ما يجب أن تعلمه عن حذاء عادل إمام في مسرحية «شاهد ما شافش حاجة»

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/23 الساعة 07:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/21 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش

في المشهد الشهير من مسرحية "شاهد ما شافش حاجة"، يحكي سرحان عبدالبصير (عادل إمام) قصة دخوله السينما ثم بكائه الشديد أثناء العرض "وبطلوا الفيلم وولعوا النور وأنا أعيط، وجاء مدير السينما والموظفين وأنا أعيط، المواصلات وقفت وأنا أعيط، وجاء المحافظ ومدير الأمن والعالم وأنا أعيط، هما فاكريني بعيط عشان الفيلم، وأنا بعيط عشان الجزمة كانت ضيقة عليَّ"!

ينتهي المشهد بموجة من الضحك، وهو بحق مشهد مضحك بجدارة وبتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف.

إذاً كان الألم الذي سبَّب كل هذه الضجة والتداعيات ألماً اختيارياً يمكن لسرحان عبدالبصير أن ينهيه بخلع حذائه! رغم كوميدية المشهد فإن له دلالات يمكن استقراؤها في دراسة العلاقة بين الإنسان والألم، تلك التجربة الحسية أو النفسية المرتبطة بالضرر والمعاناة، فهناك ألم للإنسان له حرية إنهائه، أو التخلص منه، ودفعه.

وهناك ألم لا مفر منه، وهو تجربة لا بد أن يخضع لها كل إنسان. أما الألم الأول الذي يمكن للإنسان أن يتخلص منه ومع ذلك يطلبه فهذا يمكن تصنيفه على أنه اضطراب نفسي يتجسد في التلذذ بإيقاع الألم على النفس ويسمى "المازوخية"؛ حيث تعتبر المازوخية من الاضطرابات النفسية التي تصيب البعض فتجعلهم يتلذذون بالألم، ويسعون إليه، وربما دفعوا المال للحصول عليه، وقد اشتق المصطلح من اسم أحد الروائيين النمساويين واسمه ليوبولد مازوخ الذي ألّف رواية كانت الشخصية الرئيسية فيها تقوم بممارسات مرضية تتلذذ فيها بالألم، فاشتق اسم هذه الحالة المرضية من اسمه، وبقيت حتى وقتنا الحاضر.

وعكس المازوخية الاضطراب النفسي المسمى "السادية"، وقد كانت المازوخية في السابق ينظر لها على أنها من الاضطرابات النفسية الجنسية، إلا أنها في الواقع أوسع من ذلك، فالمازوخية كاضطراب تقوم مشكلتها على التلذذ بالألم، الألم الذي هو في الأساس تجربة جسدية ونفسية وعاطفية بغيضة وسلبية، ومنفرة للإنسان؛ لهذا فالألم كان وما زال جزءاً من العقوبات التي يتعرض لها المخطئون، أو الخارجون عن قانون المجتمعات، أو حتى جزءاً من السياسات الوحشية التي تتبعها الأنظمة الشمولية الاستبدادية لكبت الجماهير والسيطرة عليها.

لكن المشكلة لم تقف عند هذا الحد بل تعدته لتدخل المازوخية في مجالات أخرى غير متوقعة، أو غير مكتشفة، فقد أُغرق الكثير من الخطاب الديني الوعظي في جلد الذات، وإنكارها، وإسفافها، وكبتها، والتلذذ بكل ذلك في مشهد أقرب للمازوخية المرضية منه لعلاج النفس البشرية.

وهذا من خلال التركيز على الخطأ، والخطيئة، والمعصية، وانحطاط الروح الإنسانية، وسفك الدماء، وخروج آدم -عليه السلام- من الجنة، وقتل هابيل، وذبح بني إسرائيل، وإلقاء يوسف في اليم! إضافة إلى تضخيم الضعف الإنساني تجاه نزواته، ورغباته، وأهوائه، وحاجاته.

ساهم بذلك تصور قاصر أو خاطئ يقوم على مبرر "التزكية" والتحكم في الذات، إلا أن الأساليب والوسائل المتبعة قامت في الأساس على منطق خاطئ؛ يعزز من فكرة التلذذ بالألم والعيش معه وكأنه جزء من كيان المسلم، وأمر واجب من لا يقوم به فقد وقع في العُجب، والغرور، والكبر، واتباع الهوى!

وكان الأولى التركيز على جوانب النهوض الشخصي بعد السقوط، وتقدير الذات، والثقة بالنفس، وفن الحياة الدنيا التي تقود إلى بناء خلود الآخرة.

ويؤكد هذا ما تذهب إليه بعض الدراسات النفسية والتربوية التي تشير إلى أهمية البناء لا الهدم، وشق الطريق رغم الصعاب، بدلاً من ندب الحظ.

من خلال التركيز على ما ينبغي فعله والواجب القيام به، ليكون التركيز منصباً على التقدم للأمام وليس لعن ظلام النفس وإيقاع الأذى بها.

ولعل الفاعلية الغائبة التي طالما تحدث عنها مفكّر كبير مثل مالك بن نبي تقودنا إلى التأمل عميقاً في الوسائل والأساليب المتبعة، وطبيعة الأفكار المغروسة في عقول أجيال متعاقبة من الشباب المسلم الملتزم الذي تفنن في نبذ النفس وإنكارها وضعف الثقة فيها، والتوجّس الدائم، الذي يقود بالتالي إلى التعايش مع الألم بل والتلذذ به.

أظن أنه حان الوقت أن نخلع عن أقدامنا حذاء سرحان عبدالبصير لنتابع المشهد ونقرأه جيداً ثم نحاول أن نكون طرفاً فاعلاً فيه لا مفعولاً به، أظن أنه حان الوقت أن نستمتع باللحظات الجميلة على قلّتها، قريباً سيكون لدينا عيد، هل نحن فعلاً بحاجة لخطاب مازوخي يذكرنا بمآسي المسلمين وعذاباتهم والقتل والتشريد، ويتغنى بأبيات المتنبي الشهيرة:

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ** بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
فالح الرويلي
كاتب ومدون بحريني
كاتب ومدون بحريني
تحميل المزيد