أبي لا يقولها.. أبي لا يريدني أن أتزوج!

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/22 الساعة 07:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/20 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
Young women in office, looking at camera and smiling

في كلّ مرة نُخرِجُ فيها -أنا وأمي- كؤوسنا الكريستالية الفاخرة، وفناجيننا المطعّمة بلون الذهب، والصِّينيّة الخشبية المزخرفة التي قد وقفناها للمناسبات السعيدة، أهيئ نفسي لوعكة نفسية معنوية.

في كلّ مرة تتصل بنا إحدى النسوة تريد عروساً لابنها، أحزن على حالي الذي سيؤول بعد عدة انكساراتٍ عشتها بسبب هذا الاتصال المفاجئ.

في كل مرة أسمع بكلمة زواج تطرحني الذاكرة أرضاً، وتضربُ بي عرض الحائط لتنعش ما فات من وعكات.

"كنتُ أظنّ أن الأمر متعلقٌ بي، كنتُ أظن أني لا أصلح أن أكون زوجة، أو حتى ابنة في بيت أحدهم.. كنت أظن أن الحياة قد استعبدتني للعلم والوظيفة"، قالتها والعيون تذرفُ دمعاً خفياً، يسيلُ على الوجنتين فيحفرُ أخدوداً لا يراهُ إلا من يعرف حالها ومُصابها.

"بعد عدة تجاربٍ فاشلة -كما يسميها البعض- أظن أني لن أفكر في الزواج بعد اليوم، لكني أتساءل: كيف للفتيات أن يتزوجن بهذه السهولة؟"، رددتها بصوت خائفٍ يأبى أن يعترف بحقيقة ما تقول!

"أبي البالغ من العمر عتيّاً، الذي غزا الشيب لحيته ورأسه، وحفر الزمان التجاعيد هنا وهنا في وجهه، أصبح عائقاً أمام زواجي من أي شابٍ يتقدم! لا يرضيه شيءٌ، يريدني أن أتزوج من أمير أو ربما وزير، له من المنازل العالية والسيارات الفاخرة والأراضي الواسعة، ما يسدّ رمق الغرور، الغرور الذي يتحدث عنه أمام الناس ويخطبُ بذمه، إلا أنه هو الآن ضحيته!".

"هذا لا يملكُ بيتاً، وذاك ليس لديه سيارة، والآخر يقول إنه يريد السفر، والأخير ليس من (جنسيتنا)!".

في كل مرة يبرر لي بتبريراتٍ هو لم يُحاضر بها سابقاً أمام الناس، وذاك الحديث المأثور عن النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي لا ينفك يذكره أمام كل من يستشيره بزواج ابنته: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، قد أصبح له عنده طريقٌ آخر أو زيادة: "وبيته، وسيارته، وبلده، وجنسيته.."، العياذ بالله!

أردفت قائلة: "في آخر مرةٍ واجهته اتفقنا أن يكون من "جنسيتي" وإن كان على سفر، أو أن يكون من غير "جنسيتي" شرط أن يعيش في منطقتي وبلدي.."،

سكتت لبرهة، أشاحت بنظرها نحو السماء ثم أضافت: "استصغرت نفسي حينها أمام ديني وإسلامي، الإسلام الذي لم يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، الإسلام الذي ساوى بين بلال وأبي بكرٍ الصديق، وبين سالم ومولاه أبي حذيفة".

"أصدقكِ القول: لو أن بلال الحبشي الأسود لون البشرة أتى لخطبتي لرفضه أبي، كما تعلمين هو ليس من لون بشرتنا".

عجزت كلماتِي أن تواسيها، وأنا التي أوقن بأن المواساة ليست إلا مخدراً نحقن به من نحب حين نعجز عن تغيير ما هو به.

 

اسمعوا: كفانا هراءً!

ضاع معنى الزواج بسبب بعض العقليات المتصخرة، لم يعد يريد الأب زوجاً رجلاً لابنته يحبها، ويودها، فيكرمها ولا يهينها، بل زوجاً يرضيه هو!

ضاع معنى الزواج حين أخذ الأب يبحث عن البيت والسيارة، بدلاً من الخُلق والأمانة.

ضاع معنى الزواج حين أراد الأب رجلاً من بلده يزوجه ابنته خشية العار الذي يلحقه، إذا قيل وأُشير بالأصبع: "هذا زوّج ابنته لغير ابن بلده".

 

كفانا كلاماً! كفانا تنظيراً! كفانا تعيباً!

نحن أميراتُ أنفسنا بعد أن بلغنا من العلم عتياً، والزواج ليس سيارة وبيت وجنسية، بل خلق ودين وأشياء ثانوية.

ولنحاضر بمن يحتاج ذلك، بمن يزوج ابنته من أجل المال وكأنها صفقة، أو من أجل بعض المصالح الذاتية، أو إرضاء للعشيرة، أو حتى بدلاً من الوأد الملحق بالعار!

كثيرات مثلها، عانين من تبريرات الأهل، ويبقى السؤال، متى سيحين أوان التغيير في المجتمع، واستبدال "التطبيقات" القديمة بأخرى جديدة في ذاكرة عاداتنا وتقاليدنا، فنمسح ما لا ينم عن دين والتزام، وننسخ ما هو قابلٌ للنسخ ممن هم مثال يحتذى به على مستوى الفهم والحكمة؟

ولا أخفيكم كما تعلمون، تقليب الأمور بيد رحمن السموات والأرض، الذي تفرد بالخلق والاختيار.. يُصار الأمر إليه وهو له، ونطلب منه ما نشاء والمشيئة له..

لكن لابد لنا أن نثور وننقلب في سبيل قضايا متوارثة مسنونة منذ خُلِق آدم عليه السلام لا زلنا نختلف فيها وهي واضحة المقاصد معلومة الأدلة..

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
جنان خالد
كاتبة مصرية
تحميل المزيد