أرادت من أبيها حضناً فسبّها وسط الناس.. في ذم القسوة التي ملأت حياتنا!

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/18 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/18 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
Young sad afraid woman and her violent screaming man

 

بينما كنتُ أقف على إحدى محطات الترام في "الإسكندرية"، رأيتهم؛ أسرة صغيرة مُكونة من أب وأم، وولدين، وأخت صغرى لهما، سنها لا يتجاوز الخمس سنوات.. رفعت الابنة يديها في عفوية إلى أبيها، وقالت بصوت مسموع: "بابا بابا.. نفسي في حُضن".. أزاح الأب يدها في عنف، وأطلق سُبة بذيئة تخص الترام ومَن يعملون فيه، وعندما بدأت الطفلة في البكاء بصوت مسموع؛ أمسكها الأب بغِل من ذراعها، ودفعها في اتجاه الأم بعنف، وهو يأمرها أن تُسكتها حالاً.

 

وقفتُ أراقب ما يجري عن قُرب، وحاولت أن أتخيل تأثير هذه الواقعة البسيطة على هذه الطفلة مستقبلاً، عندما تصبح بنتاً ناضجة تواجه الحياة.. أعتقد أن جُرحاً نفسياً كهذا لابد له أن يترك أثراً، حتى لو لم تدرك هي نفسها نتائجه في روحها.

 

في أحد مقاطع الفيديو على الإنترنت، يقف شخص أميركي يقدم فقرة ساخرة؛ ويتحدث عن الطبيعة الغريبة لأحاديث بعض الأشخاص العرب الذين جلس معهم، فوجدهم يتفاخرون ساخرين بعدد المرات التي ضُرب كل واحد منهم من قِبل أبيه فيها! يضحك الحاضرون من غرابة الأمر، وهو غريب بالفعل لو فكرتَ فيه لثوان؛ فكيف يُعتبَر ضرب الابن على يد أبيه ذكرى تستجلب الضحك؟

(2)

يزرع مجتمعنا في الإنسان منذ نشأته تمجيد القسوة، والافتخار بها.. حتى من خلال السينما، يربطون بين مشهد أب يصفع ابنه على وجهه، وبين مدى محبة هذا الأب لابنه في مشهد تالٍ؛ فتنتفي فكرة أن ضرب الابن في حد ذاته جريمة لا علاقة لها بالمحبة.. يضرب البطل زوجته علقة ساخنة، ثم يحتضنها ويطيّب خاطرها في مشهد رومانسي تالٍ لمشهد العلقة؛ فيصبح ضرب الزوجة بشكل ما نوعاً من الرومانسية.

 

يصاحب تمجيد القسوة التقليل من أي محاولة لإعلان أي شخص عن احتياج نفسي أو عاطفي له، ووصم صاحب الفعل بالتفاهة وقلة الحياء إن كانت بنتاً، أو بالميوعة وقلة الرجولة إذا كان رجلاً.. وهكذا يلقنوننا أن الرجال لا يبكون، مهما حدث.. والمرأة الصالحة هي الأكثر تحملاً لعنف زوجها وقسوته؛ من أجل استمرار الزواج.

 

الأب الذي لا يحتضن أولاده، ليس إنساناً سيئاً بالضرورة، فقط هو رجل علّموه أنه كلما كان قاسياً، استحق أن يوصف بالرجولة.. وثق أنه -بالضرورة- كان ابناً لا يحتضنه أبوه.

(3)

بيت منزوع الرحمة، لا رجاء فيه، ولا سعادة مرجوة لأهله.

عادة ما يخاف الإنسان من إعلان ضعفه واحتياجاته العاطفية والنفسية أمام الناس؛ حتى لا يُستَغل بسبب معرفة احتياجه الشديد لشيء ما ينقصه، ويؤلمه غيابه.

لكن كيف يدخل الخوف من التعبير عن احتياج نفسي بين شريكين في علاقة ارتباط؟ كيف يتقاسم رجل وامرأة حياة واحدة وأحدهما أو كلاهما يخاف الإعلان عن احتياج نفسي لديه، أو هشاشة نفسية تعصف بأركانه؟

لا أعتقد أن هناك أكثر بؤساً من إنسان يخشى من إعلان ضعفه أمام شريك حياته.

تضربنا الحياة الضربة تلو الأخرى، في مجتمع يؤصِّل للتعاسة والقبح.. حياتنا كحياة كل شعوب العالم الثالث؛ نقاتل من أجل حقوق سلبها منّا اللصوص.. تخيل أن تعيش كل هذا، مضافاً إليه أن تكون حتى في علاقتك العاطفية مع شريكك خائفاً من إعلان احتياجاتك النفسية أو العاطفية.

 

من حق الإنسان، مهما كان قوياً، أن يقول لشريكه أنه خائف، متعب، ممتلئ بالضجر.. من حقه كرجل أن يبكي في حضن زوجته، دون أن ترمقه بنظرة مرتابة، أو تُسمِعه ما لا يتحمل؛ لأنهم لقّنوها أن الرجال لا يبكون.. ومن حقها كأنثى أن تعلن لزوجها أنها تحتاج لضمة منه؛ يطمئنها، دون أن يسخر من طلبها، أو يُسمعها ما هو أكثر قسوة من السخرية.. فأشياء كهذه تحافظ علينا بشراً، لا بقايا.

العدسة

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد مدحت
كاتب ومدوّن مصري
أحمد مدحت خريج كلية التجارة جامعة الإسكندرية، عمل كاتباً حراً في عدة صحف ومنصّات عربية مختلفة.. مُهتم بالكتابة في المجالات الأدبية المختلفة، خاصة مساحات العلاقات الإنسانية على تنوعها.
تحميل المزيد