يقتلع عيون الأطفال ويشّرح أجسادهم ويصعق النساء لتصاب بالعقم .. كيف استجوب طبيب ألماني سجنائه لأجل تجاربه

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/22 الساعة 07:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/20 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش

(لم تكن الوطنية سوى خدعة اخترعتها الحكومة لكي يحارب الجنود مجاناً!) – جابرييل غارسيا ماركيز.

لطالما أثارت الحروب حيرتي ورعبي واهتمامي..

الأمر الذي دائماً ما يجعلني أفضّل القراءة في تاريخ الحروب على اختلافها، على قراءة رواية رومانسية مثلاً!

وما زلت لا أفهم كيف تقوم؟! وما دوافعها تلك التي يستحيل تحقيقها بالسلم، وتظل عندها الحروب -بكل ما فيها من خراب ودمار- هي الحل الأمثل!

لا أنكر أن تاريخ الأمم مليء بحروب ضرورية لاسترداد أرض، أو طرد عدو، أو حماية عرض، أو رد اعتبار… وكلها أمور فاصلة لا يمكن التهاون فيها.

لكن في المقابل أيضاً تعج كتب التاريخ، وذاكرة الناس المنهكة -على مر العصور- بمجازر يشيب لهولها الولدان، وصفعات متكررة على وجه الإنسانية، لا لشيء، اللهم إلا لفرض سيطرة غاشمة من دون وجه حق، أو لإثبات تفوق جنس على آخر، أو للحصول على مكاسب ضئيلة لا تقارن أبداً بما استنزفته الحرب خلالها، وما خلَّفته وراءها من رماد لن يلبث أن تهزه الرياح فيطير.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو التحول المفاجئ الذي يصيب الإنسان بمجرد أن تتغير نظرته -بفعل عوامل خارجية مدروسة طبعاً- لأي إنسان آخر من مجرد شخص إلى عدو، عدو تقل منزلته عن الحيوان حتى؛ إذ إن الحيوان يستحق بعض الرحمة في نظره، في حين أنه لن يمنح ولو جزءاً بسيطاً منها لـ(إنسان) حين يقرر أن يحرقه حياً، أو يعذبه حتى الموت، أو يدهسه دهساً ثم يرقص على أشلائه بعد ذلك!

لا أفهم ولا أظنني سأفهم أبداً تلك السادية المرعبة التي تتملك الأشخاص في الحروب، وتحولهم وحوشاً بمعنى الكلمة! طاقة العنف التي تخرج فجأة من مكان مظلم لم نكن نعرف حتى بوجوده.

هل هو الخوف وغريزة الإنسان الفطرية في الدفاع عن حياته؟ أم هو الشعور بالأفضلية بشكل أو بآخر، ذلك الذي يدفع الشخص لاحتقار مَن هو مختلف عنه حد القتل والتنكيل؟ أم أن استشعار الشخص بضعف عدوه وهو معدوم الحيلة بين يديه يمنحه لذة تدفعه لفعل المزيد؟

(تجربة سجن ستانفورد)، تجربة شهيرة تم إجراؤها في الفترة ما بين 14 و20 أغسطس/آب لعام 1971 على يد أستاذ علم النفس (فيليب زيمباردو)، وهي تقوم أساساً على دراسة نفسية السجين والسجان، عندما يتم حرمان الأول من جلّ حقوقه، ومنح الثاني الكثير من السلطات.

كان العمل تطوعياً، وعلى هذا الأساس تم اختيار 24 طالباً جامعياً في نفس السن، والظروف، والبنية الجسمية، وتم تقسيمهم عشوائياً إلى فريقين، كل حسب دوره في التجربة التي كان من المقرر لها أن تستمر لأسبوعين، لولا أن خرجت الأمور عن السيطرة!

في البداية كان الأمر عادياً لا يتجاوز كونه تمثيلية سيتقاضى عليها الممثلون أجرهم في النهاية، إلا أن الأمور تغيَّرت -جنونياً- مع الوقت!

أصبح السجانون يتصرَّفون بسادية غريبة، وصلت إلى حد العنف الجسدي، وكأنهم نسوا أو تناسوا حقيقة أن المساجين هم مجرد زملاء دراسة!

في المقابل أظهر المساجين تخاذلاً غير مبرَّر، حتى إن أغلبهم لم يفكر في الانسحاب برغم كل الإساءات.

لا شك أن التجربة كانت لا أخلاقية بالمرة، ونتائجها كانت مرعبة وصادمة، لكنها للأسف أظهرت حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي سبب كل المآسي الإنسانية التي نشهدها يومياً في شتى بقاع العالم.

(طبيب أصيب بالجنون بسبب السلطة المطلقة التي مُنحت له، لم يكن هناك أحد يحاسبه، لقد قام بقتل الآلاف باسم العلم).

ذلك ما قيل على لسان أحد الناجين من تجارب الطبيب الشهير (جوزيف منجيل)، أو (ملاك الموت) كما كان يلقّب.

الطبيب النازي الذي كانت فترة عمله في أحد معسكرات الإبادة النازية عام 1943 كارثة إنسانية بكل المقاييس.

فهو لم يكتفِ بتحديد مصير الآلاف من الأسرى، الذين لا ناقة لهم في الحرب ولا جمل، بل كان يختار البعض ليكونوا فئراناً لتجاربه، ويرسل الباقين مباشرة للمحرقة، هكذا دون قيد أو شرط.

والحق أن المحرقة كانت أهون كثيراً -لو يعلمون- من تجاربه تلك.

وبالرغم من عدم اتباعه لقاعدة معينة في اختيار ضحايا تجاربه القاتمة، فإن اهتمامه الخاص بالتوائم لم يخطئه أحد.

كانت الغاية من تجاربه هي إثبات العقيدة النازية، فكان يبحث عن سر الوراثة، ومحاولة إيجاد طريقة لضمان أن تنجب المرأة الآرية توأماً بشعر أصفر وعيون زرقاء!

كان يريد أن يثبت أن أغلب الأمراض منشأها الأعراق، التي هي أدنى مرتبة من العرق الألماني.

أما عن طبيعة التجارب فحدِّث ولا حرج!

كان يفحصهم بدقة، حتى إذا وجد أي علامات جسدية شاذة لا يتردد في تشريح أي منهم فوراً، بالإضافة إلى تجاربه حول تبديل لون العيون؛ حيث قام بحقن مواد كيميائية معينة في عيون الأطفال، انتهت بإصابة أغلبهم بالعمى، علاوة على الآلام الفظيعة التي كانت تسببها عملية الحقن.

وغير ذلك كثير: نقْل أمراضٍ لأحد التوأمين، ومقارنة جسده بجسد الآخر السليم، وعمليات زرع أو استئصال أعضاء من دون تخدير، وخياطة أجسام توأمين إلى بعضهما، لصنع توأم سيامي ملتصق.

أما بالنسبة للنساء فكان يعرّضهن للصعق بغرض إصابتهن بالعقم، فلا يتمكن من إنجاب المزيد من الأطفال الذين لا ينتمون إلى الجنس الآري.

ولم يكن يتوانى عن تعريض بعض الأسرى الآخرين لظروف قاتلة مثل التجمد حتى الموت لدراسة التغيرات التي تحدث أثناء وبعد الوفاة.

الحقيقة أنه لا شيء يبرر أبداً الكثير والكثير من الفظائع التي ارتكبها الإنسان في غيره من بني جنسه، باسم (الحرب)، لكن يظل السؤال قائماً:

كيف فعلوها؟ كيف يمكن تصور أن هؤلاء هم بشر مثلي ومثلك، لهم أهل وأصدقاء وزوجات وأطفال؟!

لا بد أن الحرب تشوه النفس البشرية حقاً، وتسمم الأرواح بلا رجعة، وعندها فقط يصير الدم في كل مكان، فلا يضير معه بضع قطرات أخرى.

فاللعنة على كل مَن دعا، وأيَّد، وحرَّض، وشارك في أي حرب لم تنَل منها البشرية شيئاً سوى أن أصبح الموت مجرد خبر عابر في جريدة، وأصبح الإنسان مجرد رقم يضاف إلى عدد القتلى بجوار مَن سبقه، ومن هو آتٍ!

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
يسرا سمير
طالبة طب
تحميل المزيد