إقحام العامية المغربية في المناهج التعليمية.. عن الكارثة الجديدة التي ستُنهي اللغة العربية بالمغرب

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/20 الساعة 07:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/20 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش

فرقٌ شاسع بين ما يمكن رصده من خلال شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب، وبين ما يُبثُّ ويُنشر في وسائل الإعلام، وبالأخص في "موضوع الساعة" المتعلق بالتعليم، لاسيما أن "النقاش" يتجدَّد مع بداية كل عام دراسي، لكنه هذه السنة تجاوز كلَّ الحدود الممكنة، في ظلِّ "اعتماد الكارثة الجديدة" التي جاءت لتكون بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير، ونقصد "إقحام الدَّارِجة (العامية المغربية) في المقرَّرات الدراسية".

امتلأت صفحات تويتر وفيسبوك بصور من كتب المرحلة الابتدائية، حيث اختلط الحابل بالنابل، وصارت الناشئة مقبلة على دراسة كلمات لأسماء حلويات مغربية مشهورة، على غرار  "البريوات" و "الغريبة" وحتى "بغرير"، فيما يصحّ أن نطلق عليه "الفضيحة" التي تزكم الأنوف، وستكتوي بنارها أجيالٌ جديدةٌ، ذنبها الوحيد أنها صادفت "مرحلة رئيسية" في بلورة "مؤامرة خبيثة" تستهدف اللغة العربية منذ أمد طويل، وجاء الوقت "المناسب" لقطف الثمار وإشهار المخططات على الملأ نهاراً جهاراً، أو "على عينك يا تاجر" كما يقول إخواننا في المشرق العربي.

والمتابع لما يحدث سيُدرك ملياً أن الأمر لم يأتِ بالصدفة (نحن لسنا من أصحاب نظريات المؤامرة، لكننا نستعرض وقائع ملموسة يمكن التأكد منها بكل سهولة)، والدليل أن "الوجوه" التي تتزعم هذا "المخطط" استهلَّت خطواتها الأولى ببسط سيطرتها على وسائل الإعلام والميدان الفني، ومن يُعاين ما تبثُّه القناة الثانية المغربية المشهورة باسم "دوزيم" محلياً سيجد "محاربة تامة" للغة الضاد، ابتداءً من الإعلانات التلفزيونية، ثم "دبلجة" الأعمال الأجنبية، إلى إنتاج مسلسلات مسيئة للعربية الفصحى، على غرار ذلك المسلسل "المشوّه" الذي لديه من اسمه نصيب، وأقصد ما يُطلق عليه "الخواسر".

اليوم نجد نفس "الفئة" التي يتزعمها "نور الدين عيوش"، المصنف كعضو في "المجلس الأعلى للتعليم"، وبعد أن رمى "ببالون الاختبار قبل سنوات"، وسخَّر كل "إمكاناته" الهائلة للترويج له، يتلقَّى "الضوء الأخضر" وينفذ "جزءاً يسيراً" مما سيسرّ "خاطر وفؤاد" الطيف الضخم المسلط على المجال، مجسداً بـ "الماما فرنسا"، المستفيد الأكبر و "الراعية الأولى" لهذه السموم التي تنفث لإفساد الأجيال الجديدة، وحَرْفها عن المسار.

وهنا سنعود لعقد مقارنة بسيطة بين "صرخة" المواطنين المغاربة الحقيقية تجاه ما يحدث في قطاع التعليم (مرآتها وصوتها الوحيد يسمع عبر السوشيال ميديا) وبين "ساعات البث" الطويلة التي خصَّصتها القنوات المغربية للدخول المدرسي، واقتصرت على استضافة أسماء وشخصيات مهمتها الأولى هي "تمجيد" مخطَّطات الوزارة وتكرار "الديباجة" إياها عن "الاستراتيجيات" والكلام المعلب الذي مَللنا سماعه منذ سنوات، ما جعلنا نتساءل وبحرقة: ألم يئن الأوان بعدُ كي تقرّ هذه المحطات بالحقيقة، وتعترف بفشلها الذريع في كسب ودِّ الشارع، من خلال ملامسته والاقتراب من همومه، بدل تجميلها واستمرار مسلسل "الضحك على الذقون".

والدليل الأكبر الذي رصدناه، ويؤكد هذه الحقيقة، يكمن في الحلقة التي بثتها قناة "بي بي عربي" حول موضوع المقررات المدرسية، وكيف تفاعل معها المغاربة، لإدراكهم أنها نقلت صوتَهم دون رتوش أو تجميل، فكم من إثبات يحتاجه البعض كي يعرفوا أن الكيل قد طفح، وأنه لا أحد مستعد أن يصمت وهو يشاهد بأُم العين "وأد" لغة الضاد الصامدة الشامخة في وجه كل العواصف والهزات على مرِّ التاريخ؟.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عادل العوفي
كاتب وصحفي مغربي
درستُ الإعلام والصحافة، وعملتُ بالعديد من المنابر العربية مثل: القدس العربي ورأي اليوم اللندنيتين، وصحيفة المسار بسلطنة عمان، وغيرها، بالإضافة إلى كتابة مقالات رأي في منابر أخرى. عملت مُعدّاً، ومقدم برامج تلفزيونية، وكاتب سيناريو، وآخر أعمالي في هذا المجال مسلسل "عائلة بوخالد" في قطر
تحميل المزيد