تتوجه الحكومة الأردنية إلى فرض قانون جديد لضريبة الدخل، في الوقت الذي يرزح فيه المواطن الأردني تحت ضغوط اجتماعية واقتصادية متعددة، الأمر الذي يطرح سؤالاً غاية في الأهمية يتعلق بالتوقيت وجدّية الحكومة في طرح إصلاحات ضريبية من منظور شمولي.
حيث يلاحَظ من المشهد السياسي السابق، الذي أسهم في سقوط حكومة "الملقي"، أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لغالبية الأردنيين وصل إلى حالة من الخطورة، دعت الغالبيةَ العظمى منهم للتوجه والاعتصام العام في وجه أية توجهات للحكومة تعتمد فيها على المزيد من الإجراءات التقشفية وجيوب المواطنين بالدرجة الأولى. إلا أن المؤسف في المشهد الحالي، أن الحكومة التي تفاءل العديد بتشكيلها، جاءت مخيّبة للآمال بصورة مزرية، وبدرجة استدعت طرد الفريق الوزاري من عدد كبير من المحافظات عندما بدأت التشاورات حول قانون ضريبة الدخل المقترح، والذي طُرح كبديل عن القانون القديم الذي قُدِّم من الحكومة المستقيلة.
لقد جاء القانون هشاً هزيلاً ولا يرقى للطموحات، مع تبريرات مزعجة حول رفض المواطنين القانون، من خلال تصريحات حكومة تدَّعي أن الموافقة على القانون لن تكون أمراً مستساغاً بين الغالبية العظمى باعتبار هذا الأمر قضية شائعة في العديد من الدول، الأمر الذي زاد الطين بلةً ولم يسهم في دفع الشارع الأردني لإبداء مرونة أكبر بخصوص القانون، خصوصاً بين المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني.
ومع محاولات الحكومة المستميتة لإقناع الشارع الأردني بالقانون، ادَّعت الحكومة أن القانون لن يطول غالبية الأردنيين؛ إذ صرحت الحكومة بأن 90% من الأردنيين لن يكونوا خاضعين للضريبة. وهذا تصريح باعتقادي عكسَ حقيقة واضحة ووحيدة؛ وهي أن غالبية الشعب الأردني هم من الفقراء. فهو تصريح محزن ومؤلم في الوقت نفسه!
هل تفخر الحكومة بحقيقة من هذا النوع؟ وإذا كان الوضع كالتالي، فلِم كان قرار إلغاء الإعفاءات الضريبية المقدمة للمواطنين على القروض السكنية وخدمات التعليم والصحة، في وقت يعيش المواطن حالة من التردي بمستوى الخدمات الحكومية وارتفاعاً مستمراً في تكلفة المعيشة نتيجة الظروف السياسية في المنطقة؟
لقد فشلت الحكومة في تقديم قانون ضريبي عصري يعكس التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المواطن الأردني. فقد جاء القانون منفرداً من دون أية التزامات إصلاحية للمنظومة الضريبية بشكل عام. فالتعديلات التي تضمَّنها القانون الجديد، المقترح من حكومة الرزاز، لم تأتِ بجديد، بالعكس جاء القانون مفرغاً من أي مفاهيم للعدالة الاجتماعية.
فاقتراح ضريبة التكافل الاجتماعي كجزء من القانون لا يعبر عن هذا المفهوم، لا من قريب ولا من بعيد؛ إذ لَم تبادرالحكومة بتقديم تفسير واضح للبند الضريبي المقترح الذي تنوي استخدامه من أجل توسيع قاعدة المستفيدين من خدمات ومنافع صندوق المعونة الوطنية. هذا الصندوق، الذي باعتقادي بحاجة لتقييم شمولي لبرامجه قبل التوسع في خدماته مع أهمية ربط خدماته بسياسات سوق العمل بصورة شمولية.
إن الحكومة بحاجة ماسة في هذه المرحلة لإعادة النظر في سياساتها -إن وجدت- لجذب الاستثمار وتحفيز الاقتصاد وخلق الوظائف، من خلال منظومة متكاملة لقوانين الضريبة والاستثمار.. منظومة تراعي الفروقات والاحتياجات على مستوى المحافظات والأفراد أيضاً.
نحن بحاجة الى عقد اجتماعي يؤرخ لمرحلة قادمة مبنيَّة على الثقة والمواطنة والشراكة الفعلية. نحن جميعاً ننتظر الحكومة لطرح ترجمة حقيقة لالتزاماتها لمواطنيها من خلال شراكة حقيقية ومواطَنة فاعلة ورؤية مشتركة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.