حاجتنا الأولى بعد الرغيف.. هي التربية

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/24 الساعة 13:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/24 الساعة 13:48 بتوقيت غرينتش
Happy family together, parents with their little child at sunset. Father raising baby up in the air.

أول صرخة لرضيع حديث الولادة تكون عبارة عن إشعار موجّه للوسط الذي ينتظره بفارغ الصبر، إشعار بأنه وصل إلى هذه الحياة بسلام، وأنه بهذه اللحظة ومبدئياً هو بحاجة إلى قطرة حليب تسد جوعه وتشعره بوجود أمه ليطمئن للعالم الجديد الذي سيعيش به.

يكبر الرضيع ليصبح طفلاً، مراهقاً، شاباً، كهلاً ثم شيخاً.. وخلال مختلف مراحل عمره يعيش ليؤمن رغيف خبزه! خلال طفولته يلقن دروساً أولية في كيفية حصوله على قوته، وتأتي المراهقة كي تكون فترة ستحول الطفل المتلقي للدروس إلى مكون لشخصية ومنتج لأفكار قد تدلّه على طرق حتى يدعم ما تلقاه بصغره ويطبقه، ثم يكون الشباب ثمرة ورثت كل ما تحتاجه لتستطيع تأمين خبزها اليومي.

هذا هو محور الحياة! وسر كل المشكلات التي تغزو العالم.. سبب الحروب وسبب الدمار.

غير أن الرغيف يختلف نوعه من جهة لأخرى.. إذ إن القابع بقمة الجبل المعرَّض لحرقة شمس الصيف وجليد فصل الشتاء يناضل من أجل دفء وخبز حاف.. وتلك الأرملة التي تتحمل مسؤولية عشرة يتامى تناضل من أجل توفير حياة قابلة للعيش لأطفالها.. وهناك العاطل الذي لم يجد ملجأ يساعده على الاستيقاظ من النوم وتحريك يديه الاثنتين والعمل في سبيل إيجاد رغيف يأكله..

وتجد في جهة أخرى غنياً يكرِّس حياته كلها لتنمية وتطوير عمله ومضاعفة ثروته وتخزينها لما بعد فنائه.. وتجد حزباً يناضل من أجل منصب حتى يسيطر على بلد.. ورئيساً يتوسَّع ويستعمر ويتدخل بالدول المجاورة ويناضل أيضاً ليسرق رغيفها!

يختلف نوع الرغيف من واحد لآخر باختلاف المركز والمنصب والمكانة والمسؤولية التي تتحملها كل جهة.. لكن في كل سيرورة الحياة التي ذكرتها وبمختلف مراحل العمر لم يكن للتربية جزء أهم من الرغيف.. طريقة الحصول عليه وما يتلقاه الإنسان حول هذا لا تراعي دائماً محور "التربية".. حسب مطمع الإنسان وما يرجوه من الحياة، حسب ما يمثل بالحياة، وحسب مكونات الحياة بالنسبة له! الحفاظ على استمرارية عيشه مسألة يخضعها للحاجة تبرر الوسيلة وليس لشيء آخر غير ذلك.

غير أن سياسة الحياة هذه وبعد مرور قرون من الزمن أوضحت أن الشعب المكون من الجهات التي سبق وذكرتها بحاجة للتربية قبل الرغيف، بحاجة للتربية حتى تتعلم طرق الحصول على الرغيف في إطار الاحترام والقانون دون تجاوزات ولا ظلم.. ليتحقق العدل وتسود المساواة بين طبقات المجتمع التي تتصارع فيما بينها حتى تحقق مصلحتها الشخصية وحتى تجسَّد المعنى الحقيقي لـ"أنا ومن بعدي الطوفان".

طبعاً من حق المريض أن يشفى.. من حق العاطل أن يوظف.. من حق المتشرد أن يحصل على سكن.. من حق العازب العاجز عن الزواج لظروفه المادية أن يتزوج.. من حق الفقير أن يتساوى مع الغني.. من حق المواطن أن يحصل على ما نهبته منه جيوب الحكام الذي اختارها أن تحكمه.. لكن ليس من حقه أي شيء قبل أن يتربى.

قبل أن يفكِّر بالمصلحة العامة قبل الخاصة.. قبل أن يكون قادراً على الاستماع إلى الحقائق عوض التحدث عن جهل.. قبل أن يكون ضابطاً لحقوقه وواجباته وقبل أن يعرف جيداً أين توجد حدوده بالضبط.. ليس من حقه شيء قبل أن يعيد النظر بالكلام الذي سمع سابقيه يرددونه فأخذ منه ما طلح وترك ما صلح وبرمج عليه خلاياه العصبية دون أدنى جهد يُذكر!

شعب يورث أفكاراً لا تقبل الإسقاط على واقع تغير بتغير أبطاله، أفكاراً توازي الواقع بشكل صارخ، شعب بهذه المواصفات لا يمكنه أن يحقق العدل ولا حتى رؤيته من زاوية بعيدة ما دام لم يعدل بين رغيفه وتربيته!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سارة صالح
كاتبة مغربية
تحميل المزيد