الدين والفيزياء والحب.. ماذا نتعلم من أذكى زوج في العالم؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/17 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/17 الساعة 13:46 بتوقيت غرينتش

لم يكن "ريتشارد فاينمان" مجرد عالم فيزياء عظيم باكتشافاته العلمية التي أهلته للحصول على جائزة نوبل لكنه كان نموذجاً فريداً "كإنسان"

نشأ فاينمان بين أبوين أحسنا العناية به، وكان يذكر فضلهما وما تعلمه منهما في كل محفل وفرصة، حببه أبوه في العلم رغم أنه لم يكن عالماً، كان أول من نما فيه الفضول لفهم "جوهر" كل ما يراه. وكانت أمه قدوة في الأخلاق وحسن السلوك.

تزوج فاينمان من "أرلين" صديقة شبابه وطفولته وهما في منتصف العشرينات من العمر وهي على فراش الموت! وبعد إصابتها بمرض "السل" والذي كان في ذاك الزمان مرضاً بلا علاج وميئوساً منه! تزوجها برغم معارضة والدته وخوفها عليه من التقاط عدوى المرض اللعين، وبرغم تهديد جامعة "برنستون" له بفصله من دراسة الدكتوراه إذا انشغل عن الدراسة وقرر أن يتزوج!

برغم المرض ومعارضة أمه وتهديد الجامعة تزوج فاينمان من أحبها وهي على شفا موت محقق! كان حبه لأرلين أسطورياً بدأ منذ الصغر ولأجلها درس الفن وخطت فرشاته لوحات تشهد له بموهبة الرسم كما شهد له العالم بالتفوق العلمي، كذلك أتقن العزف –الدق على الطبول- ولم يكن يرى أي تعارض بين أي من ذلك.

لم يكن تميز فاينمان تميزاً فكرياً وعقلياً فقط فقد كان صاحب خلق ونزاهة، توقفت أمام مشهد من حياته، عندما علم من الأطباء بحقيقة مرض أرلين فأراد مصارحتها برغم معارضة أهله وأهلها لأنه "عاهدها ألا يكذب عليها أبداً" لكن تحت ضغط الأهل ونصيحة الأطباء رضخ، لكنه سطر لها خطاباً يشرح فيه لماذا أخفى عليها مرضها واحتفظ به معه دائماً ليقدمه لها إذا عرفت يوماً ما حقيقة مرضها، وهو ما حدث بالفعل لاحقاً.

لهذه الدرجة كان "فاينمان" رجلاً يحترم كلمته ويحافظ عليها.

مرض أرلين جعله يدرك أن "العلم" قاصر، وأن لا شيء مضمون. توفيت أرلين بعد صراع مع المرض وظل فاينمان بلا زواج 12 عاماً بعدها وهو في ريعان الشباب. ثم تزوج زميلة وأستاذة جامعية ولم يكمل زواجهما عامين فشتان بين من نشأ معها وأحبها عمراً ومن عرفها شهوراً أو حتى سنوات، ثم تزوج للمرة الثالثة بزوجته وأم أولاده والتي عاش معها طيلة حياته وحتى توفي.

تجربة فاينمان مع أرلين ليست مجرد قصة رومانسية حزينة فقد كان لها أثر كبير في نفس العالم، فهو من علماء الغرب القلائل الذين لم يروا تضاداً بين العلم والدين، ولفاينمان كتاب صغير في حجمه قوي في محتواه وفيه الكثير من الحكمة والبصيرة وهو تجميع لمحاضرات ألقاها في الجامعة حول موضوع الصراع بين العلم والدين، يقول فيها فاينمان إن العلم مهما تقدم وتطور ومهما وصل "محدود" وتلك "طبيعته" وأن الدين ليس له حدود وتلك طبيعته. ومن وجهة نظره يمكن تقسيم الدين إلى جزأين أساسيين:

الأول: جزء الروحانيات ويتفهم فاينمان أن من حق أي إنسان أن يقبل أو يرفض هذا الجزء ويستسيغ أن يسفهه "بالعقل" ولكن رفض العقل لأي شيء لا يعني عدم وجوده لأنه في النهاية العقل والعلم قاصران ولا خلاف على ذلك علمياً أو عقلياً!

والثاني: ما يضعه الدين من إطار أخلاقي وقيمي وهو جزء ليس للعلم فيه ناقة ولا جمل فكيف تستقيم حياة الإنسان بدونه؟!

كان فاينمان من أذكى أهل الأرض "فعلاً" حيث بلغ معدل ذكائه مستوى نادراً، وبعيداً عن تفوقه وإنجازه في الفيزياء وحصوله على جائزة نوبل، فقد منحه الله موهبة "الشرح" و"التبسيط" فأحسن استغلالها ووضع "طريقة فاينمان للتعلم" وهي أسلوب يتيح لمن يتبعه إمكانية تعلم أي شيء يود تعلمه!

ومن أنفع ما تركه فاينمان للإنسانية ما كتبه عن "نماذج التفكير" وشرحه المستفيض لكيفية تطبيق طرق التفكير العلمي في أمور الحياة اليومية العادي منها والمعقد، وكيف يمكن للإنسان أن يدرب نفسه على التفكير السليم.

ومع كل هذه الإنجازات والأثر الطيب الذي تركه في حياته العملية والشخصية وما مر به من أزمات ومواقف إنسانية صعبة لن تجد لفاينمان في جميع مراحل حياته -بما فيها فترة مرض أرلين- صورة واحدة إلا وهو مبتسم ويملأ وجهه التفاؤل، في كل مراحل حياته على قسمات وجهه مسحة من "الرضا" و"الامتنان"، ونظرة افتتان تنطق "بالامتنان" والإعجاب بقدرة الله في الكون.

 

كشف له الكون عن أسراره، فاستنار بها عقله وقلبه، وحمل على عاتقه أمانة إعادة بث هذا النور لكل من حوله. نموذج نادر جداً من البشر، جمع بين حكمة العقل ورقة القلب ونقاء الروح فأثمر كل ذلك بصيرة أورثت صاحبها "تواضعاً" حقيقياً مع "عظمة" لا يمكن إنكارها، لم تسبب أزماته الشخصية وما مر به في شبابه جحوداً بنعم الله العديدة التي أسبلها عليه.

هذا  الفيديو سترى فيه "فاينمان"، العالم، المعلم، الفنان، الحكيم، وقبل كل ذلك الإنسان صاحب الروح الجميلة 

 

 

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سهى جاد
خبيرة في الإدارة ومهارات التواصل
تحميل المزيد