لأنني قد أموت وأتركهم في أي وقت.. 9 مبادئ أغرسها في أطفالي تُعينهم على مواجهة مصاعب الحياة

عدد القراءات
1,944
عربي بوست
تم النشر: 2018/09/18 الساعة 07:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/04 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش
A young Caucasian girl is indoors in a hospital room. She is wearing casual clothing. She is lying in bed and holding a stuffed dog. She is rubbing noses with her mother.

لم أكن أعرف شيئاً عن الخوف إلا عندما أصبحت أُماً.. وكمثال على ذلك، طلبت عدة مرات من شقيق زوجي أن يأخذني في جولة في سيارته؛ لأنه يملك سيارة رياضية، يقودها بسرعة جنونية، فأحببت تجربة السرعة. لكنه رفض كل مرة؛ لأنه يخاف أن أُصاب بالأذى. لكني لم أكن أخاف؛ لأنني أعرف أنه ماهر جداً بالقيادة، فكنت مُصرة طوال الوقت، ولم أتوقف عن الإصرار إلا عندما أصبحت أماً، لأنني ولأول مرة أصبحت أخاف على نفسي من الأذى؛ لأن طفلي بحاجة إليَّ، وأخاف أن يضطر إلى أن يعيش من دوني.

أرتعب من فكرة أن يضطر أطفالي للعيش من دوني، وألا أكون موجودة لأحقق رغباتهم، وبالأخص لتهوين مصاعب يمرون بها. أو أن نعيش أوضاعاً صعبة جداً، خصوصاً أن الأوضاع مخيفة في العالم، ولا سيما في البلدان العربية حولنا. فهنالك العديد من الأمهات يفكرن في تأمين الأمان أو الدفء وحتى الطعام أو الماء لأطفالهن في هذه اللحظة، أي أبسط متطلبات العيش، وهو أمر تقشعر له الأبدان.. وبما أن الإنسان لا يعرف ما يخبئه له المستقبل قررت أن أفعل شيئاً لحل تلك المشكلة، وألا أجعل هذا الخوف مجرد مشاعر أحس بها من وقت لآخر، وإنما أتصدى لها بخطوات عملية. ومهما حدث أستطيع أن أقول لنفسي إنني فعلت ما بمقدوري لحماية أطفالي، وإنني لم أقصر من هذه الناحية.

قررت أن أغرس في أطفالي منذ الصغر مبادئ تعينهم على تحمُّل المصاعب، حتى لو اضطروا للعيش من دوني، والمبادئ كالتالي:

 

1– الموت جزء من الحياة وهو حق لكل نفس

 

فمن أصعب الأمور التي يواجهها الشخص هو فقدان الوالدين، وأعتقد أن الموت سيكون صعباً على الشخص المتوفى بقدر عدم تقبّل أولاده لموته. لكن الموت حق لكل نفس، ولا أعتقد أن هنالك إنساناً يحب أن يعيش إلى الأبد، فبعد فترة من العيش على هذه الدنيا والاكتفاء منها، يرغب الإنسان أن ينتقل إلى الخطوة الثانية، إلى المرحلة الثانية.. فينبغي أن نودع الذين خطوا تلك الخطوة بسلام، آملين أن يوماً ما سيحين ونلتقي بهم، فهم لم يندثروا، إنما ذهبوا إلى عالم آخر، وسنلحقهم إلى هناك عندما يحين موعدنا.. فرؤيتي لأمي وكيف أنها تصرفت وتقبلت موت جدتي، أي والدتها، بهدوء ووقار، هيَّأني ودربني لأتقبل الموت.. وأهم طريقة لتعلمي أطفالك تقبُّل موتك في المستقبل هو تصرفك عند موت أحبائك أمامهم.

 

2- المصاعب تزيدك قوة وتجعلك تقدر الحياة وتتذوق طعم الحياة بعمق

كل صعوبة يمر بها الإنسان لها فوائد قيمة، وتزداد قيمة الفوائد كلما ازدادت شدة الصعوبة. فالإنسان لا يدرك قيمة أي شيء إلا عندما يُحرم منه فيعرف قيمته، وبالتالي يعرف كيف يجب أن يتعامل معه ويقدره ويعطيه حقه في المستقبل. وأيضاً لا يتعلم إلا عندما يضطر إلى ذلك، أي عندما يواجه محنة أو صعوبة ويضطر للخروج منها وتجاوزها بجهده.. ومن المقولات المفضلة عندي، التي أؤمن بها هي مقولة للكاتب البرازيلي باولو كويلو:

I'm proud of the scars in my soul. They remind me that I have an intense life. Paulo Coelho

وترجمتها كالتالي: أنا فخور بالجروح الموجودة في روحي، فهي دليل على أنني أملك حياة عميقة (أي غنية وغير سطحية). فكما يقول باولو: افتخر بكل التجارب الصعبة التي مررت بها فهي دليل على أنك فعلاً تذوقت الحياة بعمقها، ولم تعش حياة سطحية. فالإنسان لا يعرف طعم السعادة الحقيقية إلا عندما يذوق الحزن. وبالنسبة لي أفضل الدروس التي تعلمتها في هذه الحياة لم أتعلمها إلا لأنني مررت بتجربة قاسية وجارحة، خرجت منها كما تخرج الفراشة من شرنقة علمتها أن تكون أقوى، لتحلق في السماء. لذلك يجب ألا تحزن عندما تواجه صعوبة ما، بالعكس انظر للصعوبة كفرصة وأنك محظوظ لاضطرارك لخوضها، وانظر إليها كتحدٍّ وكلعبة تخوضها ولا تستلم لها أبداً.

 

3- العلم يزيدك قوة ويمنحك مختلف الخيارات

فالإنسان كلما ازداد علما زاد إعجاب وتأثر الناس به، ولكن الأهم من ذلك أن العلم يعين الإنسان على النجاح في جميع نواحي حياته. فمثلاً إذا تعلمت عن موضوع الذكاء الاجتماعي، فإنك ستعلم كيف تتعامل مع الناس، وتفهم مشاعرهم، وبالتالي تنجح بعلاقاتك جميعها من زواج وصداقة وزمالة.. وكل شيء آخر يمشي بنفس الطريقة، فاجعل التعلم والفضول بالأشياء من حولك هاجساً تقضي جزءاً كبيراً من وقتك فيه.

 

4- الإيمان بالله والقدر خيره وشره

ينبغي على الإنسان أن يسعى ويعمل أفضل ما لديه، ويدرك في نفس الوقت أنه لا يحدث إلا ما أراد الله لنا. فأي شيء حدث لك حتى لو حدث بيد إنسان آخر، فإنه لم يحدث إلا لأن الله سمح بحدوثه، ولأنه أراد حدوثه. وبهذه الطريقة يشعر الإنسان بأنه إذا ظُلم بيد إنسان آخر أو بسبب الظروف، فإن هذا الظلم ما كان قد حدث لو لم يسمح الله بذلك، فيشعر الإنسان بطمأنينة ويتقبل الأمر؛ لأن الأمور ليست بيد إنسان آخر وليست صدفاً وإنما بيد الله وبإرادته. مررت بتجربة في حياتي كرهتها وكرهت أني اضطررت إلى تجربتها، فكنت أشعر أنني لم أستحق حدوثها لي.. لكن النقطة التي تحول عندها كل شيء، كانت اللحظة التي قبلت بها الذي حدث لي وبما كتب الله لي. أولاً شعرت بسعادة غامرة وبطمأنينة وبالرضا وبالقناعة. ثم تغيَّر كل شيء، فالأمر الذي حدث لي استمر تسع سنوات مريرة، لكن لحظة قبولي بما كتب الله لي، وتوقفي عن التمنّي بعدم حدوثه، تغيَّر كل شيء.

 

5- الدعاء والاستغفار المتواصلان

فكما قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) وفي آية أخرى (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) فهنالك فوائد عديدة للاستغفار، منها أنها تزيل الهم والغم، وتجلب البسط والسرور، وتجلب الرزق، وتورث محبة الله للعبد. وبالإضافة للاستغفار هنالك أدعية كثيرة يستطيع الإنسان أن يستعين بها في الشدائد، بل يجب أن يجعلها جزءاً من روتينه اليومي. هنالك دعاء أحبه كثيراً وقد استعنت به عند شدة حصلت لي، فكنت كلما أشعر بالحزن أحاول أن أنسى وأشغل تفكيري بذلك الدعاء. فكان يشعرني بالطمأنينة والأمان، ولم يمر أربعون يوماً حتى زالت تلك الشدة عنّي.. وأنا مقتنعة بأن الفضل للدعاء الذي كان على لساني طوال اليوم تقريباً، وهو كالتالي: (لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم. ألا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرّجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين). ومن الضروري أن يوقن الإنسان أن الله سيستجيب للدعاء حتى تحدث الاستجابة.

 

6- العيش في اللحظة وعدم التفكير المستمر في الماضي والمستقبل

وهذا هو الوضع الطبيعي للأطفال، وهو السبب وراء شعورهم بالسعادة دائماً. لكن ينسون ذلك كلما كبروا؛ لذلك ينبغي أن نعزز تلك العادة لديهم؛ لأن العيش في اللحظة هي السعادة بذاتها. والتفكير بالماضي والمستقبل بشكل مستمر يعمل على تشتيت الإنسان، ويسبب له الحزن، فلا يذوق لحظات الحياة الثمينة التي هي الحياة بذاتها. وقد كتبت المقالة التالية عن هذا الموضوع: الدليل الوحيد الذي تحتاجينه للشعور بالسعادة التي يشعر بها الأطفال. أنا فعلاً وجدتها وسأخبرك عن تجربتي.

 

7- تعزيز الثقة بالنفس

ضرورة التركيز على تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال، فينبغي دائماً الحذر عندما يتحدث الوالدان أمام أولادهما. فكل كلمة تصدر عن الوالدين لها أكبر الأثر في تكوين شخصية الأطفال، وبالتالي مستقبلهم. أتذكر منذ الصغر أنني لم أشك يوماً بصحة كل كلمة تقولها أمي أو يقولها والدي، فهما مصدر المعلومات والحقائق الصحيحة بالنسبة لي، كما هو الحال بالنسبة لجميع الأطفال؛ لذلك ينبغي على الوالدين أن يشعرا أطفالهما كل يوم أنهم أذكى وأجمل وأطيب أطفال في العالم، وأنهم قادرون على تحقيق أي شيء يريدونه. فعندما تتعزز الثقة بالنفس، فعلاً يستطيع الأطفال السعي وراء طموحاتهم وتحقيقها؛ لأن الأساس موجود وهو الإيمان بإمكانياتهم وقدراتهم على تحقيق ما يريدون وعيش الحياة كما يرغبون.

 

8- ضرورة السعي إلى تحقيق كل ما يريدون والاعتماد على أنفسهم

فإذا جلست مكتوف الأيدي تنتظر أن يتحقق ما تريد وتتمنى وتدعو، فستبقى طويلاً على تلك الحال. يجب على الإنسان أن يتحمل مسؤولية كل ما يحدث له، ولا يجعل الحياة تمر وتمشي بينما ترميه يميناً وشمالاً، ويكون جزءاً من خطط الآخرين، وفي الآخر يقول هذا نصيبي، نعم هذا نصيبك لأنك سمحت بذلك، ولأنك عملت أو بالأحرى لم تعمل شيئاً لتحقيق سوى ذلك. أنا أؤمن بأن الإنسان يستطيع فعل أي شيء إذا سعى إلى ذلك. فأي شيء مهما بدا مستحيلاً يمكن تحقيقه خطوة بخطوة، لكن دائماً فكر بأول خطوة ممكن القيام بها للوصول إلى مبتغاك وقُم بتلك الخطوة، بعد ذلك فكر بالخطوة الثانية، وقم بها. وعلى تلك الوتيرة ستصل أخيراً إلى مبتغاك، بإذن الله طبعاً.

 

9- الطيبة وحب التصدّق ومساعدة الآخرين

ينبغي على كل أم زراعة الطيبة وحب التصدّق ومساعدة الآخرين في أطفالها؛ لأن من قوانين الكون التي لا يستطيع أحد إنكارها أن كل شيء يفعله الإنسان يعود له يوماً ما أضعافاً. فثقي أنه كلما قام أطفالك بمساعدة الآخرين سيجدون من يساعدهم عندما يحتاجون إلى ذلك، بالإضافة إلى أن مساعدة الناس الآخرين هي من الأمور التي تُشعر الإنسان بالسعادة والطمأنينة.

هذه النقاط التسع هي الأساس الذي سأعتمده، لتقوية أطفالي ومساعدتهم على اجتياز المصاعب التي يمرون فيها في حياتهم، ولإبعاد الحزن عنهم، وجعلهم يحققون ويعيشون الحياة التي يختارونها. وأدعو لنفسي ولكل الأمهات بالراحة والطمأنينة وعدم القلق والخوف على أولادهن؛ لأن تلك من أصعب المشاعر التي تواجهها الأمهات. وأشجع جميع الأمهات على تربية أولادهن على أسس تقويهن وتساعدهن على الاعتماد على أنفسهن لمواجهة مِحن الحياة. وأرحب بمقترحاتكم وأفكاركم فيما يخص هذا الموضوع لعلّي غفلت عن نقطة مهمة، فأقوم بإضافتها إلى قائمة المبادئ التي أعتمدها.

تم نشر هذه المقالة في مدونة بيت زين

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
زين موسى
كاتبة مهتمة بالمرأة والمجتمع
تحميل المزيد