أنا يمني.. كيف جعلتني الحرب الأهلية في بلادي شخصاً بخيلاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/13 الساعة 09:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/13 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
A man sells spices on May 4, 2007 in Sanaa, Yemen. Open markets play a central role in the social-economic life of Yemen, one of the poorest countries in the Arab World.

صباح اليوم وأثناء تناولي وجبة الإفطار في أحد المقاصف تقدم أحدهم نحوي طالباً مشاركتي الطعام، أومأت له بحركة تدل على عدم رغبتي في ذلك، والسبب أن ما بحوزتي من نقود تكفي بالكاد لتغطية نفقة تناولي سندويتشاً واحداً مع عصير الليمون.

اتجه الرجل نحو الباب للخروج وقلبي يكاد ينفطر عليه من الألم، فخلال ذلك عصفت بذهني مئات الأحداث التي سببتها الحرب ودفعت الكثير من الناس بقوة نحو حافة الفقر، الكثير منهم أرغموا على التسول لإشباع بطونهم وبطون أسرهم الجائعة، كحال ذلك الرجل الذي لم يكن التسول مهنته يوماً ما على الإطلاق.

سأكون منصفاً لو اعترفت بأن الحالة المادية الصعبة التي أوجدتها الحرب ترغم الكثير من الناس بأن يصبحوا بخلاء، وهي عادة سيئة لم تكن متجذرة في صفاتهم مثلما هو التسول الذي لم يكن من عادة ذلك الرجل الذي علمت بعد ذهابه أنه عاطل لم يجد عملاً منذ فترة، ولكي يؤمن له ولأسرته غذاءً يبقيه على قيد الحياة يلجأ إلى ذلك الفعل مُكرهاً بعد أن سُدت في وجهه كل السبل.

فالحرب العبثية في اليمن والمستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات دفعت الكثير من المدنيين الذين كانوا يحتلون مناصب قيادية رفيعة في المكاتب الإدارية للدولة، والبعض الآخر من الطبقات الاجتماعية الأخرى إلى الفقر، وتنقل المواقع الإخبارية اليمنية يومياً قصصاً صحافية وتتحدث بالأرقام عما بات معروفاً لدى العديد من الناشطين بقصص الجوعى ممن دفعهم الفقر إلى مزاولة أنشطة غير تلك التي كانوا يمارسونها من قبل.

ففي أحدث فصول هذه القصص أورد موقع إلكتروني يمني، يوم أمس، قصة مهندس نفطي رفيع في إحدى الشركات النفطية أجبرته البطالة والفقر الذي يعيشه على أن يكون بائعاً للفحم.

افترش المهندس "الذي أتحفظ على ذكر اسمه" أحد الأرصفة في مدينة عدن جنوب البلاد وبدأ في مزاولة البيع اليومي والذي لا أعلم ما إذا كان ذلك العمل يحقق له ربحاً كالذي يطمح إليه أو على الأقل بحده الأدنى.

قصة أخرى لدكتور أكاديمي في جامعة ذمار التي تحمل اسم المدينة الواقعة جنوب غرب صنعاء وتخضع لسلطة جماعة الحوثي، حيث يبدأ نهاره بالعمل على عربة صغيرة تدفعها يداه ويبيع على ظهرها الخضراوات لتأمين الغذاء لأطفاله.

منظمات الإغاثة تتحدث عن 8 ملايين يمني أصبحوا ضمن من يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، وهو رقم يبدو متواضعاً نظراً للكارثة الغذائية التي تعاني منها البلاد، فالحقيقة التي أومن بها والتي يعلمها الكثيرون ممن يهتم بالشأن الإغاثي هو أن 15 مليون يمني في أمسّ الحاجة إلى مساعدات غذائية ودوائية عاجلة.

فعلى سبيل المثال تحصر منظمات الإغاثة مساعدتها للفقراء بالدقيق والأرز والزيت والسكر، فيما تبقى المواد الغذائية التي يحتاجها السكان والمتمثلة في الفواكه والخضراوات وبقية المستلزمات الغذائية الأخرى بما فيها ذلك اللحوم بعيدة عن عنهم.

أضف إلى ذلك أن كمية المواد التي تتلقاها الأسرة بالكاد تكفي لأسبوع، فيما تتسلم تلك الأسر حصتها الجديدة بعد مُضيّ أكثر من شهر، كما أن نشاط منظمات الإغاثة ينحصر في المدن سواءً تلك التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية أو تحت سيطرة جماعة الحوثي، فيما تبقى البلدات والقرى الريفية ذات الكثافة السكانية العالية بعيدة عن اهتمامها.

فالعديد من السكان وجدوا الأرياف مكاناً آمناً وبعيداً عن القتال وضربات طائرات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، فهربوا إليها أملاً في النجاة  من كوارث الحرب، فضلاً عن عدم قدرتهم على دفع إيجارات الشقق التي يسكنونها، لدرجة أن البعض عاد إلى منزله الريفي بعد مضي أكثر من 20 عاماً على مغادرته له ومكوثه في المدينة.

هذه البلدات والقرى تبقى بعيدة بشكل كبير عن اهتمام منظمات الإغاثة التي تتخوف من عدم توافر الأمن فيها، ما قد يعرّض طواقمها الإغاثية للقتل أو الاختطاف، لذا تحجم عن زيارتها وتترك سكانها يصارعون بمفردهم من أجل البقاء على قيد الحياة.

مآسي الحرب اليمنية عديدة ووحدهم السكان المدنيون من يدفعون ثمن تلك المآسي وبعضها تظل طيّ الكتمان ولا يعلم أحد فصولها رغم قسوتها وجوانبها الإنسانية الحزينة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
فيصل حسان
صحفي يمني
تحميل المزيد