طفل يهرب من أهله خوفاً من القتل.. الجانب المؤلم من قصة حياة الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كي مون»

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/19 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/19 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش

في عام 1951، هرب صبيٌّ صغير وعائلتُه من قريتهم المحترقة، خلال حرب وحشيّة أدت إلى موت ودمار لا حدّ لهما في بلدهم. لقد شهد الصبي معاناةً إنسانيّة واضحة ظلّت تلاحقه في الأيام والسنوات التالية.

كان هذا الطفل الذي شرّدَته الصراعات هو أنا – نفس الصبيّ الذي سيكبر ويُنتخب ليصبح الأمينَ العام الثامنَ للأمم المتحدة في عام 2006.

بوصفي أميناً عاماً، التقيتُ بالكثير من الأطفال في جميع أنحاء العالم، ولا سيِّما في إفريقيا والشرق الأوسط، والذين ذكّروني بتجربتي المؤلمة في النزوح. لقد رأيتُ نفسي في كلّ طفل منهم، ولذا بقيتُ عازِماً على رفع مِحنة اللاجئين إلى قمّة جدول الأعمال العالميّ اليوم.

بنهاية عام 2017، أُجبِر 68.5 مليون شخص حول العالم -وهو رقم قياسيّ- على ترك منازلهم، بما في ذلك 25.4 مليونَ لاجئٍ، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين. تمّ قبول 102800 فقط لإعادة التوطين في عام 2017، أي أقل من 1٪ من إجمالي عدد النازحين. علاوةً على ذلك، تُظهِر بيانات من "مشروع المهاجرين المفقودين" أنّ ما يقرُب من ألفي لاجئٍ ومهاجِر لَقوا حتفَهم خلال الأشهر الستّة الأولى من عام 2018، حين قاموا برحلاتٍ محفوفة بالمخاطر عبر الحدود وأعالي البحار.

وبالرغم من حجم التحدّي الذي نواجهه في أزمة اللاجئين، فإنّنا بحاجة إلى التفكير فيه -أوّلاً وقبل كل شيء- كأزمة تضامُن. إمكانيّة أن يجتمع العالم من أجل تقديم الدعم الفعّال لهذه الفئات الضعيفة ستكون اختباراً حقيقيّاً لضميرِنا الجمعيّ.

هناك حاجة ماسّة إلى زيادة الإرادة السياسيّة من قِبَل قادة العالم، وكذلك الاستعداد للمشاركة مع الآخَرين. يجب أنْ تسترشِد هذه الإرادة السياسيّة بشعور مُعَزّز بإنسانيّتِنا المُشترَكة، بدلاً من الإيمان بالحواجِز والأسلاك الشائكة.

في مواجهة صور لمعاناةٍ لا يمكن تصوّرها من الصراعات في سوريا واليمن، أو مع أدلّة على انتهاكاتٍ جسيمة لحقوق الإنسان في ميانمار وأماكن أخرى، افتقَرَ الكثير من القادة إلى الشجاعة اللازمة للاستجابة بالسخاء والدعم. وقد ذهب بعضُ القادة إلى حدّ التشجيع بنشاط على التحيُّز ضد اللاجئين والمهاجرين لمجرّد كسب الأصوات.

تستضيف بلدان في العالم النامي -تركيا وباكستان وأوغندا ولبنان وإيران وبنغلاديش والسودان- أكبرَ عددٍ من اللاجئين، بينما فشلَت الدول الغنيّة في الشمال (باستثناء ألمانيا) في مشاركة العبء على نحوٍ لائق. يحتاج ذلك إلى تغيير.

يجب على الدول الأكثر ثراءً أن تقبل وتُعِيد توطين أكثر بكثير من نسبة أقل من 1٪ من اللاجئين، الذين أعيد توطينهم في عام 2017. وهذا التقاسُم العادل للمسؤوليّة أمرٌ بالغُ الأهمية لتحسين أزمة التضامن العالميّ هذه.

في سبتمبر/أيلول 2016، عقدتُّ مؤتمرَ "قمة الأمم المتحدة للاجئين والمهاجرين" في نيويورك، لمواجهة تحدّي اللاجئين بشكلٍ مباشر. في هذا التجمّع التاريخي، التزم قادة العالم بتطوير "ميثاق عالميّ بشأن اللاجئين" و "اتفاق عالميّ للهجرة"، وهي عملية تفاوُض دوليّة تُشرِف عليها الأمم المتّحدة حتى ختامها هذا الصيف الماضي. وستساعِد هذه الاتفاقيات -التي مِن المُحتَمَل أنْ تعتمدها الأمم المتحدة في وقتٍ لاحق من هذا العام- على ضمان كرامة وحماية اللاجئين والمُهاجِرين والمجتمعات المُضِيفة على حدٍّ سواء.

وعلى وجه الخصوص، سيَسمح "الميثاق العالميّ بشأن اللاجئين" بعملية "تقاسُم أعباء" أفضل بين البلدان المُضِيفة، مع توصيل أصوات اللاجئين ومنظّمات المجتمع المدنيّ.

على الرغم من العمل الشاقّ الذي يقوم به المجتمع الدولي لدعم اللاجئين، يجب أن ندرك أن البيئة السياسيّة العالميّة قد تغيّرَت بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة. ففي عددٍ من البلدان، جرى التفاوض على المواثيق العالميّة في ظلّ ردود فعل شعبيّة داعَبَت وأذكَت مخاوفَ سكّان البلاد حول المهاجرين وأبنائهم. يشعر بعض الساسة أنّهم يجب أن يكونوا صارمين تجاه المهاجرين، وأنّ عليهم حماية حدود بلادهم وهويّاتهم الوطنية. في الولايات المتحدة، اتخذت السياسات الناتجة أشكالاً قاسية بشكل متزايد، مع احتجازِ الأطفال وفصلِهم عن والديهم طالبي اللجوء، في انتهاكٍ للمصالح العليا للأطفال.

إنّ قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من اتّفاق الهجرة، الذي أُعلِن عنه في ديسمبر/كانون الأول 2017، هو خطوة مؤسفة للغاية تُقوِّض التضامنَ الدولي. كما تُعِيق الجهودَ التي تبذلها الدولُ والوكالات العالميّة والمنظمات غير الحكوميّة والشركات متعدّدة الجنسيّات وغيرُها، لزيادة جهود الشراكة.

مثل هذه الشراكات حاسمة في تخفيف معاناة اللاجئين. فعلى سبيلِ المثال، اجتمعَت وكالة الأمم المتحدة للاجئين وشركة "بيتر شيلتر" (Better Shelter) -المدعومة من "أيكيا" (IKEA)- لتوفير الآلاف من هياكل الإسكان المؤقّتة المُبتَكَرة للاجئين والأسر النازحة في العراق واليونان وأماكن أخرى. وقد دعمت الحكومة اليابانية بسخاءٍ جهودَ الإسكان التي تبذلها شركة "بيتر شيلتر" في العراق.

وفي لبنان، دخلَت شركة "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson) في شراكة مع منظّمة "أنقذوا الأطفال" غير الحكومية لِتزويد اللاجئين الذين نزحوا بسبب الأزمة في سورية بإمكانيّة الوصول إلى خدمات تنمية الطفولة المبكّرة.

أتذكّر باعتزاز عندما شاهدت عام 2016 -عامي الأخير كأمين عام- دخولَ فريق اللاجئين الأولمبيّ في حفل افتتاح الألعاب الصيفيّة في ريو دي جانيرو. فللمرة الأولى، سُمِح للاجئين بالمنافسة في الأولمبياد كفريق مستقلّ. قال اللاجئون الرياضيّون للعالَم: نحن شبّان، تماماً مثل عشرات الآخرين؛ ورغم أنّنا لاجئون، لكن يمكننا المنافسة على أعلى المستويات.

لقد أحسَّ الحشدُ الكبير الذي كان متواجداً في استاد ماراكانا بنفس الشعور: فقد أظهر عشرات الآلاف من الأشخاص احتفاءً بالِغاً بفريقِ اللاجئين. لقد كانت لحظة جميلة مليئة بالفخر والتضامن والأمل.

 

هذه هي نفس الروح التي يجب أن نتصدَّى بها لأزمة اللاجئين العالمية. فقط من خلال الوقوف معاً -مع بعضنا البعض ومع اللاجئين- يمكننا أن ننجح.

 

هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركيّة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بان كي مون
الأمين العام السابق للأمم المتحدة
تحميل المزيد