لم يكن حديث عبدالفتاح السيسي داخل أروقة الأمم المتحدة في كلمته أمام الجمعية العامة أول أمس عن المفهوم الأوسع لحقوق الإنسان الذي يشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي المرة الأولى التي حاول من خلالها صرف الأنظار عن ملف الحقوق السياسية والمدنية المنعدمة في مصر وحجم الانتهاكات المُرعب فيه!
ولعل اهتمامه بهذا الجانب هو الذي دفعني للغوص في ملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في مصر للوقوف على حقيقة موثقة لطبيعة اهتمام ورعاية الدولة لهذا النوع من الحقوق.
رحلة بحثية تخيلت قبل انطلاقها أنني في طريق البُعد ولو جزئياً عن مرارة مثيلاتها المليئة بالألم والمواجع مع كل حالة تصفية جسدية أو منع من العلاج أو الاحتجاز التعسفي أو محاكمات غير عادلة وانعكاساتها على ذوي كل حالة نتألم كما يتألمون ونشاركهم تفاصيل ما يتجرعون.
سرعان ما تحطمت تلك التطلعات ومالبثت أن وجدتني أغرق في بحر آخر من المعضلات التي تنال من أبسط حقوق المواطن المصري غير المهتم بالسياسة وحصار لا ينتج عنه إلا عدم اتزان نفسي وعقلي وذهني للمواطن المصري وبالتالي تفهمت ما تم رصده من سلوكيات غريبة ومستحدثة والاتجاه نحو ارتكاب جرائم بشعة تجد انتشاراً داخل المجتمع.
الحق في السكن والغذاء والصحة والتعليم والخدمات العامة المسؤولة عن تقديمها الدولة وحقوق أخرى لم يكن حالها أفضل من حال الحقوق المُراد غض الطرف عنها من قبل السلطات المصرية.
فإذا سلطنا الضوء على سبيل المثال لا الحصر على الحق في السكن باعتباره من أهم وأبسط حقوق الإنسان سنجد أن الدستور المصري كفله وحمل الدولة مسؤولية حماية هذا الحق وتمكين المواطن منه.
ولكن على العكس من أي قانون تكمن وظيفته في تنظيم ما جاء في الدستور من حقوق وكيفية الحصول عليها جاء قانون البناء الموحد ١١٩ لسنة 2008 ليعرقل حق المواطن في بناء منزل بسيط، وأصبح القانون سيفاً على رقبته لا منفذ له ولا مُنقذ من شر المحليات!
مهما حرص المواطن على الالتزام بالقانون من خلال تقدمه بطلب للحصول على رخصة بناء ومحاولات استيفاء الشروط لن يحصل على رخصة البناء وإن حصل عليها سيظل رهن ابتزاز المسؤول في كل مراحل البناء بالقانون.
كما أن سوء الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد وصعوبة توفير تكاليف بناء منزل يحتاج يأوي أسرة ضاقت بها جدران زنازين يقال عنها شقق في بنايات مرتفعة داخل أزقة لا تدخلها الشمس!
إن هذه الخطوة لا ترى النور إلا بعد كفاح وكد المواطن لسنوات طويلة تصل لخمسة عشر أو عشرين عاماً.
وبموجب هذه الإجراءات خلال النصف الأول من عام ٢٠١٨ قامت حملات الإزالة المشكلة من الإدارات المحلية والشرطة بهدم وإزالة ٢٨٦٦٥ منزل ( تقرير الرابطة العالمية للحقوق والحريات) حديث البناء تعود ملكية غالبيتها لمواطنين بسطاء قضوا سنين طويلة يدخرون القرش على القرش من أجل تحقيق حلم بناء منزل من طابق واحد لا تتجاوز مساحته ٩٠ متراً يكون في عين الأسرة كالقصر.
وعلى النقيض من ذلك يتمتع المقربون من السلطة وأصحاب النفوذ بحصانة تمكنهم من بناء القصور والمنشآت الضخمة دون الحاجة لترخيص وعلى أراضي أملاك دولة دون أن يتعرض لهم أحد.
ولعل أبرز تلك الوقائع التي سُلط عليها الضوء على قناة LTC بتاريخ ١٤ يوليو ٢٠١٨ من قيام عضو مجلس شعب حالي ورجال أعمال بالاستيلاء على أراضي أملاك دولة وبناء قصور، وحاولت المذيعة الاتصال بنائب محافظ الجيزة اللواء أسامة شمعه أكثر من مرة على الهواء دون مجيب.
عن أي حقوق يتحدث وقد تحول أحد أهم الحقوق إلى حلم يستنزف من أجله العمر وحين يتحقق لا تكتفي الدولة بتنصلها من مسؤولية مساعدته في حصوله عليه بل وتقوم بهدمه وتغريمه مبلغ مالي يساوي تكاليف البناء وربما يُسجن على هذا الجرم وتنشر وزارة الداخلية صوره على صفحتها متفاخرة بالقبض على مجرم!
يناير | فبراير | مارس | أبريل | مايو | يونيو |
٤٦٥٥ | ٧٩٦٣ | ٨١٥٤ | ٤١٥٨ | ١٣٥٥ | ٢٣٧٠ |
التوزيع الجغرافي لعمليات الإزالة | |||||
القاهرة ٩٨ | شمال سيناء ١٧ | دمياط ٢٧٥ | |||
الجيزة ٣٦٥ | الأقصر ٣٥٧ | بني سويف ٧٩٨ | |||
أسيوط ٩٣٩ | الفيوم ١٦١٦ | الإسكندرية ٣٢٥ | |||
قنا ٣٠٤٧ | الغربية ٧٧٠ | الشرقية ١٤١٢ | |||
سوهاج ١٦٠٦ | المنيا ٣٨٥٨ | الإسماعيلية ١٩ | |||
كفر الشيخ ٢٤١٤ | أسوان ٢٣٣ | البحيرة ١٧٩٣ | تجمعات عمرانية جديدة في عموم مصر ٧٩٩٤ | ||
القليوبية ٧١١ | الوادي الجديد ١٨ | إجمالي ٢٨٦٦٥ |
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.