عن تلك الأسئلة التي لم نجد لها إجابات!

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/28 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/20 الساعة 11:24 بتوقيت غرينتش
Woman praying inside a mosque in Istanbul, Turkey.

100 عام.. 150 عاماً ونادراً ما نسمع عنها، فهي في نهاية الأمر أيام معدودة نعيشها في هذه الدنيا، نحاول فيها قدر المستطاع الاستمتاع بها في حدود المسموح به بتجنب المعاصي والشبهات.

تأتي علينا أيام فرح وأيام حزن، وأيام أخرى يسيطر علينا شعور "العادي"، ربما التعود على النعم التي نغفل عنها في حياتنا يجعلنا نشعر بأنها حق مكتسب، حتى تحدث الفاجعة في فقدان واحدة من هذه النعم، وهنا يدرك المرء أنها كانت نعمة، فيتحول شعوره "العادي" تجاهها إلى شعور الحزن المميت في بعض الأحيان .

 وهناك أيام "عقيمة"، حيث نُفاجأ بأشياء غريبة تحدث لنا، ونظل في حيرة شديدة وطرح تساؤلات ليس لها أول من آخر، بين (هل أنا مسحور.. منحوس.. حظّي سيئ مثلاً؟.. لأ أكيد ده مش يومي!)، ونتغافل ونتناسى أن هناك رباً وخالقاً لهذا الكون، هو مَن كَتَبَ لنا هذه الأشياء في دنيانا التي لا تساوي عنده -عز وجل- جناح بعوضة، فلا نتذكر حينها "القضاء والقدر" الذي يصيب المؤمن دون سابق إنظار وعليه أن يرضى بما كتبه الله له ويحتسبه أيضاً؛ بل يظل المسيطر على عقولنا مثل هذه التساؤلات وغيرها، مثل "لماذا أنا يا رب؟ لماذا كل هذا يحدث لي عن بقية الخلق رغم استقامتي وطاعتي لك بتجنب المعاصي؟ هل أنت غير راضٍ عني؟ لماذا لم تعاقب هؤلاء مثلي -يا الله- رغم أنهم يجاهرون بالمعاصي ؟".

وفي ظل طرح مثل هذه التساؤلات لأنفسنا والتي بسببها تُستنفد طاقتنا الإيجابية، ويسيطر علينا فقط كل ما هو سلبي، وقد يصل بنا شعور اليأس الذي يصيبنا إلى الدخول في حالة اكتئاب حاد.. ماذا نفعل إذاً؟ هل نستسلم لهذا ونترك أنفسنا لتلك المشاعر السلبية والبحث عن إجابات مزيفة؟

أعتقد أن الجواب الشافي وتفسير ما يحدث لنا يكمنان في هذه الإجابات.. نعم، إجابتنا عن تلك التساؤلات الجديدة، والتي ستريحنا بوضع حد فاصل لما يعرقل حياتنا ويشغل تفكيرنا عن ما هو أهم وأفيد في هذه الدنيا، التي ما هي إلا امتحان كما نطلق عليه "open book" بلا وقت محدد، لكنه حتماً سينتهي وسنسلّم ورقة إجابتنا عن تلك المتاعب التي قابلتنا وكيف تصرفنا تجاهها، وعن تلك العطايا التي منحها الله لنا وكيف استغللناها لنيل أعلى الدرجات من أجل الفوز بالآخرة وبالجنة التي عرضها السموات والأرض حيث الحياة الأبدية.

وعن تلك التساؤلات الجديدة التي بداخلها الجواب الشافي فهي :

أولاً: لماذا نحاول أن نبرر الأشياء التي تحدث لنا مع أننا نعلم أنها مقدرة ومكتوبة؟

لماذا لا نأخذ بالأسباب ونسعى ونجتهد ونترك اتّكالنا على الله؟

 لماذا لا نرضى بالمكتوب؟!

 لماذا نقارن أنفسنا بالآخرين؟

لماذا الجدال مع خالق البشرية، مع القادر الذي يستطيع أن يغير حالنا إلى الأحسن ويستجيب لدعائنا في لمح البصر؟

هل هو ضعف إيمان؟ أم أنها صدمة المصائب التي تحدث لنا ومِن هولها نحاول أن نجد لها تفسيراً؛ إذ ربما يهون ويخفف عنا آلامها؟

هل مناجاة الرب بصيغة الأسئلة التي بها نوع من العتاب مريحة لأنفسنا؟

 أم أنه السخط من واقع وحال لم ندرك وقته أنه مهما رأينا فيه شراً فالله يراه خيراً لنا؟

لماذا لا نفكر في أن ما يحدث لنا هو ابتلاء، وبقدر صعوبته وعدم تحمله في معظم الوقت، يكون الثواب واﻷجر العظيم؟

– ففي هذا.. يقول صلى الله عليه وسلم: "إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".

– وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها) إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها"، وقالت فلما تُوفِّي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيراً منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم.

– ويقول -عز وجل- في كتابه العزيز، بسم الله الرحمن الرحيم،  "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (البقرة: 216).

أعتقد أن الإجابات أصبحت متاحة الآن؛ لذلك في النهاية.. أحب أن أقول لنفسي أولاً ولقارئ المقال، إنه لا شيء في الحياة يدعى "حظ" أو "صدفة"، أو أن هذا الشخص "منحوس"، أو "وشه نحس"، للأسف دائماً ما نكرر هذه الجمل ونلصق هذه الصفات بأشخاص بعينهم، وفي بعض الأحيان والمواقف ندعي على أنفسنا بأننا قليلو الحظ أو "موكوسين" باللهجة العامية، ونربط ذلك بمواقف حياتية تحدث لنا حتى تلتصق تلك الصفة بنا، أو بمعنى أصح: نؤمن بأننا هو ذلك الشخص "المنحوس".

 لأنه في الحقيقة.. كله مقدَّر ومكتوب، وعلى الإنسان السعي والإتقان والاجتهاد في عمله بقدر استطاعته، ولا يحمّل نفسه أكبر من طاقتها، ولا يحاول أن يصبح مؤثراً في مجتمعه مثلاً ويُذاع صيته فقط من أجل الشهرة والمال وأن يتذكره الناس بعد مماته؛ لأنك في نهاية الأمر ستنسى.. وستتلاشى سيرتك على مر الزمان.

نعم، الذكرى العطرة والأثر الطيب والقدوة الحسنة ستبقى وستُجازى عليها حتماً، لكن إذا كان طريقك للوصول إليها سيُدخلك في علاقات غير مستحبة ومشبوهة، فعليك بإغلاق مثل هذه الطرق.

وأختتم مقالي بأهم شيء؛ وهو نعمة الرضا بالقضاء والقدر خيره وشره، فالرضا سر السعادة والطمأنينة في هذه الدنيا، مع كثرة الدعاء الذي جعله الله راداً للقضاء.

ففي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: "لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلعلنا ندرك جميعاً أننا دائماً نتمنى الأشياء التي لم تحدث لنا، وفور حدوثها نتغافل عن تلك الفرحة التي أصابتنا لحظة حدوثها، ونركز في المشاكل وفي الشيء الجديد الذي لا نمتلكه، ومع مرور الوقت نتمنى الرجوع لما كنا فيه، والمثال أمامنا يتكرر باستمرار، حيث دورة حياة الإنسان في هذه الدنيا، التي إن لم تتحلَّ فيها بالرضا والإيمان فستنهار وتصبح بلا أي طعم، وأعتقد أن الكثيرين مروا بهذه المراحل وأصابتهم تلك المشاعر:

عندما كان أعزب.. تمنى الزواج والاستقرار، وعند زواجه تمنى الرجوع لأيام العزوبية.

حينما تأخر عن الإنجاب.. سلك كل الطرق لمعرفة سبب المشكلة، وحينما رزقه الله بالأولاد، انزعج منهم، متخيلاً كيف كانت حياته هادئة من دونهم.

عندما كبروا أولاده حيث الأعباء والمشاكل التي كبرت معهم.. أصيب بالضغط والسكري من التفكير الزائد ومن الشكوى لهذا ولذاك.

عندما بدأ هؤلاء الأبناء في الاعتماد على أنفسهم.. انشغل باله وخوفه عليهم أكثر فأكثر والإلحاح عليهم في التفكير في موضوع الزواج وتكوين أسرة.

عند لحظة انفصال هؤلاء الأبناء عن والديهم، وأخذ قرار الزواج أو السفر، تبدأ معاناة جديدة حيث الخوف عليهم والرجوع مرة أخرى لمنزل فارغ بلا روح.

عندما كان فقيراً، تمنى الغناء و"اللعب بالفلوس"، وعندما تملَّك ذلك فقدَ العديد من المشاعر الصادقة، ومن لذة الاستمتاع بحياة عائلية يسودها الحب والطمأنينة.

– وهناك من تكون دورة حياته مليئة بالصعاب والابتلاءات سواء بالمرض أو الفقر، أو الظلم.. يعيش في عناء ويموت بلا أي نجاحات أو مكاسب مادية تُلمس.

وهكذا تمر علينا الأيام، كل حسب دورة حياته وكيف مرت عليه وكيف تعامل معها.. فإن لم نتحلَّ بالرضا في جميع مراحل حياتنا فحتماً سنُحرَم من لذة الاستمتاع باللحظات السعيدة بهذه الحياة حتى وإن كانت قليلة، وسنجازى عن تلك المشاعر والطاقة السلبية التي جلبناها لأنفسنا دون أي فائدة تُذكر، كما سنُحرَم من جزاء الصبر على تلك المصاعب والابتلاءات التي أصابتنا خلال مدة امتحاننا، الذي قد يكون سبباً في نجاحنا وفوزنا بالجنة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أسماء الشنواني
مدونة مهتمة بقضايا المرأة والمجتمع
أنا كاتبة وصحفية مهتمة بقضايا المرأة، أكتب عن دورها العظيم والمؤثر، ليس فقط داخل أسرتها التي هي الأساس، ولكن داخل المجتمع ككل، أحب تحليل ورصد تأثير الأعمال الدرامية على المشاهدين، أنقد تارة، وأمدح تارة أخرى ما يتم عرضه على شاشة التلفزيون، لا أفضل السوشيال ميديا، حيث الحياة الخاصة التي أصبحت على الملأ، أؤمن بأهمية التربية عن الرعاية ودور الوالدين العظيم معاً وقدرتهما على تكوين شخصيات سوية لأطفالهما.
تحميل المزيد