإنسان، وصانت الأرواح، وكرمت البشرية، وحافظت على كل الكائنات التي خُلقت مع الإنسان، وكانت أملاً لكل مظلوم ومريض وأسير وجاهل، فرفعت الظلم عن المظلوم، وأعادت الصحة لكل مريض، وفكَّت أسر الأسير، وعلَّمت الجاهل، فسبح الجميع بحمدها، وفاضت صفحات التاريخ بذكرها وتمجيدها.
واقرأ أيضاً في التاريخ -إن شئتَ- عن شعوب تلطخت بالجهل، وأحاط بها التخلف من كل جانب، ودفنت نفسها بنفسها في ظلام فوق ظلام، ظلام الجهل، فأذلَّت الإنسان وعاش في كبد ما بقيت هذه الشعوب، وما جنى منها إلا الفقر والمرض والظلم والجهل والهوان، فلُعنت بين صفحات التاريخ، وطُردت من كل عقل يرنو نحو العلم والتقدم.
لا شكَّ أن الأزمات الراهنة التي تمر بها بلادنا العربية في تعقيد مستمر، ربما لأننا نجهل أو نغفل حقيقة الأمر التي تقوم عليه البلاد، أن تقدم الشعوب لا يأتي إلا بالعلم، وأن الشعوب الجاهلة هي التي ترضى بالظلم وتخنع للظالم وتهاب سطوته، وتموت في جُبنها ألف مرة قبل أن تموت الموتة الأخيرة، فلذلك أصبح كل شيء تقوم عليه هذه البلاد ينمّ عن جهلها.
إن الأنظمة مهما كانت وأياً ما كانت ما هي إلا تعبير عن مستوى ثقافة الشعوب التي تتحدث باسمها وتمثلها أمام العالم، فإذا استعمرت تلك الأنظمة شعوبها فما ذلك إلا لأن هذه الشعوب قابلة للاستعمار، فلتختَر الشعوب لنفسها مصيرها ومستقبلها.
تذكرت مرة كنت أسير في معرض القاهرة الدولي للكتاب ورأيت أعداداً غفيرة يصولون ويجولون بأرجاء المكان، وقفت أتأمل فيهم، هل يا ترى جاء الجميع رغبة في القراءة حقاً؟
أم أن الأمر أصبح عادة اعتادها البعض فلذلك تواجدوا؟
فإذا كانوا حقاً يقرأون فلمَ يجهلون حقائق الأمور؟ لماذا وصلت بلادنا إلى هذا الحال من الجهل والضعف والهوان؟ لماذا أصبحنا أرقاماً لا تعبر عن شيء؟ لماذا أصبحنا في ذيل القائمة؟
لماذا أرى اليوم في بلادى مَن يسير مع القطيع أينما سار؟
أرى شباباً يصفقون لمن لا يستحق، لمن أودى بحياة الكثير من أصحاب العلم، لمن أودع المتعلمين في مقابر جماعية -السجون- فإن كنتم تقرأون وفعلتم فعلتكم هذه فيا ليتكم ما قرأتم شيئاً!
هل هذا العلم الذي جعلكم تصفقون لكل ظلام العصر، هل هذا العلم الذي جعلكم تصنعون ديكتاتوراً يودي بحياة الشباب، فأين عقولكم؟ أم أنها سُلبت منكم كما سلب منكم علمكم وعدتم إلى عصر الجاهلية الأولى وصدق القائل "برق ولا مطر، وأوراق ولا ثمر، وجعجعة بغير طحين".
يا بني البشر إننا نعيش عصراً من عصور الجاهلية، ولكن بثوب آخر، فبجهلنا أصبحنا نصنع أصناماً كيفما نشاء ومتى نشاء، ربما لم تكن الأصنام كما اعتدناها من قبل، ولكن هى في حقيقتها وجوهرها أصنام، فهذا الذي يعبد صنماً كالعجب، وآخر يعبد الكبر، وآخر يعبد الطباع، وآخر اعتاد أن يكون تابعاً مطيعاً دون رأي فأصبح يعبد النظام، كثرت الأفعال والمسميات، ولكن عاقبتها واحدة.
لقد حان الوقت الذي تتفتح فيه نوافذ العقول من كل جانب، فينساب إليها شعاع العلم، فتنهل تلك العقول من كل ألوان العلم، فينتهي الجهل وينبت العلم، ويقطع دابر الجاهلين للأبد، فيضاء المستقبل بأيدي العلماء وأصحاب الفكر المستنير، وتثمر أشجار الجهد جيلاً محباً للعلم، حريصاً عليه متفهماً حقائق الأمور، ولكن حذارٍ فقد تنطفئ بعض المصابيح في طريق العلم بأيدى المثبِّطين والجهال حسداً من عند أنفسهم؛ لتعود أدراجك فلا تكمل هذا الطريق الذي بدأته، فتزيغ عن هدفك ويضيع منك الطريق، وهذا ما يريدون.
لا تنشغل بإشعالهم مصابيحَ كاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار، ويطمسوا بظلام الجهل هدفك اللامع، فواصِل سيرك وستشرق شمس العلم، وستتابع سيرها دون تراجُع؛ لتعلن انتصار الفكرة كما حدث من قبل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.