بدايةً.. إن حدث وكنت أقرأ مقالاً بشأن العلاقة بين رجل وامرأة أو الحب بصفة عامة، ولاحظت أن المقال قد اكتظّ بعبارات رومانسية شاعرية لا تغني ولا تنقذ أحداً من خطر الخذلان، على سبيل المثال "الحب هو الروح.. الحب هو السكينة، الحب هو الأمان"، حينها أتوقف فوراً عن مواصلة قراءة ذلك المقال لما جعلني أشعر به من غثيان الرومانسية الواهمة.
أجل الحب هو السكينة، ولكن هل مجرد التقاء رجل وامرأة أحسَّا بإعجاب متبادل لبعض الوقت هو سبب كافٍ لجعل تلك السكينة والمشاعر الصادقة من كلا الطرفين تتحقق؟ بالطبع لا، وإلا لما خُذل بعضنا وما فشلت علاقات معينة دون سواها ونجحت أخرى. علينا أن نَعِي جيداً أن ما من أحد قام بخذلاننا إلا وقد كنا طرفاً مساعداً له لتحقيق ذلك المصير. البعض سيقول: كيف ذلك؟ من تريد مثلاً من الرجل الذي تمنته حبيباً إلى الأبد أن يخذلها؟ الإجابة هي: نعم، وعليك أن تقتنعي بذلك لتمري إلى المرحلة الموالية، ألا وهي كيف قمت بمساعدته على خذلانك؟
في هذه الدنيا، يقوم القدر بوضع أشخاص معينين دون سواهم ليعترضوا طريقك، أشخاص لن تنساهم الذاكرة، ستعجبين به.. ومن المرجح أيضاً أنه سيبادلك الإعجاب، ستكون به جميع المواصفات التي قد نقشها قلبك لعقلك، لكن الأمور لا تسير على ما يرام وتنتهي بتخليه عنك لأيِّ سببٍ من الأسباب وفي ظرف مدة زمنية مختلفة.
الآن، إن حدث وكنت الطرف الذي خُذِل، فحرِيٌّ بك أن تقتنعي بأن الذي خذلك لم يكن يعتبرك مكسباً لا يفرّط به، وذلك هو خطؤك الذي قمت به، أنك لم تتنبئي منذ البداية بقوة حظوظ علاقتك به من عدمها وانسقتي وراء عواطفك لا وراء المنطق والحقيقة التي في العادة ما تكون واضحة من خلال تصرفات وممارسات يقوم بها الطرف المتخلي منذ استئناف العلاقة.
بعد مرحلة الخذلان، لا داعي لتصديق حجة الظروف أو الاقتناع بعبارة الرجال الشهيرة التي يستخدمونها عند الانسحاب التكتيكي: "أنتي تستحقين رجلاً أفضل مني" على سبيل المثال. صديقني من أهم الأمور التي يجب عليك الإيمان بها في العلاقات العاطفية أن تقتنعي بأن ما من رجل أرادك بصدق سيظن بأنك تستحقين رجلاً أفضل منه.
لذلك إياك وتصديق تلك العبارة الشهيرة.
كنت دائماً أومن بهذه العبارة "إذا أردت شيئاً بقوة فأطلق سراحه واترك له باب القفص مفتوحاً، فإن عاد إليك فقد كان دائماً لك وإن لم يعد.. فإنه لم يكن لك من البداية". وهذا ما يجب عليك القيام به عزيزتي المرأة، وسيسمح لك بأن تكوني الطرف المرتاح في العلاقة، وإياك أن تشكي أو تخافي من فقدانه إن حدث وقللتي من فورة اندفاع مشاعرك نحوه، فالرجل الذي يريدك حقاً سيتحدى أي شيء ليبقيك معه وإن حدث ونفر منك فذلك لقلة تمسّكه بك لا لأنك قمت بخطأ ما في العلاقة.
أيضاً لا داعي لإغراق الرجل بعبارات الحب دائماً، لستِ مضطرة أن تثبتي له كل يوم من خلال رسالة صباحية أنك تفكرين به وأنك محظوظة لوجوده في حياتك. أتعتقدين بأن الرجل أعمى عليك كي يحتاج منك رسالة تذكرينه بها لوجودك في حياته؟ تأكدي أن الرجل يعشق أضعاف أضعاف المرأة ويقدم النفيس والغالي في سبيل إبقاء محبوبته إلى جانبه، فإن رأيت تقاعساً منه لإظهار مشاعره نحوك كما تفعلين أو أنه تمادى بإهمالك مراراً وتكراراً فذلك لأنك حللت محله في لعبة الحب والتحدي أو لأنه لم يحبك حقاً. لأن الرجل يعشق التي يتحدى من أجلها وليس العكس ولا تصدقي غير ذلك حتى وإن نطقها هو لك. صحيح أنه سيريد حبيبة تريحه من هم التحدي وتغرقه في الشعور بأنه مرغوب ومحبوب، لكنه في نفس الوقت سيعشق تلك التي تعذبه في الحب، حبيبة أخرى سيعتبرها مكسباً لا يفرط به.
أعلم أن إعطاء المقال شكلاً ذكورياً أمر مقيت خصوصاً أننا نتحدث عن الرجل وكأنه الطرف الذي نريد منه البقاء وعدم الخذلان، لكنها الحقيقة، الرجال هم من يخذلون أكثر في العلاقات العاطفية. لذلك حريّ بك أن تكفي عن الاهتمام الزائد به وتكوني له الحلم المستحيل وإلا سيتفنن في إهمالك والتعالي على قلبك لاطمئنانه أنك تؤكدين له كل صباح برسالة غرامية أنك تهيمين حباً به. الحب يحتاج ذكاء عاطفياً، يحتاج امرأة غير مبالية، باردة أحياناً ولا تبادر كثيراً؛ لأن وقوعها في براثن مشاعرها سهل جداً عكس الرجل.
توجد العديد من النساء اللواتي لم يتوفقن في العلاقات العاطفية مراراً وتكراراً، حتى ليصل بهن التفكير أحياناً أنهن لن يتوفقن أبداً، وهذا الاحتمال يجعلني أستذكر المثل التونسي "شوية من الحنة وشوية من رطابة اليدين"، بما معناه إذ لم يعجبك شكل الحنة على يدك فربما العيب في عدم نعومة يدك والحنة معاً، وليس في الحنة وحدها، أي أنك لستِ بريئة تماماً في ما حصل لك.
الحب الحقيقي هو ثمرة صدق المشاعر التي تنجو من ركام الأيام والسنوات بين رجل وامرأة، فالحبب هو ما ثبت وليس ما شعرت به أو امتلكته لبرهة من الزمن فابحثي عن الرجل الذي يسعى خلف قلبك ويثبت عليه ولا تحلي محله في التحدي، وتذكري أن الرجل يعشق التي يبكي من أجلها لا التي تبكيه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.