الصاروخ الواحد يكلفها 3 مليون دولار.. هل يُعيد ولي العهد السعودي الكرامة لبلده بإنهاء حرب اليمن الوحشية؟

عدد القراءات
1,389
عربي بوست
تم النشر: 2018/09/16 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/16 الساعة 10:36 بتوقيت غرينتش

يتعين على المملكة العربية السعودية مواجهة الأضرار الناجمة عن سنوات الحرب الثلاث الماضية في اليمن. لقد تسبب هذا النزاع في إفساد علاقات المملكة مع المجتمع الدولي، وأحدث خللاً في ديناميات الأمن الإقليمي وأضرّ بسمعة المملكة في العالم الإسلامي. المملكة العربية السعودية في وضعٍ فريدٍ من نوعه يسمح لها بإخراج إيران من اليمن وإنهاء الحرب بشروط مواتية، إذا حوّلت دورها من صانعة حربٍ إلى صانعة سلام. ويمكن للمملكة العربية السعودية استخدام نفوذها وفاعليتها داخل الدوائر الغربية وتمكين المؤسسات والآليات الدولية لحل النزاع، لكن، ما نشهده عملياً هو انسداد نافذة حل النزاع بسرعة مطردة.

وقد انهارت عملياً محادثات جنيف للسلام التي كان من المقرر أن تنطلق يوم الخميس الماضي برعاية الأمم المتحدة، ويعود سبب ذلك جزئياً إلى خشية المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة (ومعظم أقاليم اليمن الغربي) من إعاقة عودتهم؛ نظراً لسيطرة المملكة العربية السعودية على المجال الجوي لليمن. يمكن للسعوديين إمداد عدوهم ومسؤولي الأمم المتحدة بدعم يخص سبل السفر، أو ربما يمكنهم حتى أن يقدموا لهم طائرة سعودية، والأفضل من ذلك كله، أن تعلن المملكة العربية السعودية عن وقف إطلاق النار، وأن تعرض إجراء محادثات سلام في مدينة الطائف السعودية، حيث جرت محادثات سلام سابقة مع اليمنيين.

كان الدافع وراء تحركات المملكة العربية السعودية في اليمن مخاوفها بشأن الأمن القومي، خاصة في أعقاب التدخل الإيراني في اليمن، غير أن جهود الحرب التي بذلتها المملكة العربية السعودية لم تعزز أمنها، بل زادت من احتمال وقوع إصابات وأضرار محلية. تعتمد أنظمة الدفاع السعودية على نظام صواريخ باتريوت الأميركي الصنع. وقد نجحت المملكة العربية السعودية في منع الصواريخ الحوثية من التسبب في أضرارٍ كبيرة، لكن عدم قدرة السلطات السعودية على منع الحوثيين من إطلاق صواريخهم، يعد في المقام الأول بمثابة تذكيرٍ محرجٍ، يشير إلى عجز المملكة عن كبح عدوها المدعوم من إيران.

كل صاروخٍ تطلقه قوات الحوثي يشكل عبئاً سياسياً ومالياً على المملكة. لا يمكن تقديم تقديرٍ دقيقٍ لتكلفة صاروخ إيراني من النوع الذي يحصل عليه الحوثيون، لكن مع ذلك ليس ثمة مجال للمقارنة بين تكلفة الصاروخ الإيراني الذي يطلقه الحوثيون وصاروخ باتريوت الذي تقدر تكلفته بثلاثة ملايين دولار.

دفعت التكاليف غير المتوقعة المرتبطة بالنزاع في اليمن المملكة العربية السعودية إلى اقتراض الأموال على نحو متزايد من البنوك الدولية دون أن تذكر بوضوح الغرض من تلك الأموال. وبحسب ما أوردته بعض المصادر، فقد جمعت المملكة 11 مليار دولار من خلال قرض حصلت عليه من بنوك دولية.

علاوة على ذلك، لا يمكن تقدير التكاليف السياسية المرتبطة بإزهاق أرواح نفوس الأبرياء. أسفرت الأخطاء التي ارتكبتها الاستخبارات السعودية إلى استهداف حافلة يشتبه في أنها تنقل قوات الحوثي، بينما أصاب ذلك الصاروخ حافلة مدرسية تحمل أطفالاً كانوا في رحلة. لا يمكن للمملكة أن تواجه منطقة حرب مفتوحة على حدودها الجنوبية، وأن تكسب ثقة الأسواق الدولية وأن يكون لها مكانة أخلاقية عليا في نفس الوقت.

تقلل الأخطاء والمخاطر المرتبطة بالنزاع طويل المدى من مكانة السعودية دولياً، وتزيد من احتمال المواجهة مع حلفائها التقليديين. وقد صرح وزير الدفاع جيم ماتيس مؤخراً قائلاً: "نحن ندعم حق السعودية في الدفاع عن النفس". وقد روجت وسائل الإعلام السعودية لتصريح ماتيس ونقلته بحماسة مفرطة، لكنها أغفلت بشكلٍ انتقائيٍ الجزء الذي ذكر فيه الوزير أن الدعم الأميركي ليس "غير مشروطٍ" وأنه حث السلطات السعودية على "القيام بكل ما هو ممكنٌ إنسانياً لتجنب أي خسائرٍ في الأرواح البريئة".

ينبغي أن تكون تصريحات ماتيس بمثابة تقييمٍ للواقع يستفيد منه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية تستمد موقعها وتعريفها من مكانتها الإسلامية، ولسنا بحاجة إلى أن يذكرنا الغير بقيمة الحياة البشرية، حيث يتوقع المسلمون في جميع أنحاء العالم رؤية مهد الإسلام يجسد أخلاقيات الإسلام بامتياز.

لا تستحق المملكة العربية السعودية بأن تقارن بما يجري في سوريا، التي لا يتردد زعيمها على ما يبدو، في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، لكن استمرار الحرب في اليمن سيثبت صحة الأصوات التي تقول بأن السعودية تفعل في اليمن ما يفعله الرئيس السوري بشار الأسد والروس والإيرانيون في سوريا. حتى في جنوب اليمن الذي تم "تحريره"، يقوم المحتجون حالياً بحملة عصيان مدني يرددون خلالها شعارات ضد التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يُنظر إليه على أنه يشكل السلطة الفعلية على الأرض، بدلاً من الحكومة اليمنية في المنفى.

قد تتيح محادثات السلام للمملكة العربية السعودية فرصة ذهبية. ومن شبه المؤكد أن تجد الرياض دعماً دولياً إذا شرعت في عملية وقفٍ لإطلاق النار مع انطلاق المفاوضات. ويتعينُ عليها أن تستخدم نفوذها العالمي وأن تضم المؤسسات والحلفاء الدوليين لممارسة ضغوطٍ ماليةٍ على طهران للانسحاب في اليمن.

ويجب على ولي العهد السعودي أيضاً أن يقبل بأن يضطلع الحوثيون وحركة الإصلاح (الإسلاميين السنة) والانفصاليون الجنوبيون بدور مستقبلي في تسيير شؤون اليمن. من الواضح أن الرياض لن تحصل على كل ما تريده، وعليها أن تترك لليمنيين مهمة معالجة خلافاتهم مع رفاقهم الحوثيين، في إطار مجلس وطني، بدلاً من الغرق في معارك دامية.

وبقدر طول واستمرار هذه الحرب القاسية في اليمن، بقدر ما تكون تكلفتها دامية. سيكون شعب اليمن مشغولاً بمكافحة الفقر والكوليرا وندرة المياه وإعادة بناء بلدهم. لهذا السبب، على ولي العهد أن يضع حداً للعنف ويعيد الكرامة إلى بلده، مهد الإسلام.

– هذا المقال مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
جمال خاشقجي
صحفي وإعلامي سعودي
تحميل المزيد