اخترتُ رشا عزب لتأليفه لأنها عاشت معي لحظة ساخنة.. حواري مع “منال خالد” مُخرجة فيلم “حمام سخن”

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/18 الساعة 07:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/18 الساعة 07:21 بتوقيت غرينتش

"اللحظة الأولى كانت صعبة"، "هنبدأ منين؟"، "في آخر أيام أكتوبر/تشرين الأول 2011 صورنا أول مشهد"، ".. لما جسمك يتحاصر في لحظة سخنة جداً..".

فتخيَّل أن تحيا لحظة يحاصَر خلالها جسمك؛ ومن ثم عقلك، بالعديد من الظروف والأحداث الساخنة التي قد تشل الأخير وترجف الأول؛ بسبب ما تتبصره من هلع، عجز وفقدان الأمل في الخروج من تلك اللحظة المعقدة بأكملها.

فهو انحصار مكاني وزماني رصدته -وما زالت ترصده- المخرجة منال خالد في "مشروع" حمام سخن، فهو حتماً مشروعٌ لافتاتُه حول لحظة دقيقة جداً ووحيدة، تسعى منال ومجموعة عملها كاملةً على رصدها وتحليل ذراتها وتفاصيلها، ووصفها؛ بل ومحاولة تخطّيها للوصول إلى النور.

النور بين سطور سيناريو الفيلم هو في مساعي الخروج من اللحظة، في حين أن النور المشتعل بكواليس العمل يكمن في مدى إصرار العناصر كافة على الخروج على المعوقات كافة التي تقابل هذا العمل!

فدائرة سخونة اللحظة ثم الإعجاب بها، الخطو نحو تنفيذها، فدفء الجهود، ثم برودة الإحباط.. قد تكون أكثر تعقيداً في وصفه مما تحاول منال خالد ورشا عزب -مؤلفتا الفيلم- رسمه للجمهور من خلال رصد لحظة على هيئة ساعات سينمائية!

عندما يكون المخرج جزءاً من الحكاية:

– كيف توصلتم للفكرة والموضوع؟

جاتلي في اللحظة اللي حسيت فيها إن ممكن الواحد يكون جسمه متحاصر في لحظة سخنة جداً في الشارع! في اللحظة دي استهلمت الفكرة…

لتكمل: أنا عشت لحظة فيها مشاهد سينمائية قوية.. خيالي كان رحب جداً وبدأت تتطور الفكرة، واختارت كمان "رشا عزب" لإنها شاركتني اللحظة.

– أي لحظة تحديداً؟

بنشتغل على اللحظة اللي ما بين 25 و28 يناير/كانون الثاني 2011، وبنشتغل على زاوية نسائية وهي زاوية جوة الأماكن المقفولة… بعيداً عن الشوارع والميادين. في التوقيت ده ماكناش مشغولين إننا نخلص الحكايات أسرع، على الرغم من أن الظروف أسهل، بس كنا مشغولين إزاي نشتغل وإزاي نبدأ.

(المخرجة منال خالد في كواليس تصوير إحدى الحكايات)

 – لكن الآن أصابني الفضول؛ لذلك أعود وأسألك: ما هي تلك اللحظة؟

(مبتسمةً) هي لحظة احتجاز بمكان مقفول في لحظة محتاجة تكوني برة مع العالم كله!

– ليزداد فضولي: أنتِ تحديداً عشتي إيه؟

(مبتسمةً ومصرّة) تفاصيل الفيلم.. ما تعرفيش هتقابلي مين ولا هيعمل إيه ولا يعرفك أصلاً!

– لكن من دون سرد لتفاصيل اللحظة، انتابني شعور بالحيرة بين الخوف من الموقف ومضمون اللحظة ذاتها (سواء أكانت حادثاً أم موقفاً خطراً) وبين انتظار انتهائها، فما هو تركيزك في الحكاية؟

الخوف مزدوج! بما أنك اتكلمتي عنه، فأنا باشتغل على الخوف والانتظار وكمان الحالة السحرية، دول شكلوا وحدة الفيلم الأساسية، فماكنش ينفع اشتغل على حكاية واحدة بس، فبالتالي الفيلم يشمل 3 حكايات نسائية.

نظام الكتابة وأطراف العمل:

لم يعتمد "حمام سخن" في تجربته على أحادية المجهود ومصادر الإنتاج بل والإبداع أيضاً؛ وإنما التجربة في أساسها كانت قائمة في استلهامها بداءة على خوض تجربة في لحظة حقيقية خطرة عاشتها المخرجة وشاركتها الصحافية رشا عزب إياها، عندما وصفت المخرجة  المادة الخام للفكرة في بدايتها بـ: "إحنا في البداية كنا شايفين إن عندنا مشاكل إحنا عشناها بالفعل، فكون رشا صحافية وأنا مخرجة خلّانا نتفق في الأول إن الفيلم يكون مجمع لتجارب تسجيلية، لكن رجعنا وشوفنا إن الفيلم الروائي هيدينا تفاصيل أكتر بتعكس حكايات كتير خاصة بكل واحد عاش الموقف نفسه".

– ما الشكل الذي اتخذه نظام كتابة السيناريو ومراحله؟

في التجربة الأولى اشتغلت بشكل أساسي على السيناريو، ولما "رشا" بتخص كتابة كنا بنرجع ونتناقش، وده برضه حصل في الحكايتين التانيين؛ لأن الفيلم بالنسبة لنا جزء منه واقعي وإحنا شفناه، لدرجة إننا -زي ما وضحت- فكرنا نعمله فيلم تسجيلي.

(رشا عزب ومنال خالد)

العقبات وفترات توقف الفيلم:

"كنت فاكرة إني هاقدر أكمّل لوحدي"، هو تعبير المخرجة عن العمل منذ البداية، الذي لو قرأته مرة لتوصلت لإحساس مغاير تماماً لما ستشعر به إن قرأته مرة أخرى، وهو تحديداً ما عاشته منال خالد وصناع الفيلم ممن هم خلف الكاميرا ومن هم خارج موقع التصوير أيضاً!

الفيلم تجربة إنسانية سينمائية محاكية في صورها المتحركة لواقع مصري من زاوية نسائية، اجتماعية وسياسية، وفي ظروف صناعتها تحاكي الواقع المقابل للكثير من الأعمال الفنية والتجارب السينمائية المستقلة. تلك التجارب التي تواجه، أو ما تواجه في مرحلة صناعتها، مصادر إنتاج تتيح نقل المضمون بصورة صادقة أولاً ثم مبتكرة، وهو تحديداً ما كانت تحتاجه الحكايات الثلاث اللاتي تحدثت عنهم المخرجة، عندما كان ردها على تساؤلي عن مصادر إنتاج الفيلم لتجيب:

"أنا كنت المصدر الرئيسي للفيلم! أنا باشتغل منتج منفذ في السينما، فدخلت اشتغل على أول حكاية عشان كانت أقل تكلفة، صوّرتها في يومين وصورت 4 أيام من الحكاية التانية بس، وده لأن الميزانية كانت صغيرة!

وده بالنسبة لي كان جديد، لأن أنا بقالي 15 سنة باشتغل في السينما التجارية بشروطها الصعبة والمكلفة وحتى فريق العمل كان mix بين التجارية والمستقلة".

لتستدرك: "لكن، كان فيه حماس للفكرة وتعاون كبير من اللي حوليا… اللي شارك بمعدات، واللي شارك بأجور مؤجلة، اللي شارك بأفكار، تسويق، مكساج وغيره.. المساهمة وصلت لنحو 90 شخصاً، ما زلت أنا المنتجة ومكملة بمساعدة الناس اللي حوليا، لكن الفيلم ده ملك كل الناس؛ لأن أنا لما كنت باعطل في أي نقطة، سواء المادية أو حتى النفسية، كنت بألاقي تعاون ووجود لناس كتير متحمسة بس للفكرة".

(منال خالد وريم حجاب إحدى بطلات حمام سخن)

– بالنسبة لمواقع التصوير هل كانت تمثل صعوبة أيضاً؟

هما 3 مواقع رئيسية، وده كان أصعب! لأن لما يكون عندك عدد مواقع أكتر وقت الكتابة حتى ده بيدي تنوع للصورة، لكن هنا كان صعب تدي تفاصيل أكتر للدراما في المواقع المحدودة دي بس ومانقدرش نبني ديكور! ثم أنا عشت اللحظة في مكان معين ماوصلتش حتى للديكور اللي أنا متخيلاه وعايزاه بالضبط!

   
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

– هل كان موقع خيالي على الورق؟

هو الموقع اللي كنت فيه في اللحظة دي.. كنت عايزاه لدرجة أني روحت أدوّر عليه 3 مرات متتالية.. لكنه اختفى!


– ذكرتي أيضاً أن الصعوبات الموجودة هي صعوبات سياسية.. كيف؟

التصاريح! فيه location محتاج تصريح من الآثار والداخلية، حتى عشان تسحبي كهربا أو تحركي عربيات ده صعب، كمان في صعوبة استخراج تصريح لإن فيlocation أساسي يعتبر منطقة أثرية! كمان الحكاية الأخيرة عدد الممثلين فيها وأيام التصوير الخاصة بيها أكبر، بالتالي هي تقيلة إنتاجياً.

"حمام سخن" هو تجربة إنتاج مستقل ما زالت قيد التنفيذ، تواجه التوقف في أحيان كثيرة؛ لضيق الدعم الإنتاجي ولصعوبة التصوير من حيث المواقع التي تحتاج أن تكون حقيقية هي الأخرى، لتُناسب حقيقة وواقعية الحكايات أو "اللحظات" الساخنة الثلاث.. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، قررت المخرجة منال خالد وفريق عملها إطلاق حملة لدعوة الجميع للمشاركة في تمويل الفريق إنتاجياً لاستكمال التصوير، وهي خطوة قوية ومهمة ولا تنمُّ عن أية رفاهية مادية أو دعائية يمر بها الفريق الصانع؛ بل هي لحظة حرجة كسخونة اللحظات الثلاث موضوع الفيلم، يمر بها الفريق للوصول إلى لحظة الـ"فركش"، ثم قراءة تتر الأسماء على شاشات العرض المصرية أولاً ثم العاملية، فهي تجربة في رأيي على الرغم من عدم اكتمالها تحمل الكثير من معاني الاستمرارية بعد التوقف، والإكمال بعد النقص؛ بل والإصرار بعد الإحباط.. إن كانت اللحظات الثلاث الساخنة التي تتحدث عنها منال خالد في فيلمها تحاط بالغموض لوقتنا هذا؛ بسبب عدم استكمال تصوير الفيلم؛ ومن ثم وصوله لشاشات العرض، فلحظات الإقدام على التنفيذ ثم ركود مياهها هي لحظات نحياها جميعاً في مساعينا على المستوى الشخصي، فهي جديرة بالدعم وقتما وأينما رصدناها في تجارب الآخرين، وبالتحديد أن "حمام سخن" لم يكتفِ بإطلاق حملته التي تحمل هاشتاغ (#كلموا_معانا_الفيلم) في حفل دُعي فيه كل المولعين بالسينما الواقعية في قلب القاهرة في أواخر العام الماضي (2017)، وتم فتح باب الدعم المادي إلكترونياً من خلال الإنترنت والذي وصل إلى المبلغ المطلوب؛ بسبب ولع الكثيرين بفكرة بل ورحلة كفاح فريق العمل للوصول إلى خط النهاية، وذلك في أيام معدودة.

ليعود "حمام سخن" كرحلة مستقلة مصرّة على الظهور على الساحة السينمائية بشكل محترف من خلال مشاركته في مهرجان الجونة السينمائي الدولي وفي دورته الأولى المنعقدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حيث لاقت فكرته استحسان وإعجاب الكثير من صناع السينما المصرية، سواء في الجانب الإنتاجي أو الإخراجي أو التمثيلي.

والآن "حمام سخن هيدخل اللوكيشن عشان الناس دي كلها كملوا معانا الفيلم"، وذلك كما أعلنت مخرجة العمل على الصفحة الخاصة بالفيلم على فيسبوك، ليدخل العمل مرحلة جديدة بعد توقُّفٍ نأمل ألا يعود إليه من جديد، فالتجربة ليست وحدها تستحق الاستكمال؛ بل يستحقها الجمهور، كما أوضحت منال في حوارها: "أنا باتمنى أخلّص الفيلم لإني عايزه أوصله للمراكز الثقافية والأحياء الشعبية مش بس دور العرض والمهرجانات".

وعن سؤالي عن رأيها حول مفهوم أو مصطلح أفلام المهرجانات، ترى منال أن "الجمهور عايز الحاجة اللي تمسّه ويفهمها، أسماء كبيرة زي بركات وصلاح أبو سيف وفطين عبد الوهاب عملوا مضمون قوي جداً، لكن وصلوا للناس وأي واحد في قرية هيفهمه، (حمام سخن) مش معمول للنقاد أو لأصحابي، الفيلم ملك لكل الناس.. ودي السينما بالنسبة لي".

.وهذه صفحة الفيلم على الفيسبوك لمن أرد الإطلاع عليها –

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مي فرج
محامية وكاتبة
تحميل المزيد