التحرّش في مصر.. طاعون لم تُشف منه النساء بعد

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/18 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/18 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش

صُنفت مدينة القاهرة كأخطر مدينة على النساء سنة 2017، تصنيف أثار جدلاً كبيراً في مصر بين مؤيد ورافض لمعايير التقرير. "القاهرة أخطر مدينة على النساء"، جملة تعيدنا إلى عشرات المشاهد الصادمة التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية لفتيات ونساء تعرضن إلى تحرش جماعي في شوارع القاهرة، ذئاب بشرية لم تتوان على التحرش بنساء ولمسهن بل والاعتداء عليهن بالضرب دون تدخل الشرطة أو رجال آخرين لرفع الأذى عنهن، نساء وحيدات في مواجهة طوفان من الغرائز الذكورية المتحركة بحرية في شوارع أكبر عاصمة عربية وتعتدي بكلّ أريحية على نساء ذنبهن الوحيد أنّهن خرجن للتنزه أو لقضاء حوائجهن لتعاني النساء المصريات من حرية التنقل خوفاً من طاعون العصر "التحرّش".

يعود هذا التقرير إلى صدارة الأحداث بعد أن وثّقت شابة مصرية "منّة جبران" والتي عرفت في وسائل الإعلام "بفتاة التجمع" حادثة تعرّضها إلى التحرش من طرف شابين في الأيّام الماضية، عانت الفتاة المصرية من سيل اتهامات انتقصت من كرامتها فعوض أن تكسب الضحيّة التعاطف إلا أنّها تحوّلت إلى جلاد يحاكمها الجميع إلى درجة طردها من العمل.

استطاعت منّة جبران أن تحول حادثتها الشخصية إلى قضيّة رأي عام، خاصة أن ظاهرة التحرّش تعاني منها جميع النساء باختلاف أعمارهن وشرائحهن الاجتماعية، سافرات ومحجبات بل ومتنقبات، فالغريزة المتحرّشة لا تفرّق بين اللحم الأنثوي، إنّها تتعامل معهن بمساواة في هتك الحرمة الجسدية والنيل من كرامة النساء.

تقول بعض الإحصائيات إن 99% من نساء مصر قد تعرضن إلى التحرّش، وأن 91% من نساء مصر لا يشعرن بالأمان في الشارع، أرقام مهولة تبيّن تفاقم ظاهرة التحرش والتي دائماً ما تتهمّ فيها المرأة بأنها لا تلبس لباساً لائقاً وهو ما هيّج غرائز الذكور، حيلة ذكورية لئيمة تبيّن أنّ المرأة دائماً ما تقع ضحيّة الأفكار النمطية، وهي أنّها مسؤولة عن فعل التحرش فهي تثير الفتنة حسب المخيال الشعبي وأيضاً الحكومي والمتواطئ بشكل أو بآخر مع المجرم الذي دائماً ما يظل طليقاً يمارس جرائمه بأمان.

 قبل حادثة التجمع التي تحوّلت إلى قضيّة رأي عام في مصر، سبق أن تحدثت بعض النساء المصريات عن تجربتهن مع التحرّش ضمن هاشتاغ: "مي تو"، تجارب أليمة تعيدنا إلى الخبر الأوّل: القاهرة مدينة خطرة على النساء.

تحوّلت "منّة جبران" إلى ضحيّة مشهورة حشدت تعليقات محفزّة ومشجعة على المضي في طريقها من طرف الناشطين في المجتمع المدني والذين قاموا بتأسيس حملات متضامنة ومنددّة بفعل التحرش من بينها حملة "مش باللمس"، التي أعلنت من خلالها 11 منظمة مصرية تضامنها مع منّة جبران واعتبرت في بيانها أنّ التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات سنة 2014 تعديلات غير كافية ولم تعالج الظاهرة بقدر ما دفعت النساء إلى الاعتماد على ذواتهن وتبني دفاعات ذاتية مثل التصوير وحملات المناصرة وغيرها.

وكتبت أغلب الناشطات المصريات حول حادثة التحرش التي تعرّضت لها منّة جبران ليصبح التحرّش حديث الساعة في مصر، خاصة أنّ المجتمع المصري مازال يتعامل مع الظاهرة بشكل خفيّ تحت مقولة "الستر" والخوف من الفضائح، فالتستر هنا ليس على المجرم بل على الضحيّة والمدانة دائماً في أعراف وتقاليد المجتمعات المحافظة.

في قراءة لرّدة فعل المجتمع المصري الذي لم يتعامل إلى اليوم مع التحرّش كجريمة كبرى تمس من أمن النساء ومن سمعة البلد ومواطنيها، نجد أن فعل التحرّش من مقومات الشخصية الذكورية، التحرّش بالكلمة أو التحرش باللمس هو إشارة صريحة إلى فحولة الشابّ الذي يمارس سلطته على أجساد النساء.

وكغيره من المجتمعات المحافظة، مازال المجتمع المصري متمترساً في مساحة ذكورية شبه آمنة يحاول دائماً دعمها وتثبيتها بالنيل من حقوق النساء، فمازالت المدوّنة القانونية المصرية تكرّس إلى اليوم التفاوت بين الجنسين لتغلبّ دائماً مصلحة الرجل على المرأة.

ورغم تنامي دعوات تحرير المرأة من طرف نشطاء المجتمع المدني أو النخب المصرية فإنّ العقلية المحافظة تجابهها دائماً بالتجاهل رغم بعض المحاولات الحكومية التي أعتبرها محاولات غير جادّة.

لماذا يتحرّش الرجل بالمرأة؟ سؤال ربّما سيجيب عنه البعض، وهل يمكن أن نعتبر المعاكسة ومحاولة التقرب من امرأة محاولة تحرّش؟

سنجيب أنّ التحرّش هو محاولة إقامة علاقة عنوة مع امرأة غير قابلة حتى ولو كانت العلاقة مجرّد محادثة قصيرة في الشارع.

إذن لماذا يتمادى الرجل في فعل التحرّش رغم أنّ المرأة ترفض الانصياع له بالقول أو بالفعل؟

المتحرّش في الأصل مجرم والمجرم يحاول إكمال جريمته طالما بدأ فيها ولا شيء يجعله يتراجع سوى تدخل الشرطة أو المارة.

وفي ظلّ غياب تدخل الشرطة وبعض الأشخاص في الشارع سيمضي المعتدي في فعل الإعتداء، وجريمته في الأصل  جريمة بجذور ثقافية، وهي نتيجة لتصورات خاطئة عن الذكورة والأنوثة: الشجاعة والجرأة في مقابل التمنع والرغبة.

يبقى المتحرش حرّاً طليقاً طالما لم تتعامل معه السلطات بحزم، فهو يعتبر نفسه "سي السيّد" في الفضاء الخاصّ والعامّ وله الحرية في التعامل مع النساء وأيضاً الحكم عليهن أخلاقياً.

وكثيراً ما اتهمت نساء بأنّ لباسهن غير لائق فيما يتعامل الرجل على أساس أنه كتلة من الغريزة المتحركة على المرأة مراعاتها وعدم إثارتها.. هكذا تنقلب الصورة من المرأة ضحيّة الاعتداء، إلى سبب الفتنة، نظراً لجاذبيتها الجنسية للرجل الذي يصور كقاصر جنسي.

صورة تكشف حدّة التناقض في المجتمعات المحافظة التي مازالت تشكل شوارعها خطراً على النساء في غياب من يردع هؤلاء عن مواصلة جرائمهم ضدّ النساء، ليظل التحرّش طاعوناً متفشياً يُهدد النساء ويمنعهن من الحياة بأمان في أوطانهن.

ميم

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
خولة الفرشيشي
كاتبة تونسية
خولة الفرشيشي باحثة جامعية في علوم التراث، لها كتاب حول ثقافة الجسد، تنشط وتكتب حول قضايا المرأة والشباب في تونس.
تحميل المزيد